الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا الفعل، فلا شئ أفرح للشيطان من الخلاف بين الزوجين لما يترتب عليه من فتح أبواب كثيرة من الشر، وقد أخرج الإمام مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «إن الشيطان ليضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه في الناس فأقربهم عنده منزلة أعظمهم عنده فتنة يجئ أحدهم فيقول ما زلت بفلان حتى تركته وهو يقول كذا وكذا، فيقول إبليس: لا والله ما صنعت شيئا ويجئ أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله. قال: فيقربه ويدنيه ويلتزمه ويقول نعم أنت» .
4 -
السحر قديم فقد كان في زمن سليمان عليه السلام، وكان قبل في زمن موسى كما ذكر القرآن وكان في قوم صالح وهم قبل إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام إذ إنهم قالوا لصالح إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ* (سورة الشعراء) أي المسحورين على المشهور كل هذا يدل على أن السحر كان موجودا قديما وقد جاءت الحفريات وجاء علم الآثار ودراسة تاريخ الأقوام فأعطى المزيد في هذا الشأن.
فصل في قوله تعالى: وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ:
في (ما) في هذا النص مذهبان الأول: أنها نافية، والثاني: أنها اسم موصول:
- فعلى القول بأنها نافية تصبح جملة وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ جملة معطوفة على وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ فيصير المعنى على هذا التقدير: وما كفر سليمان، وما أنزل على الملكين، ولكن الشيطانين هاروت وماروت كفرا يعلمان الناس السحر ببابل، وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما. هذا مذهب القرطبي في فهم الآية وقد وجه ذلك من حيث اللغة والإعراب، والمقصود بالملكين المبرءين هنا جبرائيل وميكائيل؛ لأن اليهود تزعم أن جبرائيل وميكائيل هما اللذان نزلا بالسحر على سليمان. وعلى القول بأن (ما) نافية يمكن أن نعتبر وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ جملة اعتراضية فيصير المعنى: ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ببابل، يعلمون هاروت وماروت، وهاروت وماروت يعلمان الناس وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر؛ فيتعلم الناس منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه، وما أنزل السحر على الملكين جبرائيل وميكائيل. وهناك قراءة بكسر اللام؛ فيكون الملكان داود وسليمان وأنهما ما أنزل عليهما السحر. هذه أهم التفاسير
التي تترتب على اعتبار ما نافية.
- وعلى القول بأن (ما) اسم موصول فإن معاني متعددة يحتملها النص على ضوء فهم قضية هاروت وماروت.
إن المعنى العام للآية على هذا الاتجاه هو:
ولكن الشياطين كفروا، يعلمون الناس السحر، ويعلمونهم الذي أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت من السحر مع أن الملكين ما كانا يعلمان أحدا السحر إلا بعد أن يعلماه أنهما أنزلا ابتلاء للناس، فلا يعلمان أحدا السحر حتى ينهياه عن ذلك، فإذا أصر علماه فيكون المتعلم قد اختار الكفر عن بصيرة فيستحق عذاب الله. وبعض العلماء لم يفهم أن هناك تلازما بين التعلم والكفر. قال النسفي:«والذي أنزل عليهما هو علم السحر ابتلاء من الله للناس، من تعلمه منهم وعمل به كان كافرا إن كان فيه رد ما لزم في شرط الإيمان، ومن تجنبه أو تعلمه لا ليعمل به ولكن ليتوقاه ولئلا يغتر به كان مؤمنا» والفتنة في الآية معناها المحنة والإخبار، وهل هذا التعليم من قبل الملكين أثر عن تكليف لهما من الله ليفرق الناس بين السحر والمعجزة فيكونان غير عاصيين به، فهما على أصل العصمة أو أن الأمر غير ذلك؟ إن الفهم الشامل لشريعة الله ولنصوص الكتاب والسنة يرجح الأول.
اختلف المفسرون في هاروت وماروت الوارد اسمهما في الآية فقال بعضهم: إن هاروت وماروت شيطانان ونصر هذا القرطبي، وقال بعضهم: إنهما قبيلان من الجن ونصر هذا ابن حزم، وقال بعضهم إنهما رجلان من أهل بابل وصفهما الناس بالملكين لظنهم صلاحهما، وقال بعضهم: إنهما ملكان أنزلا من السماء. ثم هؤلاء اختلفوا فمنهم من قال إنهما كلفا أن يعلما الناس السحر من أجل أن يميز الناس بين المعجزة والسحر، وكل هذه الآراء إنما يريد أصحابها أن لا يجرحوا العصمة الثابتة للملائكة بالنصوص القطعية. وهذا الذي يرجحه علماء الأصول وليس عنه نميل.
وأما القول الآخر الذي عنه نعدل فهو: أنهما ملكان اختارتهما الملائكة لتركب فيهما الشهوة حين عيرت بني آدم، فأهبطا إلى الأرض، فواقعا المعصية، فخيرا بين عذاب الدنيا أو الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا على الآخرة، فهما يعذبان الآن. والذين ذهبوا هذا المذهب جمعوا بينه وبين ما ورد من الدلائل على عصمة الملائكة أن هذين سبق في علم الله لهما هذا، فيكون تخصيصا لهما، فلا تعارض حينئذ، كما سبق في علمه من أمر إبليس ما سبق وفى قول: إنه من الملائكة، والذين ذهبوا إلى أن هاروت وماروت ملكان عصيا،
استشهدوا بما ظنوه أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنها رواية رواها الإمام أحمد، وقد نقلها ابن كثير ثم قال:«فدار الحديث ورجع إلى نقل كعب الأحبار عن كتب بني إسرائيل» وإذن فليس هناك حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الموضوع واستشهد أصحاب هذا المذهب بآثار في ذلك عن الصحابة والتابعين وقد سردها كلها ابن كثير ثم علق عليها بقوله: «وحاصلها راجع
…
إلى أخبار بني إسرائيل إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، وظاهر سياق القرآن إجمال القصة من غير بسط ولا إطناب فنحن نؤمن بما ورد في القرآن على ما أراده الله تعالى والله أعلم بحقيقة الحال».
قال صاحب الظلال في حديثه عن هاروت وماروت: فإن قصتهما كانت متعارفة بين اليهود، بدليل أنهم لم يكذبوا هذه الإشارة ولم يعترضوا عليها، وقد وردت في القرآن الكريم إشارات مجملة لبعض الأحداث التي كانت معروفة عند المخاطبين لها، وكان في ذلك الإجمال كفاية لأداء الغرض، ولم يكن هناك ما يدعو إلى تفصيل أكثر، لأن هذا التفصيل ليس هو المقصود. وقد أغرب القصاصون في هذا الموضوع كثيرا كما يرى فيما نقله ابن كثير ومن أغرب ما ذكروه: أن كوكب الزهرة إنما هو المرأة التي زنيا بها وهذا كلام غريب جدا». قال الألوسي: «والزهرة كانت يوم خلق الله تعالى السموات والأرض والقول بأنها تمثلت لهما فكان ما كان وردت إلى مكانها غير معقول ولا مقبول» وسبب هذا الغلط هو العقلية الخرافية الإسرائيلية، فقد وردت في الإسرائيليات كلمة الزهرة إما على هذه الشاكلة أو أن القصاص أحبوا الإغراب فذكروا ما ذكروا، وقد يدل لذلك أن القصة في رواية ابن عباس- فيما يبدو عن أهل الكتاب- «وفي ذلك الزمان امرأة حسنها في النساء كحسن الزهرة في سائر الكواكب» قال الألوسي عن هذه القصة:
وتعليقا على قصة امرأة من دومة الجندل ادعت أنها اجتمعت بهاروت وماروت، وحدث لها ما حدث ثم جاءت تستفتي الصحابة في أمر توبتها يقول الألوسي: «فهو ونظائره مما ذكره المفسرون من القصص في هذا الباب مما لا يعول عليه ذوو الألباب، والإقدام على تكذيب مثل هذه المرأة الدوجندلية أولى من اتهام العقل في قبول هذه الحكاية التي لم يصح فيها شئ عن رسول رب البرية صلى الله عليه وسلم ويا ليت كتب الإسلام لم تشتمل على هذه الخرافات التي لا