الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في القتيل إذا وجد في محلة قوم:
بمناسبة حادثة القتيل الذي أحياه الله بضربه ببعض البقرة، يثير المفسرون مجموعة مسائل: مسألة ما إذا قال القتيل دمي عند فلان ثم مات، ومسألة ما إذا وجد قتيل في مكان ولا يعرف له قاتل وما ثم شهود، أو كان شهود لكنهم نساء، أو كان شاهد واحد، وإنما بحثوا هذه المسائل هنا تفريعا على أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم ينسخه شرعنا وهو مذهب جماهير العلماء.
يعتبر مالك أن قول القتيل: قتلني فلان أو دمي عند فلان، أمارة كافية للحكم على المذكور، ومنع ذلك عامة الفقهاء؛ لاحتمال الخطأ والكذب، وعامة الفقهاء أوجبوا القسامة إذا وجد قتيل في محلة وفيه أثر القتل، والقسامة: أن يحلف خمسون يمينا أنهم ما قتلوا ولا يعرفون له قاتلا، ولا يحلف في القسامة أقل من خمسين يمينا، فإن كانوا أقل من ذلك، أو نكل منهم من لا يجوز عفوه، ردت الأيمان عليهم بحسب عددهم، وهناك خلاف في كيفية الحكم بها: إذ ترى طائفة أن يبدأ فيها المدعون بالأيمان فإن حلفوا استحقوا وإن نكلوا حلف المدعى عليهم خمسين يمينا وبرءوا، وذهبت طائفة إلى أنه يبدأ بالأيمان المدعى عليهم فيحلفون ويبرءون، وهل يكون بالقسامة القصاص أو الدية؟ الراجح أن يكون فيها الدية ولا قصاص.
وأوجب الثوري والكوفيون القسامة بوجود القتيل فقط، واستغنوا عن مراعاة قول المقتول وعن الشاهد، قالوا: إذا وجد قتيل في محلة قوم، وبه أثر حلف أهل ذلك الموضع أنهم لم يقتلوه ويكون عقله- أي ديته- عليهم، وإذا لم يكن به أثر لم يكن على العاقلة شئ إلا أن تقوم البينة على واحد، وذهب مالك والشافعي: إلى أن القتيل إذا وجد في محلة قوم أنه هدر لا يؤخذ به أقرب الناس دارا؛ لأن القتيل قد يقتل ثم يلقى على باب قوم ليلطخوا به، فلا يؤاخذ بمثل ذلك، حتى تكون الأسباب التي شرطوها في وجوب القسامة وهي عند مالك إما دعوى القتيل أو شهادة امرأتين أو شهادة عدل.
فصل في التحريفيين من هذه الأمة:
رأينا تفسير قوله تعالى أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ، ورأينا كيف أن الله عز وجل قطع عنا الطمع بإيمان أهل الكتاب؛ بسبب من هذه العقلية التحريفية للنصوص،
وخلال مسيرة التاريخ الإسلامي وجد بين المسلمين طوائف، جعلت للقرآن باطنا يخالف الظاهر، وذلك كفر بإجماع المسلمين. هؤلاء حرفوا كلام الله وهم يعلمون حق العلم ماذا يعني كلام الله، فهؤلاء وقعوا فيما وقع فيه اليهود من قبل، وهؤلاء فيما يبدو يكاد ينقطع الأمل في عودتهم إلى الحق إلا بتوبتهم، فكما أن اليهود إذ وقعوا في هذه المفسدة ينقطع الطمع في إيمانهم، فهؤلاء وإن ادعوا أنهم هم خيار الناس، يكاد أن ينقطع الطمع في فيئهم إلى الله عز وجل، يدخل في ذلك كل طوائف الباطنية الذين يعطون الإمام حق الفهم الباطن للنصوص، وبذلك عطلوا الصلاة والزكاة والصوم والحج وغير ذلك من الإسلام؛ إذ أعطوا كل النصوص فهما يخالف الظاهر، فسبقوا في ذلك اليهود أنفسهم، كما دخل في ذلك طوائف من المتصوفة يحملون النصوص ما لا تحتمله من معنى، وخرج من ذلك الذين يرون أن في القرآن من المعاني الدقيقة ما لا يحاط به، ويسمون هذه المعاني باطنا، فلا يتعارض عندهم ظاهر بباطن أي معنى دقيق مع معنى ظاهر، وكل ذلك على ضوء الأصول الصحيحة للفهم، كما خرج بذلك نوع من الوعظ هو بمثابة تداعي أفكار عند عرض آية يذكره أصحابه على أنه استطراد، أو على أنه فوائد تعرض بمناسبة الآية لا على أنه تفسير للآية وهذا مزلق قديم خطير.
قال النسفي في عقائده: «والنصوص على ظواهرها فالعدول عنها إلى معان يدعيها أهل الباطن إلحاد» قال التفتازاني تعليقا على هذه العبارة: «وأما ما يذهب إليه بعض المحققين من أن النصوص محمولة على ظواهرها، ومع هذا ففيها إشارات خفية إلى دقائق تنكشف لأرباب السلوك، ويمكن التطبيق بينها وبين الظواهر المرادة فهو من كمال الإيمان ومحض العرفان» . ويقول ابن الصلاح في فتاواه «الظن بمن يوثق به من الصوفية أنه إذا قال شيئا من أمثال ذلك لم يذكره تفسيرا ولا ذهب به مذهب الشرح للكلمة المذكورة من القرآن العظيم فإنه لو كان كذلك لسلكوا مسلك الباطنية وإنما ذكر ذلك منهم لنظير ما ورد به القرآن فإن النظير يذكر بالنظير» .
وقد شدد الشيخ محمد الفاضل بن عاشور على الألوسي في تفسيره إذ ذكر التفسير الإشاري فقال «قد فتح خرقا جديدا يقتضي أن هنالك طريقا لاستفادة المراد غير مقتضى الألفاظ وهو خروج عن قواعد أهل السنة: في أن الإلهام ليس من أسباب المعرفة، وإذا كانت تلك المعاني مقصودة فكأن غيرها حائل دونها وبذلك صح له أن يسمي الفقهاء والعلماء في كثير من المقامات بأهل الحجاب مما أثار على تفسيره الطامة الكبرى من العلماء» .