الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كُنْ فَيَكُونُ أن نذكر أن هناك اتجاهين: اتجاها يمرها كما جاءت، واتجاها يحملها على المجاز، مع أننا نفضل المذهب الأول في مثل هذه النصوص وذلك من أجل هذا البيان:
إن كثيرين من الناس يحملون على التأويل والتعطيل دون إدراك دقيق للتأويل المذموم، لقد لاحظنا عند الكلام عن بني إسرائيل أن بني إسرائيل إنما ذموا بتحريفهم كلام الله على علم منهم بالتحريف وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ وسنرى عند قوله تعالى وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ أن هناك اتجاهات تقف على قوله تعالى وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مما يدل على أن الراسخين في العلم يعلمون تأويل ما تشابه من القرآن، ولا أعرف أن اتجاها من الاتجاهات حارب التأويل إلا وقد اضطر للتأويل، والمراد به هنا إخراج معنى اللفظ عن ظاهره إلى معنى مجازي، ولذلك فإنني أقول:
إنه لا يصح أن يكون موقفنا تشنجيا ونحن نقرأ كلام الراسخين في العلم وهم يعرضون لنا وجهات نظرهم، ما داموا ممن شهدت لهم الأمة بالرسوخ في العلم ويتكلمون في الحدود التي تحتملها اللغة العربية، وبالشكل الذي لا يعارض القرآن بعضه بعضا، أو لا تتعارض به النصوص، ومع أنني أرجح دائما في آيات الصفات عدم التأويل مع التنزيه، إلا أنني لا أرى مانعا من عرض اتجاهات العلماء في الفهم ومناقشتها ورؤية الحجية أو عدمها في كلامهم، مع أنني من خلال تجربتي الشخصية وبعد التمحيص للتأويلات ومن خلال ما أفهمنيه الله عز وجل لبعض آيات الصفات أشعر أن كلام الله عز وجل عن ذاته لا يسعه إلا تعبيره عن ذاته، فسبحانه وتعالى ما أجله وأعظم صفاته وأرفع كلماته. ولكن كما قلت فهذا لا يمنع أن نرى فهوم العلماء لكل آية ولكل حديث مهما كان، وإني أعتقد أنه ما دام المسلم في دائرة فهوم الراسخين في العلم من هذه الأمة فيما لا يتعارض مع البديهيات ومع الإجماع فإنه لا يقرب من دائرة الضلال.
فصل في قوله تعالى: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ:
هناك مجموعة من المسائل تثار أثناء الكلام عن هذه الآية منها المسائل الفقهية ومنها ما له علاقة في معرفة الذات الإلهية:
أولا: هل هذه الآية منسوخة؟ في ذلك قولان، والذين ذهبوا إلى النسخ لهم في توجيهها قولان، ومن محص هذه الأقوال وجد أنها لا يترتب عليها خلاف عملي إلا
قليلا، إذ الجميع متفقون على وجوب التوجه إلى الكعبة في الأحوال العادية، والجميع متفقون على وجوب التحري حيث جهلت الجهة في ليل أو نهار، وإذا صلوا أجزأتهم، واختلفوا هل على من تبين له بعد أن صلى أنه صلى لغير القبلة هل عليه الإعادة؟ قولان والحنفية على عدم الإعادة، والجميع متفقون على أنه إذا اشتد الخوف صلوا إلى أي جهة قدروا، في صحيح البخاري من حديث نافع عن ابن عمر أنه كان إذا سئل عن صلاة الخوف وصفها ثم قال: فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالا (قياما على أقدامهم) وركبانا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها قال نافع ولا أرى ابن عمر ذكر ذلك إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم، والجميع متفقون على أن المتطوع في الصلاة على دابته في السفر يجوز له أن يصلي إلى أي جهة قدر، ولم يفرق الشافعي في المشهور عنه بين سفر المسافة والسفر القريب، وذهب أبو يوسف إلى جواز التطوع على الراحلة ولو في المصر واختاره أبو جعفر الطبري حتى للماشي.
ثانيا- وفي باب العقائد يثور نقاش في المراد بقوله تعالى فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ فللعلماء في النص اتجاهان: الاتجاه الأول هو عدم التأويل مع التنزيه فلله وجه ليس كمثله شئ، وعلى هذا فإن معنى الآية: لي المشارق والمغارب فأين وليتم وجوهكم فهناك وجهي وهو قبلتكم إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ يسع خلقه كلهم بالكفاية والجود والإفضال عَلِيمٌ بأعمالهم ما يغيب عنه منها شئ، ولا يعزب عن علمه صغير أو كبير.
والاتجاه الثاني هو التأويل، وهذه نماذج من أقوال السلف في الآية: قال عكرمة عن ابن عباس فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ قال: قبلة الله أينما توجهت شرقا أو غربا.
وقال مجاهد: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ حيثما كنتم فلكم قبلة تستقبلونها الكعبة» وقال ابن جرير: « .. وقال آخرون
…
لأنهم لا يوجهون وجوههم وجها من ذلك وناحية إلا كان جل ثناؤه في ذلك الوجه وتلك الناحية لأن له تعالى المشارق والمغارب وأنه لا يخلو منه مكان».
قال ابن كثير تعليقا على آخر الكلام: وفي قوله «وأنه تعالى لا يخلو منه مكان، إن أراد علمه فصحيح، فإن علمه تعالى محيط بجميع المعلومات وأما ذاته تعالى فلا تكون محصورة في شئ من خلقه، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا» .
وقد ذكر ابن جرير وجها آخر للآية فقال: «ويحتمل: فأينما تولوا وجوهكم في