الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القربات، ووجوه الطاعات. وخاصة صرف الأموال في قتال الأعداء، وبذلها فيما يقوى به المسلمون على عدوهم. ونهاهم عن البخل وترك الجهاد. إذ بذلك هلاكهم وقوة عدوهم عليهم. ثم عطف الأمر بالإحسان. وهو من أعلى مقامات الطاعة.
وبذلك انتهت هذه الفقرة. لتبدأ فقرة جديدة مضمونها الحج والعمرة.
وقد تحدثنا في ابتداء هذه الفقرة، عن محل هذه الفقرة في السياق العام. وأنه تصحيح لمفاهيم خاطئة عن التقوى. وقد رأينا ذلك من خلال الشرح. ونقول هنا: إن هذه الفقرة جزء من الهدى الذي أنزله الله فى كتابه لهداية المؤمنين، في شئونهم كلها.
ومن صفات المتقين أنهم يهتدون بهذا القرآن. فلا تقوى إلا بقتال، وإنفاق، وعمل مكافئ لعمل أعداء الله ضدنا، وانتقام من أعداء الله، وبذل جهد لنصرة دين الله، ومن لم يفهم التقوى كذلك لم يفهم كتاب الله.
فوائد:
1 -
في تعامل المسلمين مع بعضهم، هناك مقامان. مقام العدل، ومقام الفضل.
فمن ضربك من المسلمين، جاز لك أن تقتص منه. والأولى أن تعفو رحمة وفضلا. إلا إذا أصبحت الإساءة خلقا لصاحبها، فالأولى الانتصار منه. كما نص على ذلك ابن
العربي. وأما في تعاملنا كأمة مع أعداء الله، إذا كنا نمتلك القدرة، فمقام واحد، الرد بالمثل: الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ. فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ. وهذا حيث لا نستطيع الإخضاع ابتداء من خلال الجهاد.
2 -
ستتضح لنا قضية القتال في الإسلام من خلال النصوص شيئا فشيئا. وسنرى كيف يحمل كل نص على ما يدخل فيه. وهاهنا نقول كلمة باختصار: لقد كلفت هذه الأمة أن تبذل جهدا متواصلا لإقامة دين الله في العالم كله. وهذا من الفرائض بحسب الاستطاعة. وقد توجد ظروف غير مكافئة، يكون المسلمون فيها ضعفاء، فلهم في هذه الحالة ألا يقاتلوا. ولكن إذا هوجمت أراضيهم، فلا بد من القتال. وتختلف شدة الفرضية فيما إذا كان وراءهم أحد، أم لا؟ فالحالة الثانية أشد في الفرضية. فلا بد في هذه الحالة من القتال. ويصبح القتال في هذه الحالة فرض عين على كل قادر رجلا كان أو امرأة. وفي هذه الحالة لا يشترط التكافؤ ولا غيره، ولا يصح للإنسان الفرار، ولو كان أعداء الإسلام أضعاف أضعافه، على خلاف حالة الهجوم، وحالة ما إذا كان
وراءنا من نتحيز له. والأمر دقيق سنراه في محله. والتضحيات في هذه الحالة لا تضيع.
لأن مثل هذا يعطي الكافرين دروسا في ألا يدخلوا مع المسلمين في تجربة.
3 -
عند قوله تعالى: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ يقول صاحب الظلال: (إنه القتال لله، لا لأي هدف آخر من الأهداف التي عرفتها البشرية في حروبها الطويلة. القتال في سبيل الله. لا في سبيل الأمجاد، والاستعلاء فى الأرض، ولا فى سبيل المغانم والمكاسب، ولا فى سبيل الأسواق والخامات، ولا في سبيل تسويد طبقة على طبقة، أو جنس على جنس. إنما هو القتال لتلك الأهداف التي من أجلها شرع الجهاد في الإسلام. القتال لإعداء كلمة الله في الأرض، وإقرار منهجه في الحياة، وحماية المؤمنين به أن يفتنوا عن دينهم، أو أن يجرفهم الضلال والفساد. وما عدا هذه، فهي حرب غير مشروعة في حكم الإسلام، وليس لمن يخوضها أجر عند الله، ولا مقام).
4 -
رأينا أنه من المستثنين من الأمر بالقتال، الذين لا يقاتلون. فدخل فى ذلك أصناف من الناس. وفي هؤلاء الأصناف يقول القرطبي:
(والقتال لا يكون في النساء، ولا في الصبيان، ومن أشبههم، كالرهبان والزمنى، والشيوخ، والأجراء، فلا يقتلون. وبهذا أوصى أبو بكر الصديق رضي الله عنه يزيد ابن أبي سفيان حين أرسله إلى الشام. إلا أن يكون لهؤلاء إذاية. أخرجه مالك وغيره.
وللعلماء فيهم صور ست:
الأولى: النساء. إن قاتلن، قتلن، قال سحنون: في حالة المقاتلة وبعدها. لعموم قوله تعالى: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ. وللمرأة آثار عظيمة في القتال. منها الإمداد بالأموال، ومنها التحريض على القتال. وقد يخرجن ناشرات شعورهن، نادبات مثيرات معيرات بالفرار. وذلك يبيح قتلهن. غير أنهن إذا حصلن فى الأسر، فالاسترقاق، أنفع لسرعة إسلامهن ورجوعهن عن أديانهن. وتعذر فرارهن إلى أوطانهن بخلاف الرجال.
الثانية: الصبيان. فلا يقتلون للنهي الثابت عن قتل الذرية، ولأنه لا تكليف عليهم، فإن قاتل الصبي قتل.
الثالثة: الرهبان لا يقتلون ولا يسترقون. بل يترك لهم ما يعيشون به من أموالهم.