الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: الكتاب
لا ريب أنَّ الاستدلال بالقرآن محلُّ إجماع المسلمين، لكن الاختلاف في تناول نصوص الكتاب وفهمها وتطبيقها، والموفَّق من صحَّ فهمه وحسن قصده عند الاستدلال بها، "وصحة الفهم وحُسن القصد من أعظم نعم الله عز وجل التي أنعم بها على عبده بل ما أُعطي عبدٌ عطاءً بعد الإسلام أفضل ولا أجل منهما بل هما ساقا الإسلام وقيامه عليهما وبهما يأمن العبد طريق المغضوب عليهم الذين فسد قصدهم، وطريق الضالين الذين فسدت فهومهم"
(1)
.
وعند سبر آراء ابن عجيبة في الكتاب والاستدلال به نجد أن لديه آراءً توافق الحق، وأخرى خالف فيها ما يدلُّ عليه الكتاب وأقوال سلف الأمة.
ومما وافق فيه الحق قوله
(2)
: "أما القرآن العظيم فلا بدَّ من الإيمان أنه منزَّلٌ على نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم، فمن اعتقد أنه منزَّلٌ على غيره كالروافض
(3)
فإنه كافر بإجماع الأُمَّة"،
(1)
إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم 1/ 87.
(2)
البحر المديد 1/ 75.
(3)
الروافض: هم الذين يتبرؤون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ويسبونهم وينتقصونهم ويكفِّرون الصحابة رضي الله عنهم إلا نفرًا يسيرًا، ومنهم علي، وعمَّار، وسلمان رضي الله عنهم، قال عبد الله بن أحمد: سألتُ أبي عن الرافضة؟ فقال: الذين يسبون أو يشتمون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، وقال: قلتُ لأبي: من الرافضي؟ قال: "الذي يسب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، وقيل سموا رافضة لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وقيل لرفضهم الحق، وأقول إنهم يحملون عقائد خطيرة منها: انتقاص الرَّبِّ عز وجل، وتأليه الأئمة وتحكيم غير شرع الله. ينظر: السُّنَّة للإمام أحمد، ص 81، طبقات الحنابلة 1/ 33، والسُّنَّة، لعبد الله بن أحمد 2/ 548، السُّنَّة، للخلال، ص 492 رقم 777، منهاج السُّنَّة 1/ 8، الحجة في بيان المحجة، لأبي القاسم التيمي 2/ 478.
وذهبت الغرابية إلى أنَّ الله تعالى لم يبعث محمَّدًا نبيًّا ولم يرسل إليه جبريل عليه السلام بالرسالة، ولكنه أرسله إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكان محمَّد صلى الله عليه وسلم أشبه بعليٍّ من الغراب بالغراب، وقد بعث الله جبريل إلى علي فغلط جبريل في تبليغ الرِّسالة إلى علي بن أبي طالب، فبلَّغها إلى محمَّد بن عبد الله، قال شاعرهم:(غلطِ الأمينُ فحادها عن حيدرة)، ويلعنون صاحب الريش، ويعنون به جبريل عليه السلام.
وهذا لا شكَّ في بطلانه قال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} الفتح: 29، وقال تعالى:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} آل عمران: 144، وقال تعالى {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} الأحزاب: 40، ينظر: السيوف المشرقة ومختصر الصواقع المحرقة، ص 422.
وقال: والمراد بإنزاله: إمَّا إنزاله كله إلى سماء الدنيا، أُنزل جملةً واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا، ثم نزل نجومًا في ثلاثٍ وعشرين سنة، وإمَّا ابتداء نزوله، وهو الأظهر
(1)
.
ومنها ذكره لبعض خصائص القرآن:
1 -
حبل الله المتين وهو النور المبين والشفاء النافع.
2 -
مهيمن على الكتب
(2)
.
3 -
حفظه من التحريف
(3)
.
4 -
لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه
(4)
.
ومنها قوله: "كل ما اختُلف فيه يُرد إلى كتاب الله عز وجل ثم إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إلى الإجماع، ثم إلى القياس، فهذه هي قواعد الشريعة وعليها بنيت الأحكام فمن خرج عنهما فهو مبطلٌ، ففي كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من علم الأصول والفروع ما فيه غُنية، فإن لم يوجد نصٌّ فالإجماع أو القياس"
(5)
.
وعند تأمُّل ما سبق ذكره من أمثلة نجد أنه وافق فيها الحق وما دلَّت عليه النصوص من الكتاب والسُّنَّة، وقول سلف الأمة.
(1)
البحر المديد 7/ 331.
(2)
المرجع نفسه 4/ 627.
(3)
نفسه 2/ 20، 25.
(4)
الدرر الناثرة في توجيه القراءات المتواترة، ص 7.
(5)
المرجع نفسه 5/ 195.
وبعد ذلك ذكر أمورًا يخالف فيها نصوص الكتاب والسُّنَّة وما عليه العلماء الربانيين.
نجد هذا في قوله: "اعلم أن للقرآن العظيم ظاهرًا لأهل الظاهر، وباطنًا لأهل الباطن، وتفسير أهل الباطن لا يذوقه إلا أهل الباطن، لا يفهمه غيرهم ولا يذوقه سواهم، ولا يصح ذكره إلا بعد تقرير الظاهر، ثم يشير إلى علم الباطن بعبارة رقيقة وإشارة دقيقة، فمن لم يبلغه فهمه لذوق تلك الأسرار فليسلِّم، ولا يبادر بالإنكار فإن علم الأذواق من وراء طور العقول، ولا يدرك بتواتر النقول"
(1)
.
وهذا عند المحققين لا يوافق عليه؛ فإن العلماء بيَّنوا المعنى الصحيح للظاهر والباطن.
قال الطبري
(2)
: "ظهره الظاهر في التلاوة، وبطنه ما بطن في تأويله"
(3)
، ولقد علَّق على هذا القول أحمد شاكر
(4)
فقال: "الظاهر هو ما تعرفه من كلامها، وما لا يعذر أحد بجهالته من حلال وحرام، والباطن: هو التفسير الذي يعلمه العلماء بالاستنباط والفقه، ولم يرد الطبري على ما تفعله الصوفية في التلاعب بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والعبث بدلالات ألفاظ القرآن، وادعائهم أن لألفاظه "ظاهرًا" هو الذي يعلمه علماء المسلمين، وباطنًا يعلمه أهل الحقيقة
(5)
فيما يزعمون"
(6)
.
(1)
البحر المديد 1/ 94.
(2)
هو أبو جعفر، محمد بن جرير بن يزيد الطبري، المؤرِّخ المفسِّر، ولد في آمل طربستان سنة 224 هـ، واستوطن بغداد، من مؤلفاته: جامع البيان في تفسير القرآن، أخبار الرُّسُل والملوك، توفي سنة 310 هـ، ينظر: طبقات الشافعية 3/ 120، تاريخ بغداد 2/ 162.
(3)
جامع البيان في تأويل القرآن 1/ 72.
(4)
أحمد بن محمد شاكر بن أحمد بن عبد القادر، عالم بالحديث والتفسير، ولد سنة 1309 هـ، وتوفي سنة 1377 هـ، ينظر: الأعلام 1/ 235.
(5)
الحقيقة لغة: من الحق، خلاف الباطل، وجمعه حقوق وحقاق، وهي في اصطلاح الصوفية: كشف رداء الصون عن مظهر الكون، فيفنى من لم يكن، ويبقى من لم يزل، وهي: ذات الشيء وأصله، وحقيقة الإنسان: ماهيته ومادته لم يزل. ينظر: لسان العرب 10/ 49، والقاموس المحيط، ص 1129، والفتوحات الإلهية، ص 24.
(6)
جامع البيان في تأويل القرآن 1/ 72، حاشية رقم:2.
ويؤيد هذا الشاطبي
(1)
بقوله: "من الناس من زعم أن للقرآن ظاهرًا وباطنًا وربما نقلوا في ذلك بعض الأحاديث والآثار، فعن الحسن
(2)
مما أرسله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما أنزل الله آية إلا ولها ظهر وبطن بمعنى ظاهر وباطن، وكل حرفٍ حد، وكل حد مطلع، وفُسِّر بأن الظهر والظاهر هو ظاهر التلاوة والباطن هو الفهم عن الله لمراده، فإن كان مراد من أطلق هذه العبارة ما فُسِّر فصحيح ولا نزاع فيه، وإن أرادوا غير ذلك فهو إثبات أمر زائد على ما كان معلومًا عند الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم فلا بدَّ من دليل قطعي يثبت هذه الدعوى؛ لأنها أصلٌ يحكم به على تفسير الكتاب فلا يكون ظنيًّا، وما استُدل به إنما غايته إذا صح سنده أن ينتظم في سلك المراسيل"
(3)
.
وقال ابن حزم
(4)
: "لو كان لكل آية ظهر وبطن لكنا لا سبيل لنا إلى علم البطن منها بظن، ولا بقول قائل، لكن ببيان النبي صلى الله عليه وسلم الذي أمره الله عز وجل بأن يُبيِّن للناس ما نُزِّل إليهم، فإن أوجدونا بيانًا عن النبي صلى الله عليه وسلم فليس أحد أولى بالتأويل
(1)
هو: أبو إسحاق، إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي، الشاطبي، أصوليٌّ، حافظ، كان من أئمة المالكية، له مصنفات منها: الاعتصام، الموافقات، مات سنة 790 هـ. ينظر: الأعلام 1/ 75.
(2)
هو أبو سعيد، الحسن بن أبي الحسن البصري، واسمه يسار، أمُّه مولاة أمِّ سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، رأى بعض الصحابة رضي الله عنهم، ولم يسمع من أحدٍ منهم، كان جامعًا عالمًا، رفيعًا عابدًا، ناسكًا، كثير العلم فصيحًا، توفي سنة 110 هـ. ينظر: تذكرة الحُفَّاظ 1/ 72، سير أعلام النبلاء 4/ 641.
(3)
الموافقات 3/ 227.
(4)
هو أبو محمد، علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن معدان بن سفيان بن يزيد الفارسي الأصل، ثم الأندلسي القرطبي اليزيدي مولى الأمير يزيد بن أبي سفيان بن حرب الأموي رضي الله عنه، له مؤلفات: منها: المحلَّى في الفقه، الملل والنحل، ولد بقرطبة سنة 384 هـ، ومات في شوال سنة 459 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء 18/ 184.
في باطن ما تحتمله تلك الآية من آخر من تأول أيضًا، ومن الباطل المحال أن يكون للآية باطن لا يبيِّنُه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان يكون حينئذ لم يبلغ كما أمر، وهذا لا يقوله مسلم فبطل ما ظنُّوه"
(1)
.
ووصف أبو الفضل السكسي
(2)
حال القائلين بالظاهر والباطن بقوله: "والصوفية يعتزون إلى أهل السُّنَّة وليسوا منهم، قد خالفوهم في الاعتقاد والأفعال، والأقوال، أما الاعتقاد فسلكوا مسلكًا للباطنية الذين قالوا: إن للقرآن ظاهرًا وباطنًا فالظاهر ما عليه حملة الشريعة النبوية، والباطن ما يعتقدونه، فكذلك -أيضًا- فرق الصوفية قالت: إن للقرآن والسُّنَّة حقائق خفيَّة باطنية غير ما عليه علماء الشريعة من الأحكام الظاهرة، التي نقلوها خلفًا عن سلف، متصلًا بالنبي صلى الله عليه وسلم بالأسانيد الصحيحة والنقلة الثقات وتلقته الأمة بالقبول وأجمع عليه السواد الأعظم"
(3)
.
وقال البربهاري
(4)
: "وكل علم ادعاه العباد من علم الباطن لم يوجد في الكتاب ولا في السُّنَّة فهو بدعة وضلالة، لا ينبغي لأحد أن يعمل به ولا يدعو إليه"
(5)
.
وممَّا يؤخذ على ابن عجيبة في تلقي القرآن أنه يزعم أن العارفين يسمعون القرآن بلا واسطة، حيث قال:
(1)
الإحكام في أصول الأحكام 1/ 288.
(2)
هو أبو الفضل، عبَّاس بن منصور بن عبَّاس التريمي السكسكي، فقيه يماني، تولى القضاء في تعز، توفي سنة 638 هـ. ينظر: الأعلام 3/ 268.
(3)
البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان، ص 65.
(4)
أبو محمد، الحسن بن علي بن خلف البربهاري، نسبةً إلى الأدوية التي تجلب من الهند، قال ابن الجوزي عن البربهاري: جمع العلم والزُّهد، وكان شديدًا على أهل البدع، من مؤلفاته: شرح السُّنَّة، توفي عام 329 هـ. ينظر: طبقات الحنابلة 2/ 16، البداية والنهاية 11/ 213، سير أعلام النبلاء 15/ 90، شذرات الذهب 2/ 319.
(5)
شرح السُّنَّة، ص 106.
"العارفون بالله عز وجل لا يسمعون القرآن إلا من لدن حكيم عليم، بلا واسطة، الواسطة محذوفة في نظرهم، فهم يسمعون من الله عز وجل إلى الله عز وجل "
(1)
.
وقال أيضًا: "العارف لم تبق له واسطة بينه وبين الله عز وجل ولا بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل يأخذ الأشياء من معدنها، فالحقيقة يأخذها من معادنها وهي شهود الذات الأقدس بلا واسطة حس الأكوان، بل تمتحي الأكوان وتمحق في نظره، فلا يرى إلا المكون، ويأخذ الشريعة من معادنها وهي الكتاب والسُّنَّة إن كان أهلًا وإلا استفتى قلبه، ولذلك قيل الصوفي لا مذهب له، أي لا يقلد أحدًا من أهل المذهب"
(2)
.
وقوله هذا واعتقاده من أخطر ما يكون على عقيدة العبد وعبادته إذ إسقاط الواسطة بين الله وبين خلقة مصادم لنصوص الشرع، ولما اتفقت عليه أهل الملل.
قال ابن تيمية رحمه الله: "مما أجمع عليه أهل الملل من المسلمين، واليهود والنصارى: أنهم يثبتون الوسائط بين الله وبين عباده، وهم الرُّسل الذين بلَّغوا عن الله أمره وخبره، قال تعالى:{اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}
(3)
ومن أنكر هذه الوسائط فهو كافرٌ بإجماع أهل الملل"
(4)
.
وأما ما ذكره ابن عجيبة من تلقي القرآن وسماعه بلا واسطة فهذه أيضًا من تخرصات الصوفية.
(1)
البحر المديد 4/ 175.
(2)
شرح صلاة ابن عربي، ضمن سلسلات نورانية فريدة، جمع العمراني الخالدي، ص 47.
(3)
سورة الحج: 75.
(4)
ينظر: الواسطة بين الحق والخلق، ضمن مجموع الفتاوى، ص 10.
قال ابن تيمية: "فكلُّ من كان من أهل الإلهام والخطاب والمكاشفة لم يكن أفضل من عمر رضي الله عنه، فعليه أن يسلك سبيله في الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة تبعًا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم لا يجعل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم تبعًا لما ورد عليه، وهؤلاء الذين أخطأوا وضلُّوا وتركوا ذلك، واستغنوا بما ورد عليهم، وظنُّوا أنَّ ذلك يغنيهم عن اتباع العلم المنقول، وصار أحدهم يقول: أخذوا علمهم ميتًا عن ميت، وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت فيقال له: أما ما نقله الثقات عن المعصوم، فهو حق ولولا النقل المعصوم لكنت أنت وأمثالك إما من المشركين، وإما من اليهود والنصارى، وأما ما ورد عليك فمن أين لك أنه وحي من الله؟ ومن أين لك أنه ليس من وحي الشيطان؟ "
(1)
.
ويقول أيضًا رحمه الله: "فليس في المحَدَّثين الملهمين أفضل من عمر رضي الله عنه "
(2)
.
وقال ابن الجوزي
(3)
: "ومن قال حدَّثني قلبي عن ربي فقد صرَّح أنه غني عن الرسول، ومن صرَّح بذلك فقد كفر، فهذه كلمة مدسوسة في الشريعة تحتها هذه الزندقة، ومن رأيناه يزري على النقل علمنا أنه قد عطَّل أمر الشرع، وما يؤمن هذا القائل حدثني قلبي عن ربي أن يكون ذلك من إلقاء الشياطين فقد قال الله عز وجل:{وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}
(4)
، وهذا هو الظاهر؛ لأنه ترك الدليل المعصوم وعوَّل على ما يلقي في قلبه الذي لم يثبت حراسته
(1)
الواسطة بين الحق والخلق، ضمن مجموع الفتاوى 13/ 74.
(2)
مجموع الفتاوى 13/ 73.
(3)
هو أبو الفرج، عبد الرحمن بن علي المعروف بابن الجوزي البغدادي، توفي سنة 597 هـ، ومن مصنفاته: تلبيس إبليس، زاد المسير، ينظر: البداية والنهاية 13/ 28، تاريخ الإسلام 12/ 1100، 1114، الأعلام 3/ 316 - 317.
(4)
سورة الأنعام: 121.
من الوساوس وهؤلاء يسمون ما يقربهم خاطرا"
(1)
.
وقال ابن القيم: "ومن أحالك على غير أخبرنا وحدثنا فقد أحالك إما على خيال صوفي، أو قياس فلسفي، أو رأي نفسي، فليس بعد القرآن و (أخبرنا) و (حدثنا) إلا شبهات المتكلمين، وآراء المنحرفين، وخيالات المتصوفين، وقياس المتفلسفين، ومن فارق الدليل ضلَّ عن السبيل، ولا دليل إلى الله والجنة سوى الكتاب والسُّنَّة، وكل طريق لم يصحبها دليل القرآن والسُّنَّة فهي طريق الجحيم والشيطان الرجيم"
(2)
.
كما يؤخذ على ابن عجيبة أنه لا يستدل بنصوص الكتاب والسُّنَّة على الأمور العقدية، حيث يقول:"إذا وقع الاختلاف في الأحكام الظاهرة -وهي ما يتعلق بالجوارح الظاهرة- رُجع فيه إلى الكتاب العزيز أو السُّنَّة المحمدية، أو الإجماع أو القياس، وإن وقع الاختلاف في الأمور القلبية -وهي ما يتعلق بالعقائد التوحيدية من طريق الأذواق أو العلوم- يُرجع فيه إلى أرباب القلوب الصافية، فإنه لا يتجلى فيه إلا ما كان هو حقٌّ وصواب"
(3)
.
ومثال ذلك: أن المريدين لا يعرضون أو يَزِنون أقوال شيوخهم على الكتاب والسُّنَّة، ولقد شرح ابن عجيبة قول أبي الحسن الشاذلي:"من آداب مجالسة الصِّدِّيقين أن تفارق ما تعلم لتظفر بالسر المكنون"
(4)
فقال:
"يعني إن أردت أن تظفر بما عندهم من السرِّ المكنون فأسقط عنهم الميزان في
(1)
تلبيس إبليس، ص 451.
(2)
مدارج السالكين 2/ 468.
(3)
البحر المديد 4/ 217.
(4)
إيقاظ الهمم، ص 368.
أقوالهم، وأفعالهم، وأحوالهم، وأمَّا ما دمت تزن عليهم بميزان علمك فلا تشم رائحة من سرِّهم"
(1)
.
وهذا تناقض واضطراب منه؛ إذ نحن مأمورون بالإيمان بجميع الكتاب والتحاكم إليه والتسليم، لا أن نؤمن ببعضه، ونكفر بالبعض الآخر، قال عز وجل:{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}
(2)
.
وقال ابن تيمية: "ومن قال: أنا محتاج إلى محمد صلى الله عليه وسلم في علم الظاهر دون علم الباطن، أو في علم الشريعة دون علم الحقيقة، فهو شرٌّ من اليهود والنصارى الذين قالوا: إن محمدًا رسولٌ إلى الأُمِّيين دون أهل الكتاب، فإن أولئك آمنوا ببعض وكفروا ببعض فكانوا كُفَّارًا بذلك، وكذلك هذا الذي يقول إن محمدًا بعث بعلم الظاهر دون علم الباطن آمن ببعض ما جاء به وكفر ببعض فهو كافر، وهو أكفر من أولئك؛ لأن علم الباطن الذي هو علم إيمان القلوب ومعارفها وأحوالها هو علم بحقائق الإيمان الباطنة وهذا أشرف من العلم بمجرد أعمال الإسلام الظاهرة، فإذا ادعى المدعي أنَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم إنما علم هذه الأمور الظاهرة دون حقائق الإيمان؛ وأنه لا يأخذ هذه الحقائق عن الكتاب والسُّنَّة فقد ادَّعى أنَّ بعض الذي آمن به مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم دون البعض الآخر وهذا شرٌّ ممن يقول: أؤمن ببعض وأكفر ببعض ولا يدعي أن هذا البعض الذي آمن به أدنى القسمين"
(3)
.
(1)
إيقاظ الهمم، ص 368 - 369، وينظر: شرح نونية الششتري، ص 126.
(2)
سورة البقرة: 85.
(3)
الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ص 195.
(1)
.
قال ابن القيم في تفسير هذه الآية: "فأمر تعالى بطاعته، وطاعة رسوله، وأعاد الفعل إعلامًا بأنَّ طاعة الرسول تجب استقلالًا من غير عرض ما أمر به على الكتاب، بل إذا أمر وجبت طاعته مطلقًا، سواء كان ما أمر به في الكتاب أولم يكن فيه، فإنه أُوتِيَ الكتاب ومثله معه"
(2)
.
وعقيدة أهل السُّنَّة والجماعة أنَّ الكتاب والسُّنَّة هما الميزان للأقوال والأفعال، لهذا وُفِّقوا لكل خير؛ لأنهم "جعلوا الكتاب والسُّنَّة إمامهم، وطلبوا الدين من قبلهما، وما وقع لهم من معقولهم وخواطرهم عرضوه على الكتاب والسُّنَّة، فإن وجدوه موافقًا لهما قبلوه وشكروا الله حيث أراهم ذلك ووفقهم إليه، وإن وجدوه مخالفًا لهما تركوا ما وقع لهم، وأقبلوا على الكتاب والسُّنَّة، ورجعوا بالتهمة على أنفسهم، فإن الكتاب والسُّنَّة لا يهديان إلا إلى الحق، ورأي الإنسان قد يرى الحق وقد يرى الباطل"
(3)
.
وهذه من نعم الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة، قال ابن تيمية رحمه الله:"وكان من أعظم ما أنعم الله به عليهم اعتصامهم بالكتاب والسُّنَّة، فكان من الأصول المتفق عليها بين الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان أنه لا يُقبل من أحد قط أن يعارض القرآن لا برأيه ولا ذوقه ولا معقوله ولا قياسه ولا وجده، فإنهم ثبت عنهم بالبراهين القطعيات والآيات البينات أنَّ الرسول جاء بالهدى ودين الحق"
(4)
.
(1)
سورة النساء: 59.
(2)
إعلام الموقعين عن رب العالمين 1/ 48.
(3)
الحجة في بيان المحجة 2/ 238.
(4)
مجموع الفتاوى 13/ 28.
وقال ابن قتيبة
(1)
مبيِّنًا طريقة استدلال أهل السُّنَّة: "فأمَّا أصحاب الحديث فإنهم التمسوا الحق من وجهته وتتبعوه من مظانَّه، وتقربوا من الله تعالى باتباعهم سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلبهم لآثاره وأخباره"
(2)
.
وارتبط أهل السُّنَّة بالنصوص نفيًا وإثباتًا، وقولهم هو ما دلَّت عليه النصوص، قال الإمام أحمد رحمه الله: "فآمركم ألا تؤثروا على القرآن شيئًا، فإنه كلام الله عز وجل
…
ثم بعد كتاب الله: سنة النبي صلى الله عليه وسلم والحديث عنه وعن المهديين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم "
(3)
(4)
.
وتفسير الآية "أي إلى كتاب الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم ما دام حيًا، وبعد وفاته إلى سنته، والرد إلى الكتاب والسُّنَّة واجب إن وجد فيهما، فإن لم يوجد فسبيله الاجتهاد"
(5)
.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: صلى الله عليه وسلم «خطَّ لنا رسول الله يومًا خطًّا ثم قال: هذا سبيل الله، ثم خطَّ خطوطًا عن يمينه وعن شماله، ثم قال: هذه سبلٌ على كلِّ سبيل شيطان يدعو إليه ثم تلا قول الله عز وجل: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ
(1)
هو أبو محمد، عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، صاحب التصانيف، قال عنه الذهبي: الرَّجُل ليس بصاحب حديث، وإنما هو من كبار العلماء المشهورين، عنده فنون جمَّة وعلوم مهمَّة منها: غريب القرآن، غريب الحديث، مشكل الحديث، توفي سنة 276 هـ. ينظر: وفيات الأعيان 3/ 42 - 43، سير أعلام النبلاء 13/ 296 - 302.
(2)
تأويل مختلف الحديث، ص 51.
(3)
طبقات الحنابلة 1/ 342.
(4)
سورة النساء: 59.
(5)
تفسير البغوي 2/ 242.
وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}
(1)
»،
(2)
.
ولا حلاوة للإيمان إلا باتباع هدي محمد صلى الله عليه وسلم ومحبته وتقديم قوله على قول كل أحد، قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ»
(3)
.
وكل قول لا يوزن بميزان الشرع فهو مردود على صاحبه قال عز وجل: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ}
(4)
، قال ابن كثير
(5)
في تفسير الآية: "لو أجابهم الله عز وجل إلى ما في أنفسهم من الهوى، وشرع الأمور على وفق ذلك لفسدت السموات والأرض ومن فيهن"
(6)
.
وقال تعالى الله عز وجل: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
(7)
، "فتوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله، فما وافق ذلك قُبل، وما
(1)
سورة الأنعام: 153.
(2)
أخرجه أحمد في المسند 1/ 435 - 465، والطيالسي في المسند 244، والدارمي في السنن 1/ 67، والنسائي في السنن الكبرى 11174، وابن حبان في صحيحه 6 - 7، والحاكم في المستدرك 2/ 318، وقال: هذا حديثٌ صحيحُ الإسناد، وحسَّنه الألباني في تحقيقه لكتاب مشكاة المصابيح 1/ 85، رقم 166.
(3)
أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب حلاوة الإيمان 1/ 22، رقم 16.
(4)
سورة المؤمنون: 71.
(5)
هو: أبو الفداء، عماد الدين، إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء القرشي البصروي، ثم الدمشقي الفقيه الشافعي، ولد سنة 701 هـ، حفظ القرآن، وبرع في التفسير، له عناية بالرِّجَال، والمتون، والتفقُّه، ومن مصنفاته: أحكام التنبيه، اختصار علوم الحديث، تفسير ابن كثير، توفي سنة 774 هـ. ينظر: الدرر الكامنة 1/ 400، النجوم الزاهرة 11/ 123.
(6)
تفسير القرآن العظيم 3/ 250.
(7)
سورة النور: 63.
خالفه فهو مردود على قائله، وفاعله كائنًا من كان"
(1)
.
وابن عجيبة كغيره من الصوفية
(2)
الذين يعتقدون السرَّ
(3)
في شيخ الطريقة، فقد وضَّح هذا بقوله في تعريف العلم المخزون الذي تدَّعيه الصوفية: هو العلم الموهوب الذي يفيض على القلوب من حضرة علام الغيوب، لا يناله بحيلة ولا اكتساب، ولا يؤخذ من دفتر ولا كتاب، وإنما من حضرة الكمال مع حكمة صحبة الرجال، أو بمحض الفضل والنوال، وهي أسرار الربوبية التي أخفاها الله عن خلقه، ولم يطلع عليها إلا خواص أوليائه، فإذا نطقوا بها مع غير أهلها ردوا عليهم، وربما أباحوا دمائهم، ومنها الاطلاع على أسرار القدر وعجائب المغيبات
…
(4)
.
ولقد بيَّن أئمة السُّنَّة في ردودهم هذا الانحراف في المعتقد، قال ابن تيمية رحمه الله: "ولكن لقولهم سرٌّ خفيٌّ وحقيقة باطنة لا يعرفها إلا خواص الخلق، وهذا السرُّ هو أشدُّ كفرًا وإلحادًا من ظاهره؛ فإنَّ مذهبهم فيه دقة وغموض وخفاء، قد لا يفهمه كثير من الناس.
(1)
تفسير القرآن العظيم 3/ 307.
(2)
ينظر: إحياء علوم الدين 1/ 54.
(3)
السِّر في اللغة هو: إخفاء الشيء وكتمه، قال ابن فارس: السين والراء يجمع فروعه إخفاء الشيء، وما كان من خالصه ومستقره، ولا يخرج شيءٌ منه عن هذا، فالسِّر: ما تكتمه وتخفيه، خلاف الإعلان، يقال: أسررت الشيء إسرارًا: إذا أخفيته، خلاف أعلنته، وهو أيضًا ما يسره المرء في نفسه من الأمور التي عزم عليها، أمَّا في اصطلاح الصوفية: فهو: لطيفةٌ مودعةٌ في القلب كالرُّوح في البدن، وهو محلُّ المشاهدة، كما أنَّ الروح محل المحبة، والقلب محل المعرفة.
وسِرُّ الربوبية: ظهور الرَّبِّ بصور الأعيان، فهي من حيث مظهريتها للرَّبِّ القائم بذاته، الظاهر بتعيُّناته، قائمة به، وموجودة بوجوده، فهي عبيد مربوبون في هذه الحيثية، والحقُّ ربٌّ لها، فما حصلت الربوبية إلا بالحق والأعيان معدومة بحالها في الأزل. ينظر: مقاييس اللغة 3/ 67، القاموس المحيط، ص 366، مختار الصحاح، ص 124، الرسالة القشيرية، ص 97، المعجم الصوفي، ص 1233، الموسوعة الصوفية، ص 791 - 792.
(4)
ينظر: إيقاظ الهمم، ص 627.
ولهذا تجد كثيرًا من عوام أهل الدين والخير والعبادة ينشد قصيدة ابن الفارض
(1)
، ويتواجد عليها ويعظمها ظانًّا أنها من كلام أهل التوحيد والمعرفة، وهو لا يفهمها ولا يفهم مراد قائلها.
وكذلك كلام هؤلاء يسمعه طوائف من المشهورين بالعلم والدين، فلا يفهمون حقيقته.
فإمَّا أن يتوقفوا عنه، أو يعبروا عن مذهبهم بعبارة من لم يفهم حقيقة؛ وإما أن ينكروه إنكارًا مجملًا من غير معرفةٍ بحقيقته، ونحو ذلك، وهذا حال أكثر الخلق معهم.
وأئمتهم إذا رأوا من لم يفهم حقيقة قولهم طمعوا فيه، وقالوا: هذا من علماء الرسوم، وأهل الظاهر، وأهل القشر، وقالوا: علمنا هذا لا يعرف إلا بالكشف والمشاهدة، وهذا يحتاج إلى شروط، وقالوا: ليس هذا عشك فادرج عنه، ونحو ذلك مما فيه تعظيمٌ له وتشويقٌ إليه، وتجهيلٌ لمن لم يصل إليه، وإن رأوه عارفًا بقولهم نسبوه إلى أنه منهم وقالوا: هو من كبار العارفين
…
فضلالهم عظيم وإفكهم كبير وتلبيسهم شديد، والله تعالى يظهر ما أرسل به رسوله من الهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله"
(2)
.
(1)
أبو حفص وأبو القاسم، عمر بن علي بن مرشد الحموي المصري، شاعرٌ صوفي، شيخ الاتحادية، لقبه:(سلطان العاشقين)، قُتل بفتوى من العلماء لإلحاده، يُعتبر شهيدًا عند الصوفية، في قصيدته (التائية) القول بـ (وحدة الوجود)، يقول الذهبي عن قصيدته: (فإن لم يكن في تلك القصيدة صريح الاتحاد الذي لا حيلة في وجوده، فما في العالم زندقة ولا ضلال، توفي سنة 532 هـ، وعمره ست وخمسون سنة. ينظر: سير أعلام النبلاء 16/ 265، وفيات الأعيان 2/ 216.
(2)
مجموع الفتاوى 2/ 397.
وقال في موضع آخر: "ومن قال من ضُلَّال المسلمين: "إنَّ الرب يتحد أو يحل في الأنبياء والأولياء، وإنَّ هذا من السرِّ الذي لا يباح به، فقوله من جنس قول النصارى في المسيح، وهذا كثيرٌ في كلام كثير من المشايخ والمدَّعين للمعرفة والتحقيق والتوحيد، فيجعلون توحيد العارفين أن يصير الموحِّد هو الموحَّد
…
ومن هؤلاء من يقول: إنَّ هذا هو السرُّ الذي باح به الحلاج
(1)
وغيره، وهذا عندهم من الأسرار التي يكتمها العارفون، فلا يبوحون بها إلا لخواصهم.
ومنهم من يقول: إنما قتل الحلاج ; لأنه باح بهذا السر، وينشدون:
من باح بالسرِّ كان القتلُ شيمتَهُ
…
بين الرِّجالِ ولم يؤخذ له ثارُ"
(2)
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله
(3)
: "فمنهم من يحب شيخًا فيتزيَّا في صورته ويقول: أنا فلان، ويكون ذلك في برية ومكان قفر، فيطعم ذلك الشخص طعامًا ويسقيه شرابًا، أو يدلُّه على الطريق، أو يخبره ببعض الأمور الواقعة الغائبة، فيظن ذلك الرَّجل أنَّ نفس الشيخ الميت أو الحي فعل ذلك
…
، أو هذا ملك جاء على صورته، وإنما
(1)
الحسين بن منصور بن محمي الحلاج، البيضاوي الفارسي، ولد في مدينة البيضاء بفارس سنة 244 هـ، ونشأ في العراق وتنقَّل فيها وسكن البصرة، ثم دخل بغداد، وظهر أمره سنة 299 هـ، من مؤلفاته: الطواسين، ولقد كان من أصحاب الاتحاد والحلول، وعندما كثر شرُّه وأعلن إلحاده قتل على الزندقة والكفر والحلول، سنة 309 هـ. ينظر: تاريخ الإسلام 7/ 143 - 144، الأعلام، 2/ 260، الموسوعة الصوفية 126/ 131.
(2)
الجواب الصحيح 4/ 495 - 496.
(3)
هو الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد آل باز، ولد سنة 1330 هـ في الرياض، كان في بداية عمره بصيرًا، ثم فقد بصره عام 1350 هـ، حفظ القرآن قبل سن البلوغ، ومن أبرز مشايخه: محمد بن عبد اللطيف، سعد بن عتيق، محمد بن إبراهيم، تقلَّد مناصب عدة من قضاء، وتدريس، ونائبًا لرئيس الجامعة الإسلامية ثم عُيِّن رئيسًا لها، ثم مفتيًا عامًّا، له مؤلفات عدة: منها مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، التحقيق والإيضاح من مسائل الحج والعمرة والزيارة، توفي عام 1420 هـ في الطائف وصُلِّي عليه في مكة. ينظر: ترجمة لسماحة الشيخ ابن باز، ص 9 - 10، 11، 17، 20.