الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُشْرِكِينَ أي قالت اليهود: كونوا يهودا تهتدوا، وقالت النصارى: كونوا نصارى تهتدوا، والجواب قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً الحنيف: هو المائل عن كل دين باطل إلى الدين الحق، وقد رأينا في الفقرة السابقة أن ملة إبراهيم هي الإسلام، فالاستسلام لله واتباع هداه هو الهدى لا دعاواهم وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بل من الموحدين، هذا تعريض بأهل الكتاب وغيرهم، لأن كلا منهم يدعي اتباع ملة إبراهيم وهو على الشرك، بينت الآية أن الهداية في الاستسلام لله وعدم الشرك به، وبدون ذلك فلا هداية، وهؤلاء وهؤلاء ليسوا مسلمين وليسوا موحدين، فأنى يكونون مهتدين، وكيف يزعمون أن الهداية عندهم ويدعون إليها، روى محمد بن إسحاق عن ابن عباس قال: قال عبد الله بن صوريا الأعور لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الهدى إلا ما نحن عليه فاتبعنا تهتد. وقالت النصارى مثل ذلك، فأنزل الله وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا
…
قال قتادة: «الحنيفية: شهادة أن لا إله إلا الله، يدخل فيها تحريم الأمهات، والبنات، والخالات، والعمات، وما حرم الله- عز وجل والختان» أقول: الحنيفية: هي موافقة الفطرة بالتوحيد، وترك ما نهى الله عنه، وفعل ما أمر به، ذلك مقتضى العهد الأول.
كلمة في السياق:
في هذه الآية الأولى من هذه الفقرة جاء الرد على زعم اليهود والنصارى، أن الهدى عندهم فجاء الرد عليهم: بأن الهداية في ملة إبراهيم، واستكمالا للرد واستكمالا لإقامة الحجة، يأمر الله هذه الأمة أن تعلن إيمانها بكل هدى أنزله الله، من لدن إبراهيم إلى محمد صلى الله عليه وسلم إلى ما قبل ذلك، وأن تعلن استسلامها لله عز وجل، تلك هي الهداية الكاملة لا مزاعم اليهود والنصارى.
قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا الخطاب للمؤمنين، وما أنزل إلينا هو القرآن وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ السبط: هو الحفيد والأسباط: هم حفدة يعقوب ذراري أبنائه الاثني عشر. قال البخاري: الأسباط: قبائل بني إسرائيل وهذا يقتضي أن المراد بالأسباط هاهنا شعوب بني إسرائيل، ونحن مأمورون بأن نؤمن بالوحي الذي أنزل على أنبيائهم وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى أوتي موسى التوراة؛ فنحن نؤمن بذلك، وأوتي عيسى الإنجيل؛ فنحن نؤمن بذلك، أخرج ابن أبي حاتم ..
عن معقل بن يسار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آمنوا بالتوراة والإنجيل وليسعكم القرآن» وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ أرشد الله عباده المؤمنين إلى الإيمان بما أنزل إليهم
بواسطة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم مفصلا، وما أنزل على الأنبياء المتقدمين مجملا، ونص على أعيان من الرسل، وأجمل ذكر بقية الأنبياء لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أي نؤمن بهم جميعا فلا نفعل ما فعلت اليهود والنصارى آمنوا ببعض وكفروا ببعض وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ أي ونحن لله مستسلمون، والاستسلام لله هو ذروة الإخلاص.
فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا قال ابن كثير: يقول تعالى: فإن آمنوا يعني الكفار من أهل الكتاب وغيرهم بمثل ما آمنتم به يا أيها المؤمنون من الإيمان بجميع كتب الله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم، فقد اهتدوا أي: فقد أصابوا الحق وأرشدوا إليه وَإِنْ تَوَلَّوْا عن الحق إلى الباطل بعد قيام الحجة عليهم فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ أي في خلاف وعداوة فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ أي فسينصرك عليهم ويظفرك بهم، هذا ضمان من الله لإظهار رسوله عليهم، وقد أنجز وعده بقتل بعضهم وإجلاء بعضهم، والوعد لا زال مستمرا ومعنى (السين) أن ذلك كائن لا محالة ولو تأخر إلى حين وَهُوَ السَّمِيعُ لما يضمرون من الحسد والغل، وهو معاقبهم عليه، فهو وعيد لهم، أو وعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أي يسمع ما تدعو به، ويعلم نيتك وما تريده من إظهار دين الحق، وهو مستجيب لك، وموصلك إلى مرادك
صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ
هذه تتمة الحجة في الرد على الداعين إلى ترك ملة إبراهيم إلى يهودية أو نصرانية، فتقدير الكلام على رأي بعض المفسرين إما: قولوا صبغنا الله صبغة أو قولوا: صبغة الله، أو بل صبغة الله، على البدل من ملة إبراهيم أي: بل ملة إبراهيم، بل صبغة الله، وعلى كل هذه الأقوال فإن هذه الآية استمرار للرد على دعاة اليهودية والنصرانية ومزاعمهم، أن الهدى عندهم، أمرنا أن نعلن أن الهداية في ملة إبراهيم ونحن عليها، وأمرنا أن نعلن إيماننا بكل
وحي أنزله، وأمرنا أن نعلن أن ما نحن عليه هو صبغة الله، وأنه لا أحسن من ذلك، وأننا مخلصون له العبادة فمن اجتمع له ذلك فهو على الهداية الكاملة، لا من زعم أن الهداية عنده بلا دليل.
من عادات النصارى أنهم يغمسون أولادهم بماء يسمونه: المعمودية، ويقولون عنه:
إنه تطهير لهم فإذا فعل الواحد منهم بولده ذلك قال الآن صار نصرانيا حقا. يقول شارل جنيبير في كتابه (المسيحية وتطورها) عن التعميد هذا: «فإذا ما آمن الإنسان به (أي بالمسيح) أقيمت له مراسم التعميد، وهي طقوس يهودية الأصل تبناها المسيحيون .... تعقد الدخول في الكنيسة المسيحية بفعل نمو الطقوس التي شملت شيئا فشيئا جميع المجالات الدينية .... وأصبح التعميد نفسه احتفالا معقدا يشتمل- على أقل تقدير- على مجموعة من التعليمات الخاصة، وعلى الغسل بالماء الذي يكرر ثلاثا، وعلى إجراء اللمس باليد الذي يصاحبه المسح بالزيت المقدس (المسح بالزيت تقليد من تقاليد اليهود كما يقول المؤلف) ثم ينتهي إلى طقوس القربان الأول .... وليس من العسير علينا أن نكشف عن روح الأسرار الهيلينية فى هذا التعليم التدريجى .... » فأمر المسلمون بهذه الآيات أن يقولوا لهم: آمنا بالله وصبغنا الله بالإيمان صبغته، فعلى هذا الاتجاه في الفهم تكون صِبْغَةَ اللَّهِ هنا حديثا عن أثر الإيمان الذى أمر به المسلمون في الآية قُولُوا آمَنَّا .... فالإيمان الصحيح الشامل يطهر النفوس، فتصبح هذه الأنفس بالإيمان ذات لون رباني. قال البيضاوي ذاكرا بعض اتجاهات المفسرين في تفسير صِبْغَةَ اللَّهِ « .... أو طهر قلوبنا بالإيمان تطهيره وسماه: صبغة، لأنه ظهر أثره عليهم ظهور الصبغ على المصبوغ، وتداخل في قلوبهم تداخل الصبغ الثوب، أو للمشاكلة فإن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية ويقولون: هو تطهير لهم وبه تتحقق نصرانيتهم .... » وهناك اتجاه في تفسير الآية أن المراد بصبغة الله دينه، فهذا الدين الذى أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي صبغه هذه الصبغة، فهو أثر مباشر عن الله
صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً
أي: لا دين أحسن من دينه، أولا تطهير أحسن من تطهيره الذي تأخذ به الأنفس لونها الصحيح وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ قال البيضاوي:(هذا) تعريض لهم أي: لا نشرك به كشرككم .. ، فنحن قائمون بعبادته كما أمر، معطون العبودية له كما يحب، وهذا مفترق الطريق بين المسلم وغيره، المسلم يعتبر أن مقامه الصحيح هو في العبودية لله، وغير المسلم يعتبر نفسه حرا، فلا عبودية ولا عبادة، أو عبودية وعبادة في