الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
10 - باب
الصلح:
التوفيق والسلم، ويكون بين المسلمين وأهل حرب، وبين أهل عدل وبغي، وبين زوجَين خيف شقاق بينهما أو خافت إعراضه، وبين متخاصمَين في غير مال.
وهو فيه معاقدة يتوصل بها إلى موافقة بين مختلفَين، وهو قسمان:
على إقرار، وهو نوعان:
نوع على جنس الحق، مثل أن يقرَّ له بدين أو عين. . . . . .
ــ
باب الصلح
قال في المطلع (1): "الصلح: اسم مصدر صالحه مصالحة وصِلاحًا بكسر الصاد، قال الجوهري (2): يذكر ويؤنث"، انتهى.
* قوله: (التوفيق والسَّلْم) قال في القاموس (3): "الصلح بالضم السَّلْم" ومنه تعلم ما في عبارة المص، فإما أن يكون عطف "السَّلْم" على "التوفيق" من قبيل عطف المسبب على السبب، أو من عطف التفسير بتأويل "التوفيق" بالتوفق.
(1) المطلع ص (25).
(2)
الصحاح (1/ 383) مادة (صلح).
(3)
القاموس المحيط ص (293) مادة (صلح).
فيضعَ أو يهب البعض، ويأخذ الباقي.
فيصح لا بلفظ الصلح، أو بشرط أو يُعطيه الباقي، أو يمنعه حقه دونه، ولا ممن لا يصح تبرعه، كمكاتب، ومأذون له وولي -إلا إن أنكر ولا بيِّنة-. . . . . .
ــ
* قوله: (فيضع)؛ أيْ: المقَر له عن المقِر.
* قوله: (أو يهب)؛ أيْ: المقَر له للمقِر.
* قوله: (فيصح)؛ لأن الإنسان لا يمنع من إسقاط بعض حقه أو هبته.
* قوله: (لا بلفظ الصلح. . . إلخ) ومعنى كونه لا يصح بلفظ الصلح أو بالشرط المذكور: أن رب الحق له المطالبة بجميع الحق بعد وقوع ذلك، ولا يلزم الصلح في حقه.
* قوله: (إلا إن أنكر ولا بينة) فيصح؛ لأن استيفاء البعض عند (1) العجز أولى من ترك الكل، ومثله ناظر الوقف، وصرح به ابن تيمية في شرحه على المحرر، قاله في المبدع (2).
وبخطه -رحمه اللَّه تعالى- قوله: (إلا إن أنكر) قال الشارح (3): "أيْ: من عليه الحق"، وظاهره في كل من المسائل الثلاث، وظاهر كلام المحشِّي (4) آخرًا أنه راجع لمسألة الولي فقط، مع أن العلة تقتضي العموم في الثلاث، وقول المص
(1) في "ج" و"د": "عن".
(2)
المبدع (4/ 279).
(3)
شرح المصنف (4/ 438).
(4)
حاشية المنتهى (ق 144/ أ).
ويصح عما ادَّعى على موليه وبه بينة.
ولا يصح عن مؤجل ببعضه حالًّا، إلا في كتابةٍ، وإن وضع بعضَ حالٍّ. . . . . .
ــ
في شرحه (1): "وهؤلاء لا يملكونه إلا إن أنكر من عليه الحق"[صريح في العموم](2) أيضًا، فتدبر!.
وبخطه قوله: (إلا إن أنكر) إن جعل قوله: "ولا ممن لا يصح تبرعه" بمعنى: ولا يصح الصلح مطلقًا على إقرار، أو على إنكار فواضح كونه استثناء متصلًا، إلا أنه يخالف السياق، وإن جُعل قاصرًا على هذا القسم (3) الذي هو على إقرار فهو استثناء منقطع، فتدبر!.
وبخطه على قول المص: (ولا بينة) انظر ما حكم هذه من الإعراب؛ والذي يظهر أن الواو للحال، وأن "لا" نافية للجنس، و"بينة" اسمها والخبر محذوف؛ أيْ: له، أو موجودة، والجملة في محل نصب على الحال.
* قوله: (ويصح عما ادعى على موليه وبه بينة) قال شيخنا: "ومثله المكاتب والمأذون له".
قال: "وينبغي أن يقيد ذلك بما سيأتي (4)؛ أيْ: حيث لم يعلما ظلم أنفسهما، وإلا حرم".
* قوله: (ولا يصح عن مؤجل ببعضه حالًّا)؛ لأن المَحْطُوطَ يصير في مقابلة
(1) شرح المصنف (4/ 438).
(2)
في "ب": "صرح به من العموم".
(3)
سقط من: "ب".
(4)
ص (136) في قوله: "ومن علم بكذب نفسه فالصلح باطل في حقه، وما أخذه حرام".
وأجَّل باقيه صحَّ الوضع لا التأجيل.
ولا يصح عن حق كَدِية خطإٍ، أو قيمة متلَف غيرِ مثلِيٍّ بأكثرَ من حقه، من جنسه، ويصح عن متلَف مثلِيٍّ بأكثر من قيمته. . . . . .
ــ
التأجيل، وكل من الحلول والتأجيل لا يصح الاعتياض عنه، كذا قالوا (1)، وانظر هذا مع قولهم في بعض التعاليل؛ لأن الأجل له قسط من الثمن (2)، وعلله شيخنا في كل من شرحَيه (3) بأن المؤجل لا يحل بحلول أجله، وبأنه وَعْدٌ، وهو لا يلزم الوفاء به، وهو ظاهر، فتدبر!. ويؤخذ من شرح المص (4) علة ثالثة، وهو بيع ثلاثين مؤجلة بعشرين حالَّة مثلًا وهو ربا، تدبر!.
* قوله: (صحَّ الوضع) إذ لا مانع؛ لأنه ليس في مقابلة تأجيل.
وبخطه قوله: (صحَّ) لعل المراد ولزم؛ لأنه تقدم أن المراد بكون الحالِّ لا يؤجل لا يلزم تأجيله على الصحيح.
* قوله: (لا التأجيل)؛ أيْ: فإنه لا يصح؛ أيْ: لا يلزم -على ما تقدم-.
* قوله: (بأكثر من حقه من جنسه)؛ لأن القيمة والدية (5) تثبت في الذمة
(1) انظر: المبدع (4/ 279)، شرح المصنف (4/ 438).
(2)
كما قالوه في السلَم، في مسألة اشتراط الأجل المعلوم الذي له وقع في الثمن. وانظر: شرح المصنف (4/ 282)، كشاف القناع (3/ 299).
(3)
كشاف القناع (3/ 392)، شرح المنتهى (2/ 260، 261).
(4)
شرح المصنف (4/ 438).
(5)
في "ب": "والدين".
وبعَرْض قيمته أكثر فيهما.
ولو صالحه عن بيت أقرَّ به على بعضه، أو سكناه مدة، أو بناء غرفة له فوقه، أو ادَّعى رِقَّ مكلف أو زوجية مكلفة، فأقرَّ له بعوض منه لم يصح وإن بذلا مالًا صلحًا عن دعواه، أو لِمُبِينها ليُقرَّ ببينونتها صحَّ.
ــ
بقدره (1)، فلم يُجز أن يصالح عنها بأكثر منهما من جنسهما كالثابت عن قرض.
وبخطه: وأما بأقل فيصح؛ لأنه يرجع إلى إسقاط بعض حقه، وهو جائز، ولا ربا فيه، تدبر!.
* قوله: (فيهما)؛ أيْ: المسألتَين؛ أيْ: مسألتَي الحق والمثلي؛ لأنه لا ربا بين العوض والمعوض، حاشية (2).
* قوله: (أو سكناه مدة) ولو معلومة.
* قوله: (بعوض منه)؛ أيْ: من المدعي.
* قوله: (أو لِمُبِيْنها)؛ أيْ: بحسب دعواها، وإن لم يكن أبانها بالفعل لكن [يبقى النظر فيما إذا كان أبانها بالفعل](3) في (4) وجه صحته، مع أنه داخل في عموم قوله:"ولا أن يمنعه حقه دونه".
وبخطه: التقدير: أو بذلت هي مالًا لِمُبِيْنها، فكأنه حذف جزء المعطوف، وأبقى جزءه الآخر مع الحرف، ولكن صرح أهل العربية بأنه خاص بالعطف (5)
(1) في "ب" و"ج" و"د": "مقدرة".
(2)
حاشية المنتهى (ق 144/ أ).
(3)
ما بين المعكوفتَين سقط من: "ب".
(4)
سقط من: "أ".
(5)
سقط من: "أ".
و: "أقرَّ لي بديني وأعطيك أو خذ منه مئة" ففعل: لزمه، ولم يصح الصلح.
النوع الثاني: على غير جنسه ويصح بلفظ الصلح.
فبنقد عن نقد: صرف، وبعَرْض أو عنه بنقد أو عرض: بيع، وبمنفعة -كسُكنى وخدمة معينَين-: إجارة. . . . . .
ــ
بالواو (1)، وهنا العطف بـ "أو"، فليحرر!.
* قوله: (لزمه)؛ أيْ: المقِرَّ ما أقر به جميعه؛ لأنه لا عذر لمن أقر.
* قوله: (ولم يصح الصلح) فلم يُبح (2) له العوض المجعول.
* قوله: (ويصح بلفظ الصلح) ما لم يكن غير جائز التصرف، أو يمنعه حقه دونه -على قياس ما سبق-.
* قوله: (فبنقد. . . إلخ) حاصل ما ذكره ست عشرة صورة؛ لأن المصالح به أو عنه إما عين، أو دين، أو عرض، أو منفعة، وأربعة في مثلها تبلغ بالضرب ستة عشر، وإن نُظر إلى كون المصالَح به تارة يكون من الجنس، وتارة يكون من غيره، وتارة يكون أكثر من المصالَح عليه، وتارة يكون أقل تزيد على ذلك، ويؤخذ حكم الكل من المتن منطوقًا ومفهومًا، صحة وفسادًا، تدبر!.
* قوله: (صرف) فيشترط فيه التقابض في المجلس.
* قوله: (وخدمة معينَين) بالاضافة.
* قوله: (إجارة) انظر ما وجه هذه التفرقة،. . . . . .
(1) انظر: مغني اللبيب (2/ 357)، التصريح على التوضيح (2/ 154).
(2)
في "أ": "يصح".
وعن دين يصح بغير جنسه مطلقًا -لا بجنسه بأقل أو أكثر على سبيل المعاوضة- وبشيء في الذمة، يحرم التفرق قبل القبض.
ولو صالح الورثةُ من وُصِّيَ له بخدمة أو سكنى أو حمل أمة بدراهم مسمّاة: جاز، لا بيعًا.
ــ
مع ما تقدم (1) من أن البيع له صور منها بيع المنافع بمثلها أو بغيرها، كما هو صريح قوله:"مبادلة عين مالية أو منفعة مباحة بأحدَيهما"، فتدبر!.
* قوله: (مطلقًا) أقل أو أكثر، بدليل ما بعده؛ لأن الإطلاق يكون في مقابلة تفصيل سابق أو لاحق، وما هنا من النوع الثاني.
* قوله: (بخدمة)؛ أيْ: معينة.
* قوله: (جاز) قدر الشارح (2): "جاز ذلك صلحًا لا بيعًا".
أقول: هذا التقدير يُورث في اللفظ ركاكة لا تخفى؛ لأنه يؤول إلى قولنا [جاز الصلح صلحًا لا بيعًا، إلا أن يرجع اسم الإشارة إلى المعاوضة المفهومة من صالحه، والتقدير: جاز التعويض صلحًا لا بيعًا](3)، وقوله:"صلحًا" لا بد منه لصحة العطف.
* قوله: (لا بيعًا) أما في الحمل فواضح، وأما في الخدمة والسكنى فقال شيخنا (4):"لم يظهر الحكمة في ذلك فيهما"، ثم قال بعد مدة: "ثم ظهر لي أنه يمكن أن تكون العلة في ذلك الجهالة؛ لأنه لا تعلم المدة التي ينتهيان إليها والوقت
(1)(2/ 549).
(2)
شرح المصنف (4/ 445).
(3)
ما بين المعكوفتَين في "ب": "جاز الصلح تبعًا".
(4)
انظر: حاشية المنتهى (ق 144/ ب)، شرح المصنف (2/ 263).
ومن صالح عن عيب في معيبه بشيء رجع به إن بأن عدمه أو زال سريعًا، وترجع امرأة صالحت عنه بتزوبجها بأرشه.
وبصح الصلح عما تعذر علمه -من دين أو عين- بمعلوم: نقد ونسيئة، فإن لم يتعذر فكبراءة من مجهول.
ــ
فبطلان البيع ظاهر؛ لأن البيع لا يكون إلا على التأبيد -كما تقدم في صدر الكتاب-" (1).
* قوله: (وترجع امرأة. . . إلى آخره) يعني: إذا باعت امرأة عينًا، ثم ادعى البائع أنها معيبة واختار الأرش، فصالحته على ذلك الأرش بتزوجها إياه، فتزوجها على ذلك، ثم تبين أن العيب المطالب بأرشه لم يكن، رجعت بمثل أرش ذلك العيب المدعى به؛ لأنه صار صداقًا لها، ولا ترجع بمهر المثل؛ لأنه قد سمي لها مهرًا (2) وهو مقدار أرش العيب المدعى به.
* قوله: (بتزويجها) متعلق بـ "صالحت"؛ أيْ: تزويجًا شرعيًّا مستوفيًا لشرائطه.
* قوله: (بأرشه) متعلق بـ "ترجع".
* قوله: (نقد)؛ أيْ: ما قابل النسيئة.
* قوله: (ونسيئة) الواو مستعملة في حقيقتها وهو الجمع، ومجازها وهو معنى "أو"؛ لأنه يصح بنقد فقط، ونسيئة فقط، وبهما معا.
* قوله: (فكبراءة من مجهول) فيصح على المشهور فيه (3).
(1)(2/ 549).
(2)
في "ب": "مهر".
(3)
انظر: الإنصاف (13/ 148)، المبدع (4/ 285)، شرح منصور (2/ 263).
القسم الثاني: على إنكار، بأن يدعي عينًا أو دينًا، فينكر أو يسكت -وهو يجهله- ثم يصالحه على نقد أو نسيئة: فيصح، ويكون إبراء في حقه لا شفعة فيه، ولا يستحق لِعيب شيئًا، وبيعًا في حق مدَّعٍ له ردُّه بعيب، وفسخ الصلح، ويثبت في مشفوع الشفعة إلا إذا صالح ببعض عين مدَّعى بها، فهو فيه كالمنكر، ومن علم بكذب نفسه فالصلح باطل في حقه، وما أخذه فحرام، ومن قال:"صالحني عن الملك الذي تدَّعيه" لم يكن مقرًّا به.
وإن صالح أجنبي عن منكرٍ لِدَين أو عين لإذنه أو دونه: صحَّ، ولو لم يقل إنه وكله، ولا يرجع دون إذنه.
ــ
* قوله: (وهو)؛ أيْ: المدعى عليه.
* قوله: (على نقد أو نسيئة) ولم ينظروا إلى ما يلزم عليه من بيع الدين بالدين، نظر القطع النزاع، كما عللوا به في غيرها (1).
* قوله: (ويكون إبراء في حقه)؛ أيْ: المدعى عليه.
* قوله: (ولا يستحق لعيب شيئًا)؛ أيْ: المدعى عليه.
* قوله: (كالمنكر) فيكون إبراء بالنسبة لكل واحد منهما.
* قوله: (ولا يرجع دون إذنه) ظاهره أن مجرد إذنه مسوغ للرجوع، مع أنه لا يرجع إلا مع نية الرجوع، قياسًا على ما هو أقوى منه، وهو ما إذا أدى عنه دينًا ثابتًا، لكن ذاك لا يتوقف على كونه بإذنه، فتدبر!.
(1) كما سبق في صلح الأقرار، فيما إذا كان الدين المصالَح عنه مجهولًا، تعذر علمه أو لا.
انظر: شرح المصنف (4/ 446، 447)، شرح منصور (2/ 263).