الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ هم أهل (إيلة) إيلات اليوم أي العقبة، وعلمتم هنا بمعنى عرفتم والاعتداء في السبت مجاوزة ما حد لهم فيه، وذلك أنهم جاوزوا ما حد لهم فيه من التجرد للعبادة وتعظيمه واشتغلوا بالصيد فَقُلْنا لَهُمْ: كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ. أي: كونوا جامعين بين القردية والخسوء وهو الصغار والطرد.
فَجَعَلْناها نَكالًا لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها النكال العبرة المانعة لِما بَيْنَ يَدَيْها. أي: من بحضرتها من القرى الذين يبلغهم خبرها وما حل بها وَما خَلْفَها. أي: لمن يأتي بعدها بالخبر المتواتر عنهم وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ. أي:
وزاجرا وعبرة لكل تقي سمع خبرها، يدخل في ذلك من نهوهم ويدخل في ذلك المتقون خلال العصور ومنهم هذه الأمة، والضمير في قوله تعالى فَجَعَلْناها يعود إلى القرية. وتأتي القصة مفصلة في سورة الأعراف وسنرى هناك كيف احتالوا للصيد يوم السبت بما ظاهره أنهم لم يفعلوا شيئا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد بإسناد جيد مخاطبا أمتنا «لا ترتكبوا ما ارتكب اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل» .
وقد بين لنا ما مر من هذه الفقرة خلقان جديدان من أخلاق اليهود وطبائعهم:
1 -
إعراضهم عن الوحي المنزل إليهم مع كثرة المؤكدات وقوة الدواعي للإقبال.
2 -
تحيلهم على التخلص من الأوامر والنواهي بمراعاتها ظاهرا ومخالفتها باطنا والواجب المراعاة الظاهرة والباطنة.
ثم يتجه السياق لتبيان طبيعة أخرى من طبائع اليهود هي الطبيعة الجدلية ليتم في نهاية الفقرة تحديد معالم الطبيعة اليهودية لتخاطب هذه الأمة على ضوء ذلك فتأخذ الدرس الأول في طريقة التعامل مع هذه الطبيعة في الفصل الثاني من المقطع:
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً أي أتجعلنا مكان هزء أو أهل هزء أو الهزء نفسه قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ العياذ واللواذ بمعنى واحد، والجهل والسفه هنا بمعنى واحد، وقد استعاذ موسى من الجهل لأن الهزء في مثل هذا من باب الجهل والسفه وفيه تأنيب لهم إذ لم يعرفوا مقام الرسول وأنه لا يليق به ما نسبوه إليه
قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ هذا سؤال عن حالها وصفتها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ: إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ أي لا مسنة ولا فتية وإنما هي نصف بين الفارض والبكر وسميت المسنة فارضا لأنها فرضت سنها أي قطعتها وبلغت آخرها فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ أي افعلوا ما أمرتم
به، وفي ذلك إشعار لهم في أن البيان كاف وعليهم أن ينفذوا
قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها؟ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ: إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ الفقوع أشد ما يكون من الصفرة وأنصعه يقال في التوكيد أصفر فاقع. والسرور: لذة في القلب تكون عند حصول نفع أو توقعه وهاهنا وصفت البقرة بأنها تسر الناظرين لحسنها، فرؤية الحسن من لذات القلب
قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ هذا تكرار للسؤال عن حالها وصفتها واستكشاف زائد ليزدادوا بيانا لوصفها إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا أي: أن البقر العوان والأصفر كثير فاشتبه علينا، هذا تعليل لطلبهم مزيد بيان وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ أي إلى البقرة المراد ذبحها أو إلى ما خفي علينا من أمر القاتل أخرج ابن أبي حاتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لولا أن بني إسرائيل قالوا: وإنا إن شاء الله لمهتدون لما أعطوا ولكن استثنوا» ،
قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها لا ذلول أي لم تذلل للكراب وإثارة الأرض وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ أي ليست من النواضح التي يسنى عليها لسقي الحروث مُسَلَّمَةٌ أي عن العيوب وآثار العمل لا شِيَةَ فِيها أي لا لمعة في نقبتها من لون آخر سوى الصفرة فهي صفراء كلها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ أي بالحق البين، أي بحقيقة وصف البقرة بحيث لم يبق إشكال في أمرها فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ أي حصلوا البقرة الجامعة لهذه الأوصاف كلها فذبحوها وما كادوا يفعلون ذلك، إما لغلاء ثمنها أو لخوف الفضيحة في ظهور القاتل والآن تأتي بداية القصة.
قال المفسرون أول القصة مؤخر في التلاوة وهو قوله تعالى: وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً .. وذلك لأن السياق يقص قصة بني إسرائيل هاهنا تعديدا لوجود الجنايات منهم وتقريعا لهم عليها، وهاتان القصتان وإن كانتا متصلتين فتستقل كل واحدة منهما بنوع من التقريع، فالأولى لتقريعهم على الاستهزاء وترك المسارعة إلى الامتثال وما يتبع ذلك، والثانية للتقريع على قتل النفس المحرمة وما تبعه من الآية العظيمة، وإنما قدمت قصة الأمر بذبح البقرة على ذكر القتيل لأنه لو عمل على عكسه لكانت قصة واحدة ولذهب المراد في تثنية التقريع.
وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً خوطبت الجماعة لوجود القتيل فيهم وهذا يشعر بمسئولية الجماعة كلها عما يقع فيها. فَادَّارَأْتُمْ فِيها. أي: فاختلفتم واختصمتم في شأنها لأن المتخاصمين يدرأ بعضهم بعضا أي يدفع، أو المعنى فتدافعتم بمعنى طرح قتلها بعضكم على بعض فيدفع المطروح عليه الطارح، أو لأن الطرح في نفسه دفع. وَاللَّهُ