الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
8 - فصل
ومن أتلف -ولو سهوًا- مالًا محترمًا لغيره بلا إذنه -ومثلُه يضمنه- ضمنه، وإن كُره فمُكرِهُه، ولو على إتلاف مال نفسه، لا غيرَ محترم كصائل، ورقيق حال قطعِه الطريق، ومال حربيٍّ ونحوهم.
وإن فتح قفصًا عن طائر، أو حلَّ قيد قنٍّ أو أسير، أو دفع لأحدهما مِبْرَدًا فبردَه، أو حلَّ فرسًا أو سفينة، ففات. . . . . .
ــ
فصل
* قوله: (مالًا) احترازًا عن الكلب.
* قوله: (محترمًا) احترز به عن آلات اللهو وعن حلي الرجل فيما يظهر، تدبر (1)!.
* قوله: (ومثله يضمنه) احترز به عن إتلاف أهيل العدل ما لأهل (2) البغي أو عكسه، وإتلاف المسلمين ما لأهل (3) الحرب وعكسه.
* قوله: (أو حل قيد قنٍّ. . . إلخ) انظر لو حل قيد مجنون فجنى، على من الضمان؟.
(1) في هامش نسخة "أ" ما نصه: "قوله: (وعن حلي الرجل) هذا مشكل، لأنه يدخل تحت قوله (وعن حلي الرجل) سواء كان الحلي مباح الصناعة، أو محرمها، ولم يدخل معنا في هذه المسألة إلا محرم الصناعة، وإما مباح الصناعة، فتضمن الصناعة فيه إذا تلف، وأما محرم الصناعة فلا صناعته إذا تلف. ويمكن الجواب عنه: أنه لما ذكره مع آلات اللهو علم أنه محرم الصناعة اهـ، تقرير شيخنا غنام النجدي".
(2)
في "ج" و"د": "مال أهل".
(3)
في "ج" و"د": "مال أهل".
أو عُقِرَ شيء من ذلك، أو أتلف شيئًا، أو وكاءٍ (1) زِقٍّ (2) مائع أو جامد فأذابته الشمس، أو بقي بعد حلِّه فألقته ريح فاندفق، ضمنه، لا دافع مفتاح للص، ولا حابس مالك دواب فتتلف.
ولو بقي الطائر أو الفرس حتى نفَّرهما آخر ضمن المنفِّر. . . . . .
ــ
لكن مقتضى ما يأتي في باب الجنايات (3) أن الضمان على المجنون إذا تعمد.
* قوله: (لا دافع مفتاح. . . إلخ) انظر الفرق بينه وبين الدالِّ، حيث قالوا: إنه يضمن ما أتلف بسبب إغرائه ودلالته -كما سيأتي قريبًا- ويمكن أن يؤخذ (4) الجمع بينهما مما قاله ابن حمدان (5) في مسألة مرسل الصغير إذا جُني عليه بطريقه حيث قيد قول الأصحاب بتضمين المرسل (6) بما إذا لم يمكن تضمين الجاني، فيكون المراد هنا أنه لا يضمن دافع المفتاح للص حيث أمكن تضمين اللص، ومعنى ما يأتي أنه يضمن الدال والمغري حيث لم يمكن تضمين المباشر؛ لأن حق العباد لا يضيع هدرًا، بل يرجع به إما على المباشر، أو المتسبب إن تعذر (7).
(1) الوكاء: بكسر الواو ما يشد به رأس القربة ونحوها. المطلع ص (276).
(2)
الزِقُّ: بكسر الزاي: السقاء ونحوه من الظروف. المطلع ص (277).
(3)
منتهى الإرادات (2/ 398) وعبارته: "ومن دفع لغير مكلف آلة قتل، ولم يأمره به، فقتل لم يلزم الدافع شيء".
(4)
في "ج" و"د": "يعضد" وأشار في هامش "ج" إلى نسخة "يؤخذ".
(5)
ذكره الماتن في كتاب: الجنايات (2/ 424) وعبارته: "ومن أرسله لحاجة، فأتلف نفسًا، أو مالًا، فجنايته خطأ من مرسله، وإن جُني عليه ضمنه، قال ابن حمدان: إن تعذر تضمين الجاني". وانظر: الفروع (6/ 5).
(6)
انظر: شرح المصنف (8/ 232)، كشاف القناع (6/ 11).
(7)
قال الشيخ عبد اللَّه أبو بطين: "وهذا متعين" اهـ، حاشية العنقري (2/ 389).
ومن ربط أو أوْقَفَ دابة بطريق ولو واسعًا، أو ترك بها طينًا أو خشبة أو عمودًا أو حجرًا أو كيس دراهم، أو أسند خشبة إلى حائط ضَمِن ما تلف بذلك، ويضمن مُغْرٍ ما أخذه ظالم بإغرائه ودَلالته.
ومن اقتنى كلبًا عقورًا، أو لا يُقتنى أو أسودَ بَهيمًا، أو أسدًا، أو نمِرًا، أو ذئبًا، أو هرًّا تأكل الطيور وتقلب القدور عادة، مع علمه، أو نحوها من السباع المتوحشة، المنقح (1):"وعلى قياس ذلك الكبش المعلَّم النِّطَاح"، فعقر أو خرَّق ثوب من دخل لإذنه، أو نَفَحَت دابة بضيّق، من ضربها. . . . . .
ــ
* قوله: (بإغرائه ودلالته) لعل الواو بمعنى "أو" فلا يشترط للتضمين الإغراء والدلالة، والمص تبع لفظ فتوى الزريراني (2) الواقعة في جواب سؤال عمَّن جمع بينهما (3).
(1) التنقيح ص (173).
(2)
هو عبد اللَّه بن محمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن أبي البركات الزريراني البغدادي، تقي الدين، أبو بكر، فقيه العراق، ومفتي الآفاق، ولد سنة (668 هـ)، برع في الفقه وأصوله، ومعرفة المذهب والخلاف، وبالحديث، وأسماء الرجال، والتاريخ، واللغة، انتهت إليه معرفة الفقه بالعراق، وكان مرجع الفقهاء من كل مذهب.
من مصنفاته: "الفروق"، "قطعة من ضرح المحرر". توفي ببغداد سنة (729 هـ).
انظر: ذيل طبقات الحنابلة (2/ 410)، المقصد الأرشد (2/ 55)، المنهج الأحمد (5/ 46).
(3)
نقل الفتوى ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 411) وعبارته: "ومن فتاوى الشيخ تقي الدين الزريراني المعروفة: أن من أغرى ظالمًا بأخذ مال إنسان ودل عليه، فإنه يلزمه الضمان بذلك".
قال الشيخ منصور في كشاف القناع (4/ 116): ". . . أفتى به الزريراني، ولعله جواب سؤال، فلا يحتج بمفهومه، وأنه يكتفى بالإغراء، أو الدلالة، لأنه يصدق عليه أنه تسبب في ظلمه. . . ".
ضمنه، ويجوز قتل هرٍّ بأكل لحم ونحوه.
ومن أجَّج نارًا بملكه أو سَقَاه، فتعدّى إلى ملك غيره، لا بِطُرْيان ريح فأتلفه ضمنه إن أفرط أو فرَّط.
ومن حَفَر أو حَفَر قنُّه بأمره بئرًا لنفسه في فنائه ضمن ما تلف به، وكذا حرٌّ علم الحال. . . . . .
ــ
* قوله: (ضمنه)؛ أيْ: موقفها.
* قوله: (ومن أجَّج نارًا بملكه) فإن كان قد أجَّجها بمكان غصبه ضمن، سواء أفْرَط أو فرَّط أو لا، على ما في الرعاية (1).
* قوله: (أو سقاه)؛ أيْ: ملكه، لكن فيه شبه استخدام.
* قوله: (فأتلفه)؛ أيْ: أتلف منا ذكر من التأجيح والسقي ملك غيره.
* قوله: (أو قنِّه) فيه العطف على الضمير من غير فصل وهو قليل ضعيف (2).
* قوله: (علم الحال)؛ أيْ: علم أنها ليست ملكه، وإنما هو أحق بها فقط، وهو مبني على أن الفناء ليس ملكًا لرب الدار، وتقدم أن الشارح (3) حكى في ذلك
(1) الرعاية الكبرى (ق 172/ ب).
(2)
انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1244)، التصريح على التوضيح (2/ 151).
(3)
حاشية المنتهى (ق 134/ ب) وعبارته: "فائدة: مرافق الأملاك كالطرق والأفنية، ومسيل المياه ونحوها هل هي مملوكة، أو يثبت فيها حق الاختصاص؟ فيه وجهان: أحدهما: ثبوت حق الاختصاص فيها من غير ملك، جزم به القاضي وابن عقيل في إحياء الموات والغصب، ودل عليه نصوص أحمد. الثاني: الملك صرح به الأصحاب في الطرق، وجزم به في الكل صاحب المغني، وأخذه من نص أحمد والخرقي على ملك حريم البئر، ذكر ذلك في القاعدة الخامسة والثمانين، قاله في الإنصاف". وانظر: القواعد ص (192 - 193)، الإنصاف (12/ 140).
لا في موات لتملُّكٍ (1) أو ارتفاق، أو انتفاع عامٍّ، أو في سابلة واسعة، أو بنى فيها مسجدًا أو خانًا ونحوهما لنفع المسلمين بلا ضرر، ولو بلا إذن إمام، كبناء جسر ووضع حجر بطين ليطأ عليه الناس.
ومن أمر حرًّا بحفرها في ملك غيره -بأجرة أو لا- ضمن ما تلف بها حافر علِم، وإلا فآمرٌ، كأمره ببناء، وحُلِّفا إن أنكرا العلم، ويضمن سلطان آمرٌ وحده.
ــ
خلافًا فراجعه في باب بيع الأصول والثمار.
* قوله: (أو بنى فيها. . . إلخ) عطف على الفعل المقدَّر العاملِ في: (لتملك) أو التقدير: لا إن حفرها لتملكن أو بنى فيها. . . إلخ.
* قوله: (ونحوهما) كسقاية.
* قوله: (ومن أمر حرًّا) لعل المراد: مكلفًا ليوافق ما يأتي في الجنايات (2).
* قوله: (وحلفا)؛ أيْ: حلف الحافر والباني، ومقتضى قول الشارحَين (3): لأن الأصل عدم علمهما أن الضمان حينئذٍ على الآمر.
* قوله: (ويضمن سلطان)؛ أيْ: ذو القوة والبأس.
* قوله: (وحده) لعدم إمكان مخالفته، أشبه ما لو أكره على ذلك، قاله في شرحه (4)،. . . . . .
(1) في الأصل: "ليتملك" والمثبت هو ما في "ب" و"م"، وشرح المصنف (5/ 373)، وشرح الشيخ منصور (2/ 427)، وهو الموافق لقوله:"أو ارتفاق. . . ".
(2)
منتهى الإرادات (2/ 398) وعبارته: "ومن أمر بالقتل مكلفًا يجهل تحريمه. . . لزم الآمر، وإن علم المكلف تحريمه لزمه، وأدب آمره".
(3)
شرح المصنف (5/ 376)، شرح منصور (2/ 428).
(4)
شرح المصنف (5/ 376).
ومن بسط في مسجده حصيرًا أو باريَّة أو بساطًا، أو علَّق أو أوقد فيه قنديلًا، أو نصب فيه بابًا أو عُمُدًا أو رَفًّا لنفع الناس، أو سَقَفَه، أو بنى جدارًا ونحوه، أو جلس أو اضطجع أو قام فيه أو في طريق واسع، فعثر به حيوان لم يضمن ما تلف به.
ــ
لكن يأتي في الجنايات (1) في الآمر بالقتل أن الضمان على الفاعل إن علم ظلامة المقتول ما لم يكرهه الإمام فيحتاج للفرق، وقد يفرق بأن القتل يشدد فيه بخلاف غيره، حاشية (2).
* قوله: (أو بساطًا) إن نُظر لمقتضى اللغة من أن البساط ما يبسط مطلقًا على ما في الصحاح (3)، كان من قبيل عطف العام على الخاص، وإن نُظر للعرف من اختصاصه بنوع مخصوص كان العطف مغايرًا، فتدبر!.
* قوله: (أو جلس أو اضطجع. . . إلخ)؛ أيْ: على وجه لا يحرم، فإن كان على وجه محرم كجلوس الحائض في المسجد، أو كجلوس (4) يضر بالمارة في الطريق ضمن ما تلف به، ذكره في شرحه (5)، وخالف فيه الحارثي في مسألة الحيض والجنابة (6).
(1) منتهى الإرادات (2/ 398).
(2)
حاشية المنتهى (ق 175/ ب).
(3)
الصحاح (3/ 1117) مادة (بسط).
(4)
في "أ": "جلوس".
(5)
شرح المصنف (5/ 377).
(6)
شرح المقنع للحارثي (ق 137/ أ) وعبارته: "وأصل ذلك -واللَّه أعلم- ما مرَّ من الروايتَين في ربط الدابة بالطريق، ومحله ما لم يكن الجلوس مباحًا، كالجلوس في المسجد مع الجنابة والحيض، أو للبيع والشراء ونحو ذلك".
وإن أخرج جناحًا أو ميزابًا ونحوه إلى طريق نافذ أو غيره بلا إذن أهله -فسقط، فأتلف شيئًا، ضمنه ولو بعد بيع، وقد طولب بنقضه لحصوله بفعله، ما لم يأذن فيه إمام أو نائبه، ولا ضرر، وإن مال حائطه إلى غير ملكه، وكمَيْلٍ شقُّه عرضًا لا طولًا- وأبى هدمه حتى أتلف شيئًا لم يضمنه.
ــ
وبخطه رحمه الله: انظر هذا مع ما صرحوا به في باب صلاة الجمعة (1) من الفرق بين ما إذا أقام غيره من موضعه ليصلي فيه، وما إذا وسَّع لغيره في طريقه ليمر به فمرَّ غير الموسع له، بجواز هذا دون ذلك، وعللوه: بأن الطريق ليس له فيها سوى حق المرور، بخلاف المسجد فإنه أحق به ما دام فيه، فإنه يؤخذ من الفرق أنه ليس له الجلوس ونحوه في الطريق، إلا أن يقال: إن المنطوق لا يعارضه المفهوم، أو يقيد ما هناك بالطريق الضيق، ليوافق ما ذكروه في باب الديات (2)، وهنا مقيد بالطريق الواسع.
ويؤخذ من الحاشية (3) الجواب: بأن المراد هنا الجلوس على وجه لا يضر، وأن الجلوس المضر بالمارة محرم، فيضمن ما تلف به كما أن جلوس الحائض بالمسجد محرم فتضمن ما تلف به، فتدبر!.
* قوله: (لم يضمنة) لعدم تعديه ببنائه ولم يسقط بفعله، وقيل: يضمن إذا طولب بهدمه مثلًا وامتنع حتى حصل الإتلاف، وكان قد أشهد عليه بالطلب (4)، قال شيخنا:"وهو أظهر".
(1) انظر: المغني (3/ 323 - 234)، كشاف القناع (2/ 45).
(2)
انظر: شرح المصنف (8/ 231)، كشاف القناع (6/ 8).
(3)
حاشية المنتهى (ق 175/ ب).
(4)
انظر: الفروع (4/ 520)، الإنصاف (15/ 234).