الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلمة في هذا القسم:
هناك أكثر من أثر وخبر يذكر السبع السور الطويلة الأولى من القرآن ويخصها بالذكر، وقد عقد ابن كثير لذلك فصلا تحت عنوان (ذكر ما ورد في فضل السبع الطوال) وذكر بهذه المناسبة حديثا له أكثر من سند هو:
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أعطيت السبع الطوال مكان التوراة، وأعطيت المئين مكان الإنجيل، وأعطيت المثاني مكان الزبور وفصلت بالمفصل» ، قال الشيخ المحدث عبد الله الغماري في كتابه (جواهر البيان في تناسب سور القرآن) عن هذا الحديث: فهذا الحديث حسن.
هذا الحديث ذكر أن القرآن أربعة أقسام القسم الأول هو السبع الطوال، ونحن سنرى في هذا التفسير كيف أن واقع القرآن يصدق هذا التقسيم من خلال المعاني، وكثير من الأمور التي سنراها.
وذكر ابن كثير: أن أبا عبيد، والإمام أحمد كل منهما أخرج عن أبي هريرة وعن عائشة رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من أخذ السبع الاول من القرآن فهو حبر» . ليس هناك نص يحدد السبع الطوال، بل المتبادر أنها السور الأول الطويلة من القرآن. ورواية عائشة وأبي هريرة تذكر السبع الأول فالمفروض أن تكون:
البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف، والأنفال ومعها براءة؛ لأنهما بحكم السورة الواحدة ولذلك لم يفصل الصحابة بينهما ببسم الله الرحمن الرحيم:
أخرج الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قلت لعثمان بن عفان: ما حملكم أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني، وإلى براءة وهي من المئين وقرنتم بينهما، ولم تكتبوا بينهما سطر:«بسم الله الرحمن الرحيم» ؟ ووضعتموها في السبع الطوال! وما حملكم على ذلك؟ فقال عثمان: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يأتي عليه الزمان (الطويل) وهو ينزل عليه السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشئ دعا بعض من كان يكتب فيقول: ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وكانت الأنفال من أول ما نزل بالمدينة وكانت براءة من آخر ما نزل من القرآن وكانت قصتها شبيهة بقصتها وحسبت أنها منها، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر:«بسم الله الرحمن الرحيم» فوضعتها في السبع
الطوال» فهذا نص في أن الأنفال وبراءة من السبع الطوال وإذا كان ما قبلهما ست سور الأعراف فالأنعام فالمائدة فالنساء فآل عمران فالبقرة، فذلك دليل على أن الأنفال وبراءة هما السورة الطويلة السابعة وأن براءة هي نهاية قسم الطوال. قال الشيخ الغماري في كتابه (جواهر البيان):(السبع الطوال أولها البقرة وآخرها براءة)، وإذن فبعد الفاتحة التي هي مقدمة القرآن يأتي القسم الأول من أقسام القرآن الذي يبدأ بالبقرة وينتهي بسورة براءة.
وقد ذكر ابن كثير اتجاها في تفسير السبع الطوال بأن السورة السابعة بعد الأعراف هي يونس ولكن ذكره على أنه قول في تفسير قوله تعالى وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ. فقد نقل عن مجاهد وغيره أن المراد بها السبع الطوال، وفسرها بأنها البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف ويونس. وسنرى عند تفسير هذه الآية أن هذا القول ليس هو الأقوى في تفسيرها، فمن باب أولى ألا يصلح تفسيرا للسبع الطوال. خاصة وكثير من الأدلة تشير إلى أن سورة يونس
من القسم الثاني من أقسام القرآن وليست من القسم الأول.
فسورة يونس مبدوءة ب الر، وكذلك سورة هود بعدها، وهذا يشير إلى أن هذه السور من زمرة واحدة ومجموعة واحدة، ثم إن سورة يونس آياتها (109)، وسورة هود بعدها آياتها (123)، بينما سورة براءة وحدها (129) آية، فهي أطول من سورة هود التي هي أطول من سورة يونس، فإذا عرفنا أن سورة الأنفال خمس وسبعون آية، فإن مجموع آيات سورة الأنفال وبراءة يكون مائتين وأربع آيات، ثم هما بالنص عن الصحابة كما رأينا في رواية الترمذي من السبع الطوال، فلم يبق بعد هذا إلا أن نرد اتجاه مجاهد ومن وافقه من أن سورة يونس هي السابعة في قسم الطوال.
لاحظنا من قبل أنه ما بين آخر فقرة في الفاتحة، وما بين أول سورة البقرة صلة ففي الفاتحة اهْدِنَا وفي البقرة عن القرآن هُدىً لِلْمُتَّقِينَ. وسنرى أن الصلة بين الفاتحة والبقرة ليست ضمن هذه الحدود فقبل الفقرة الأخيرة من الفاتحة قوله تعالى إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، وسنرى أن القسم الأول من سورة البقرة يبدأ بقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ وينتهي بقوله تعالى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً، فمقدمة سورة البقرة مرتبطة بآخر فقرة في الفاتحة، والقسم
الأول من سورة البقرة مرتبط بالفقرة الثانية، وسنرى أن القسم الثاني في البقرة مرتبط بالفقرة الأولى من الفاتحة الْحَمْدُ لِلَّهِ
…
.. وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ، والكلام في هذه المعاني قبل مجئ أوانها يبدو معقدا فلنقتصر على هذه الإشارة، ومع هذا الترابط بين سورة البقرة والفاتحة، فإن سورة البقرة ككل سورة في القرآن لها ذاتيتها الخاصة وتسلسلها الخاص، وسنرى أنه تسلسل عجيب معجز، ثم إننا سنرى كما ذكرنا في مقدمة هذا التفسير كيف أن السور الست الطوال الآتية بعد البقرة كل سورة منها تفصل في محور على نفس التسلسل الموجود في سورة البقرة، وكل ذلك سنراه، وسنرى فيه أن مثل هذا الربط، ومثل هذه الصلات لا يمكن أن تخطر بقلب بشر فضلا عن أن يستطيعها بشر وهذا بعض الأمر وليس كل الأمر، والشرح سيأتي، وتكفي هاهنا الإشارات ولنبدأ عرض سورة البقرة.