الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذلك تعبير عن الحرص على بقاء الإسلام، والرغبة في التعرف على الشعائر التي يحبها الله، والرغبة في مغفرة الله، والرغبة في أن يبعث الله للذرية رسولا يتلو عليها آيات الله، ويعلمها كتاب الله وسنن الأنبياء، ويطهرها من الأدران الحسية والمعنوية، وقد استجاب الله لهما ذلك كله:
المعنى الحرفي:
وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ البيت: الكعبة والقواعد:
جمع قاعدة وهي الأساس والأصل لما فوقه ومعناها: الثابتة، ورفع الأساس: البناء عليه، لأنه إذا بني على القاعدة نقلت من هيئة الانخفاض إلى هيئة الارتفاع وتطاولت بعد التقاصر، وذكر القواعد مبهمة أولا ثم تبيانها بقوله مِنَ الْبَيْتِ تفخيم لشأن المبين، وإسماعيل معطوف على إبراهيم، وكان إبراهيم يبني وإسماعيل يناوله الحجارة.
قال الألوسي: «وآثر صيغة المضارع أي في قوله تعالى وَإِذْ يَرْفَعُ مع أن القصة ماضية .. استحضارا لهذا الأمر؛ ليقتدي الناس به في إتيان الطاعات الشاقة مع الابتهال في قبولها، وليعلموا عظمة البيت المبني فيعظموه» وفي العرض من خلال الفعل المضارع يَرْفَعُ مع الابتهالات: «ما يرينا مشهد تنفيذ إبراهيم وإسماعيل للأمر الذي تلقياه من ربهما بإعداد البيت وتطهيره للطائفين والعاكفين والركع السجود، يرينا إياه مشهودا كما لو كانت الأعين تراهما اللحظة وتسمعهما في آن» عن الظلال بتصرف رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ أي قائلين: يا ربنا إنا تقربنا إليك ببناء هذا البيت، فتقبل عملنا؛ إنك أنت السميع لدعائنا، العليم بضمائرنا ونياتنا.
قرأ وهيب بن الورد مرة هذه الآية ثم بكى وقال: «يا خليل الرحمن ترفع قوائم بيت الرحمن، وأنت مشفق أن لا يتقبل منك» ذكره ابن كثير ثم قال: «وهذا كما حكى الله عن حال المؤمنين الخلص في قوله تعالى (في سورة: المؤمنون) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا أي يعطون ما أعطوا من الصدقات والنفقات والقربات وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أي خائفة أن لا يقبل منهم كما جاء به الحديث الصحيح عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم» كما سيأتي في موضعه
رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ أي اجعلنا مستسلمين لك يقال:
أسلم له واستسلم إذا خضع وأذعن، قال ابن جرير:«واجعلنا مستسلمين لأمرك، خاضعين لطاعتك، لا نشرك معك في الطاعة أحدا سواك، ولا في العبادة غيرك» .
وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ قال السدي: يعنيان العرب. قال ابن كثير
«والسياق إنما هو في العرب ولهذا قال بعده رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ
…
قال النسفي: «وإنما خصا بالدعاء ذريتهما لأنهم أولى بالشفقة» أقول: والذين لا يعطون العواطف البشرية العميقة في النفس البشرية حقها مخطئون، فالحرج أن تتجاوز العواطف البشرية حدودها المشروعة، أو تؤثر على النكوص عن أمر أو الوقوع في نهي وَأَرِنا مَناسِكَنا أي وبصرنا متعبداتنا في الحج، أو عرفنا إياها وواحد المناسك: منسك بفتح السين وكسرها وهو المتعبد ولهذا قيل للعابد ناسك أقول: وقد عرف الله إبراهيم على المناسك، وإن حجنا الحالي كله له صلة بإبراهيم وآله عليهم السلام كما سنرى ذلك. وَتُبْ عَلَيْنا ما فرط منا من التقصير. قالا ذلك هضما لنفسيهما وإرشادا لذريتهما وللخلق إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ لمن تاب الرَّحِيمُ بعباده
رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أي من الذرية أي وأرسل فيهم رسولا لهم من أنفسهم، وقد وافقت هذه الدعوة المستجابة قدر الله السابق في تعيين محمد صلى الله عليه وسلم رسولا في الأميين إليهم، وإلى سائر الأعجمين من الإنس والجن، فكانت دعوة مستجابة يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ أي يقرأ عليهم ويبلغهم ما توحي إليه من دلائل وحدانيتك، وصدق أنبيائك ورسلك وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ، قال الألوسي «بأن يفهمهم ألفاظه ويبين لهم كيفية أدائه ويوقفهم على حقائقه وأسراره، والظاهر أن مقصودهما من هذه الدعوة أن يكون- الرسول- صاحب كتاب يخرجهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم، وقد أجاب سبحانه هذه الدعوة بالقرآن» أقول: كانت هذه الدعوة قبل إنزال التوراة على موسى عليه السلام بسنين طويلة، وهذا يقتضي إما أنهما دعوا بذلك بإخبار من الله تعالى أنه سينزل كتبا، أو بمعرفة عن الكتب، وعلى القول
الثاني فإن احتمال أن يكون هناك كتب منزلة من الله قبل التوراة والزبور والإنجيل يبقى قائما، وإن كثيرا من الأمم كأهل الهند وفارس تدعي وجود كتب مقدسة عندها، فهل لهذه الكتب أصل، ثم طرأ عليه ما طرأ؟ موضوع قابل للدراسة، وإن دراسة مستوعبة مقارنة شاملة يمكن أن توصلنا إلى بعض الحقائق مع الاحتراس الكثير وَالْحِكْمَةَ أي: ويعلمهم الحكمة وهي: وضع الأشياء في مواضعها: سواء كانت دنيوية أو أخروية، وإذ كانت الحكمة هي ما سوى الكتاب من تعليم الرسل، فإن كل ما علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمى حكمة، ومن ثم فسر بعضهم الحكمة بالسنة وفسر ابن إسحاق دعوة إبراهيم وإسماعيل بتعليم الكتاب والحكمة بقوله:«يعلمهم الخير فيعقلوه، والشر فيتقوه، ويخبرهم برضى الله عنهم إذا أطاعوه، ليستكثروا من طاعته، ويجتنبوا ما يسخطه من معصيته» أقول فكأنه فسر