الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأرض، وهلك الحرث والنسل. فلولا أن أهل الإيمان يقاتلون أهل الكفر، ولولا أن أهل الإيمان يوقفون أهل الفساد عند حدهم، لفسدت البلاد والعباد.
المعنى الحرفي
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى الملأ: هم الأشراف لأنهم يملئون القلوب جلالة، والعيون مهابة. ومِنْ بَعْدِ مُوسى أي من بعد موته إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي: حين قالوا لنبي لهم أنهض للقتال معنا أميرا نصدر في تدبير الحرب عن رأيه، وننتهي إلى أمره قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا أي: هل قاربتم إن فرض عليكم القتال ألا تقاتلوا. أي: هل الأمر كما أتوقعه، أنكم لا تقاتلون وتجبنون، فأدخل (هل) الاستفهامية التي تفيد التقرير، والتثبيت للإشعار بما هو متوقع عنده قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا أي: ردوا على نبيهم بقولهم:
وأي داع لنا إلى ترك القتال وأي غرض لنا فيه، والحال أنه أخذت منا البلاد، وسبيت الأولاد. يعنون إذا بلغ الأمر منا هذا المبلغ فلا بد من الجهاد فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ أي: فلما أجيبوا إلى ملتمسهم بفرض القتال عليهم، أعرضوا عنه إلا القليل. أي لم يفوا بما وعدوا. بل نكل عن الجهاد أكثرهم. وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ: هذا وعيد لهم على ظلمهم بترك الجهاد
وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً أي: لما طلبوا من نبيهم أن يعين لهم ملكا منهم، عين لهم طالوت، وأفهمهم أن هذا الأمر ليس باجتهاد من عنده، بل باصطفاء من الله. فهو أمرني به لما طلبتم مني ذلك. قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ. وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ أي قالوا معترضين على هذا التعيين: كيف ومن أين يمتلك علينا. والحال إنه لا يستحق التملك لوجود من هو أحق بالملك، وأنه فقير، ولا بد للملك من مال يعتضد به، وإنما قالوا ذلك لأن الملك كان في
سبط يهوذا، كما قال المفسرون. وهذا اعتراض منهم على نبيهم، وتعنت. وكان الأولى بهم طاعة وقول معروف. فأجابهم نبيهم قائلا: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ: أي إن الله اختاره عليكم. وهو أعلم بالصالح منكم. ولا اعتراض على
حكمه. ثم ذكر مصلحتين، هما أنفع مما ذكروا من النسب، والمال. وهما العلم المبسوط. قالوا: كان أعلم بني إسرائيل بالحرب، والديانات في وقته. وأطول من كل إنسان برأسه ومنكبه. والبسطة: السعة والامتداد. قال النسفي: والملك لا بد أن يكون من أهل العلم. فإن الجاهل ذليل مزدرى، غير منتفع به. وأن يكون جسيما، لأنه أعظم في النفوس، وأهيب في القلوب».
وقال ابن كثير: «أي: وهو مع هذا أعلم منكم، وأنبل، وأشكل منكم، وأشد قوة، وجدا في الحرب، ومعرفة بها. أي أتم علما، وقامة منكم. ومن هاهنا ينبغي أن يكون الملك ذا علم، وشكل حسن، وقوة شديدة في بدنه ونفسه» وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ أي: واسع الفضل والعطاء. يوسع على من ليس له سعة من المال، ويغنيه بعد الفقر. وهو عليم بمن يستحق الملك ممن لا يستحقه، فيصطفي من شاء.
وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ أي: قال لهم نبيهم: إن علامة بركة ملك طالوت عليكم، أن يرد عليكم التابوت الذي كان أخذ منكم.
فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ أي:
في التابوت سكون، وطمأنينة لكم من ربكم، وفيه بقية مما تركه موسى، وهارون.
وذكر الآل للتفخيم. وفسر النسفي هذه البقية بأنها رضاض الألواح، وعصا موسى، وثيابه، وشئ من التوراة، ونعلا موسى، وعمامة هارون عليهما السلام، ونقول ابن كثير عن المفسرين تجمع ما قاله النسفي. دل ذلك على التبرك بآثار الأنبياء. إذ ذلك من تعظيم حرمات الله، وإتيان التابوت كان بواسطة الملائكة. قال ابن عباس:(جاءت الملائكة تحمل التابوت بين السماء والأرض، حتى وضعته بين يدي طالوت والناس ينظرون) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أي: في رجوع التابوت إليكم علامة أن الله قد ملك طالوت عليكم إن كنتم مصدقين بالله، واليوم الآخر، والرسل.
قال النسفي عن التابوت: وكان موسى عليه السلام إذا قاتل قدمه. فكانت تسكن نفوس بني إسرائيل، ولا يفرون.
فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ أي: حين خرج من بلده إلى جهاد العدو بجنده. قالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ أي: مختبركم. أي: يعاملكم معاملة المختبر بتميز المحق في الجهاد، من المدعي. قال ابن عباس: وهو نهر بين الأردن وفلسطين.
يعني نهر الشريعة المشهور. ثم جاء بيان الاختبار: فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي أي: فمن شرب كرعا، فليس من أتباعي، وأشياعي. فلا يصحبني اليوم في هذا الوجه. وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ أي: ومن لم يذقه فإنه مني. ثم رخص لهم في اغتراف الغرفة باليد دون الكرع. والغرفة، هي المغروف. فصارت الرخصة، أنه من اغترف بيده فشرب فلا بأس عليه. فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ أي: فشربوا كرعا إلا القليل.
فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ أي: فلما جاوز طالوت النهر هو ومن آمن معه ممن نجحوا في الاختبار. روى البخاري، وابن جرير عن البراء بن عازب قال:
(كنا نتحدث أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم الذين كانوا يوم بدر ثلاثمائة، وبضعة عشر، على عدة أصحاب طالوت الذين جازوا معه النهر. وما جازه معه إلا مؤمن).
قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ أي: لا قوة لنا على جالوت وجنوده.
استقلوا أنفسهم عن لقاء عدوهم، لكثرته، وقوته. وقلتهم، وضعفهم. قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ أي: قال الذين يوقنون بالشهادة- وهم العالمون حقا- تشجيعا، وتثبيتا كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ أي: إن النصر من عند الله، ليس عن كثرة عدد، ولا عدد فكثيرة هي الحالات التي انتصرت بها فئة قليلة على فئة كثيرة بنصر الله. وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ: ينصرهم، ويعينهم، ويوفقهم.
شجعوهم، وطالبوهم بالصبر.
وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ أي: لما واجه حزب الإيمان، وهم قليل من أصحاب طالوت، لعدوهم أصحاب جالوت، وهم عدد كثير.
قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً أي: أنزل، واصبب علينا صبرا على القتال من عندك. وَثَبِّتْ أَقْدامَنا أي: في لقاء العدو. جنبنا الفرار، والعجز، بتقوية قلوبنا، وإلقاء الرعب في صدور عدونا. وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ أي: أعنا عليهم، واهزمهم. دل ذلك على أن أدب المؤمنين في المعركة، الافتقار إلى الله، ودعاؤه بما يقتضيه الحال من التثبيت، والنصر.
فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ: أي فهزم طالوت والمؤمنون معه،