الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
12 - كِتَابُ العَارِيةِ
(12)
كِتَابُ
العارية: العين المأخوذة للانتفاع بها بلا عوض.
والإعارة: إباحة نفعها بلا عوض، وتُستحب، وتنعقد بكل قول أو فعل يدل عليها.
وشُرط: كون عين منتفعًا بها مع بقائها، وكون مُعير أهلًا للتبرع شرعًا. . . . . .
ــ
كتاب العارية
بتخفيف الياء وتشديدها، مشتقة من عار الشيء إذا ذهب وجاء، ومنه قيل للبطال عيار، لتردده في بطالته، وقيل: من العُرْي بضم العين وسكون الراء الذي هو التجرد، لتجرده عن العوض، وقيل: من التعاور وهو التناوب لجعل المالك للمستعير نوبة في الانتفاع.
ويقال: عاره، وأعاره، مثل طاعه وأطاعه (1).
* قوله: (للانتفاع بها) مطلقًا أو زمنًا مقدرًا.
* قوله: (وتنعقد. . . إلخ)؛ أيْ: يتم العقد فيها.
* قوله: (وكون معير أهلًا للتبرع) فلا تصح من صغير ومجنون وسفيه ومفلس
(1) انظر: المطلع ص (272)، المصباح المنير (2/ 437) مادة (عور).
ومُستعير أهلًا للتبرع له، وصحَّ في مؤقَتة شَرْطُ عوضٍ معلوم، وتصير إجارة.
وإعارة نقد ونحوه لا لما يُستعمل فيه -مع بقائه- قرض، وكون نفع مباحًا لو لم يصح الاعتياض عنه ككلب لصيد. . . . . .
ــ
وقنٍّ وولي، ويستثنى من ذلك مسألة تقدمت في الزكاة، وهي إعارة حلي الصغير خوفًا من أكل الصدقة لها (1)، فتدبر!.
* قوله: (ومستعير أهلًا للتبرع له) بأن يصح منه قبول تلك العين لو وهبت له.
وبخطه: خرج بذلك الصغير، والقنُّ إذا قبل العارية لنفسه دون سيده ووليه ومحله عند عدم الإذن.
* قوله: (وإعارة. . . إلخ)؛ أيْ: دفعه بلفظ العارية ينعقد قرضًا، و (إعارة) مبتدأ، خبره (قرض).
* قوله: (ونحوه) كالمكيلات، والموزونات.
* قوله: (قرض) وأما استعارته فيما يستعمل فيه مع بقائه كالوزن، والتحلي فعارية صحيحة.
* قوله: (وكون نفع مباحًا)؛ أيْ: شرعًا للمستعير فلا يعار قن مسلم لخدمة كافر، وأمة لمن يطؤها، قاله في شرحه (2)، ويؤخذ من تقييده بقوله:"لخدمة" أنه لو أعار القن المسلم للكافر لغير الخدمة أنه تصح العارية فيه، قال شيخنا: "وهو مشكل على عموم الشرط، أعني: كون نفع العين مباحًا، لكن ظاهر تقييد
(1) انظر: الإقناع (1/ 438).
(2)
شرح المصنف (5/ 213).
وفحل لضراب، وتجب إعارة مصحف لمحتاج لقراءة إذا عَدِمَ غَيرهَ، وتُكره إعارة أمة جميلة لذكر غير مَحْرمَ. . . . . .
ــ
الحارثي (1)(2) لكلام المقنع (3) صحة استعارته لغير الخدمة".
* قوله: (وتكره إعارة أمة جميلة) لا شوهاء، ولا كبيرة لا تشتهى.
* قوله: (لذكر) لا لامرأة.
* قوله: (غير محرم) مطلقًا خلا بها ونظر إليها أو لا، ومتى وطئها كان زانيًا، وعليه الحد إن علم بالتحريم، ولسيدها المهر، سواء طاوعته أو أكرهها، وإن كان جاهلًا فلا حد، ويلحقه النسب، قال المجد (4): قاله أصحابنا (5)، "وعندي أن مدعي الجهل لا يقبل منه إلا إذا كان مثله يجهله، فإن الجهل بذلك نادر".
(1) هو مسعود بن أحمد بن مسعود بن زيد الحارثي، البغدادي، ثم المصري، سعد الدين، أبو محمد، ولد سنة (652 هـ)، كان فقيهًا، مناظرًا، مفتيًا، عالمًا بالحديث وفنونه، وحسن الكلام عليه على الأسماء، ذا حظ من عريبة وأصول، من كتبه:"شرح بعض سنن أبي داود"، و"شرح قطعة من المقنع" من العارية إلى آخر الوصايا، مات بالقاهرة سنة (711 هـ).
انظر: ذيل طبقات الحنابلة (2/ 362)، المقصد الأرشد (3/ 29)، المنهج الأحمد (4/ 385).
(2)
شرح المقنع للحارثي (ق 6/ ب) وعبارته: ". . . فينبغي قصر الحكم على إعارة لخدمة؛ لأنه المتضمن للإذلال ولا تدخل فيه الإعارة للعمل، لتخلف الإذلال عنه، كما في الإجارة، على أن في الاستئجار للخدمة خلافًا في المذهب، لكن لا يتخرج مثله ههنا؛ لأن الأجارة معاوضة، فتدخل في جنس البياعات، وإذا يضعف أو ينتفى حكم الإذلال، وههنا بخلافه". وانظر: الإنصاف (15/ 68).
(3)
المقنع ص (144).
(4)
نقله المصنف في شرحه (5/ 214 - 215).
(5)
انظر: الإرشاد لابن أبي موسى ص (471)، الهداية (2/ 101 - 102).
واستعارة أصله لخدمته.
وصحَّ رجوع معير ولو قبل أمد عيَّنه، لا في حال يستضر به مستعير، فمن أعار سفينة لحمل، أو أرضًا لدفن ميت أو زرع، لم يرجع حتى ترسَى أو يَبْلى. . . . . .
ــ
* قوله: (واستعارة أصله) كأبيه، وأمه، وجده، وجدته، وإن علَو!.
* قوله: (لخدمته)؛ لأنه يكره أن يستخدم أصله، فكرهت استعارته لذلك ويكره استئجاره أيضًا لذلك.
قال شيخنا: "وعلى قياسه أنه يكره إذا استأجره للخدمة أن يعيره لذلك لوجود العلة".
* قوله: (ولو قبل أمد عيَّنه)؛ لأن المنافع المستقبلة لم تحصل في يد المستعير، فلم يملكها بالإعارة، كما لو لم تحصل العين في يده.
* قوله: (أو يبلى) قال المجد (1): "بأن يصير رميمًا، ولم يبق شيء من العظام في الموضع المستعار"، انتهى.
وقيل: ويصير رميمًا (2)، وقيل: بل يخرج عظامه ويأخذ أرضه (3)، كذا حكاية الخلاف في شرحه (4)، وهو يوهم أنه فَرْقٌ بين الرميم والبالي، وفي تفسير الجلالَين (5) عند قوله -تعالى-:{قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس: 78]"أيْ: بالية"،
(1) المحرر (1/ 359).
(2)
انظر: الفروع (4/ 470)، الإنصاف (15/ 72 - 73).
(3)
انظر: المصدرَين السابقَين.
(4)
شرح المصنف (5/ 216).
(5)
تفسير الجلالَين ص (127).
أو يُحصد، إلا أن يكون يُحصد قصيلًا، وكذا حائط لحمل خشب لتسقيف أو سُترة، قبل أن يسقُط، فإن سقط لهدم أو غيره لم يُعَد إلا بإذنه، أو عند الضرورة، إن لم يتضرر الحائط.
ومن أُعير أرضًا لغرس أو بناء. . . . . .
ــ
ويوافقه ما في الصحاح (1)، وعلى هذا فمن قال حتى يبلى، ومن قال حتى يصير رميمًا أراد (2) معنى واحدًا، والخلاف في اللفظ فقط، ويوافق هذا قول المجد: حتى يبلى: بأن يصير رميمًا ولم يبق من العظام شيء في الموضع المستعار، ويصح حينئذٍ المقابلة في القول الآخر، وهو أنه يخرج العظام ويأخذ أرضه، فتدبر!.
* قوله: (أو يحصد)؛ أيْ: الزرع عند أوانه، والأولى: يشتد.
* قوله: (إلا أن يكون يحصد قصيلًا)؛ أيْ: إلا أن يكون الزرع يحصد في العادة قبل أوانه.
* قوله: (قبل أن يسقط)؛ أيْ: الخشب؛ لأن ذلك يراد للبقاء ولما فيه من الضرر على المستعير.
* قوله: (لم يعد) ولو أعيدت بآلتها لعدم لزوم العارية.
* قوله: (إلا بإذنه) قال ابن نصر اللَّه (3): "إن كان قد طالبه قبل السقوط، بإزالته، وإلا لم تتوقف الإعادة على إذن جديد".
* قوله: (أو عند الضرورة) بأن لا يمكن التسقيف إلا به.
(1) الصحاح (5/ 1938) مادة (رمم).
(2)
في "ج": "أراد".
(3)
في حواشي المحرر، نقله الشيخ منصور في حاشية المنتهى (ق 169/ ب).
وشُرط قلعه بوقت أو رجوع لزم عنده، لا تسويتها بلا شرط، وإلا فلمعير أخذه بقيمته، أو قلعه ويضمن نقصه، ومتى اختار (1) مستعير سوَّاها.
فإن أباهما معير والمستعير من أجرة وقلع بِيْعَت أرض بما فيها إن رضيا أو أحدهما، ويُجبر الآخر، ودُفع لرب الأرض قيمتها فارغة، والباقي للآخر.
ولكلٍّ بيع ما لَهُ منفردًا، ويكون مشترٍ كبائع. . . . . .
ــ
* قوله: (لزم عنده)؛ أيْ: عند الوقت الذي ذكره وعند رجوع المعير، وظاهره ولو لم يأمره المعير بالقلع، وليس على صاحب الأرض ضمان نقصه؛ لأن المستعير دخل في العارية راضيًا بالتزام الضرر الداخل عليه.
* قوله: (وإلا)؛ أيْ: وإن لم يشترط على المستعير قلعه لم يلزمه قلعه، ولم يجبر عليه؛ لأن غرسه أو بناءه إنما حصل بإذن رب الأرض، وعليه ضرر بنقص القيمة.
قال المجد في شرحه (2): "ومتى أمكن القلع من غير نقص أجبر عليه المستعير".
* قوله: (فلمعير أخذه بقيمته) ولو مع دفع المستعير قيمة الأرض؛ لأنها أصل، وما فيها (3) تابع.
* قوله: (والمستعير) هو فاعل لفعل محذوف؛ أيْ: وامتنع المستعير، وليس معطوفًا على (معير)؛ لأن "أبى" يتعدى بنفسه.
* قوله: (منفردًا) من صاحبه وغيره.
(1) في "م": "اختاره".
(2)
نقله المصنف في شرحه (5/ 219).
(3)
في "أ": "وباقيها".
وإن أبياه ترك بحاله، ولمعير الانتفاع بأرضه على وجه لا يضر بما فيها، ولمستعير الدخول لسقي وإصلاح وأخذ ثمر، لا لتفرُّج ونحوه.
ولا أجرة منذ رجع إلا في الزرع، وإن غرس أو بنى بعد رجوع، أو أمدها في مؤقتة فغاصب، والمشتري والمستأجر بعقد فاسد كمستعير.
ــ
* قوله: (وإن أبياه)؛ أيْ: البيع.
* قوله: (ترك بحاله)؛ أيْ: حتى يتفقا؛ لأن الحق لهما لا يعدوهما.
* قوله: (ولمعير الانتفاع بأرضه)؛ لأنه يملك عينها ومنفعتها.
* قوله: (على وجه لا يضر بما فيها)؛ لاحتراميه حيث وضع بإذن ربها.
* قوله: (ولمستعير. . . إلخ)؛ أيْ: ومشترٍ منه كذلك.
* قوله: (لا لتفرج) لعله إن (1) كانت محوطة، فإن كانت غير محوطة كان في الدخول كغيره، بل أولى، فليحرر! (2).
* قوله: (ولا أجرة منذ رجع)؛ أيْ: حين رجع إلى حين زوال ضرر المستعير حيث كان الرجوع يضر به، ولا إذا أعار لغراس أو بناء إلى حين تملكه بقيمته أو قلعه وضمان نقصه أو بقائه (3) إذا أبى المعير ذلك إلى أن يتفقا.
* قوله: (والمستأجر. . . إلخ) فيه أنه قد تقدم (4) في الإجارة أنه إذا تسلم
(1) في "ج" و"د": "إذا".
(2)
وهو اتجاه للشيخ مرعي في الغاية (2/ 229) وعبارته: ". . . لا للتفرج ونحوه، ويتجه هذا في محوطة".
قال الشطي في تجريد زوائد الغاية (4/ 736): "والاتجاه صريح في كلامهم".
(3)
في "أ": "بقاؤه".
(4)
ص (318).
ومن حمل سَيْلٌ إلى أرضه بَذْرَ غيرِه فلربه مبقىًّ إلى حصاد بأجرة مثله، وحمله لغرسٍ أو نوًى ونحوه إلى أرض غيره، فينبت كغرس مشترٍ شِقصًا يأخذه شفيع.
وإن حمل أرضًا بغرسها إلى أخرى، فنَبَتَ كما كان فلمالكها، ويُجبر على إزالتها، وما تُرك لرب الأرض سقط طلبُه بسببه.
* * *
ــ
العين في الإجارة الفاسدة وجبت أجرة المثل، فكيف يشبه هنا (1) بالمستعير؟ إلا أن يقال غرضه التشبيه من حيث كون غرسه وبنائه محترمًا لتضمن عقد المالك معه إذنًا، لا في عدم وجوب الأجرة، ومع ذلك تشبيهه بالمستأجر بعقد صحيح أولى من تشبيهه بالمستعير، ولذلك قال في المبدع (2):"القابض بعقد فاسد من المالك إذا غرس أو بنى، فللمالك تملكه بالقيمة كغرس المستعير، ولا يقلع إلا مضمونًا، لاستناده إلى الإذن، ذكره القاضي (3) وابن عقيل"(4).
* قوله: (فلربه) فيه خلو جملة الجواب من ضمير يربطها بالشرط، فلابد من تكلف تقدير شيء، كأن يجعل التقدير: فليس له قلعه بل يكون لربه. . . إلخ.
* قوله: (وحمله) هو مبتدأ، خبره (كغرس مشترٍ).
* قوله: (ويجبر. . . إلى آخره)؛ أيْ: رب الأرض المحمولة. ويطلب الفرق
(1) في "ج" و"د": "هذا".
(2)
المبدع (5/ 159).
(3)
انظر: القواعد لابن رجب ص (153)، الإنصاف (15/ 144).
(4)
انظر: المصدرَين السابقَين.