الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجل أن من شأنه ألا يهدي الكافر، ما دام مختارا لطريق الكفر، ومصمما عليه.
- وفي الآية الثانية، ضرب الله مثلا للمؤمنين المنفقين أموالهم ابتغاء مرضاة الله عنهم في ذلك. ومن أجل أن يثبتوا أنفسهم على طريق الإيمان بالله واليوم الآخر، بفعل ما يقربهم إلى الله. فمثل هؤلاء، كمثل بستان في مكان مرتفع من الأرض. أصابها مطر شديد، فآتت ثمرتها ضعفين بالنسبة إلى غيرها من الجنان. فإن لم يصبها مطر شديد، أصابها رذاذ، وهو اللين من المطر. فشأن هذه الجنة، أنها لا تمحل أبدا لأنها إن لم يصبها المطر الشديد، فالرذاذ. وأيا ما كان فهو كفايتها.
وكذلك عمل المؤمن، لا يبور أبدا. بل يتقبله الله، ويكثره، وينميه، لكل عامل بحسبه. ثم بين الله عز وجل بأن الله لا يخفى عليه من أعمال عباده شئ.
- وفي الآية الثالثة، ينكر الله عز وجل أن يكون المؤمن من ذلك الطراز الذي يفعل الحسن، ثم يغرقه بالسيئات فيبطله. فإذا ما احتاج إليه في أضيق الأحوال، لم يحصل منه شئ، وخانه أحوج ما كان إليه. والمثل الذي ضربه لذلك مثل رجل تكون له جنة من نخيل وأعناب، وأصابه الكبر، وأولاده وذريته ضعاف، عند آخر عمره. فجاءه إعصار فيه نار فاحترق بستانه. فلم يكن عنده قوة أن يغرس مثله، ولم يكن عند نسله خير يعودون به عليه. وكذلك الكافر ومن يعمل ما يحبط عمله يكون يوم القيامة، إذا رد إلى الله عز وجل، ليس له خير فيستعتب، كما ليس لهذا قوة فيغرس مثل بستانه. ولا يجده قدم لنفسه خيرا يعود عليه. كما لم يغن عن هذا ولده. وحرم أجره غدا أفقر ما كان إليه، كما حرم هذا جنته عند ما كان أفقر ما كان إليها عند كبره، وضعف ذريته. وهذا من أصعب الأحوال. ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه:
«اللهم اجعل أوسع رزقك علي عند كبر سني، وانقضاء عمري» رواه الحاكم. ثم بين الله عز وجل في نهاية الآية أنه يبين لنا آياته من أجل أن نتفكر فنعتبر، ونفهم الأمثال، والمعاني، وننزلها على المراد منها.
المعنى الحرفي:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ: معنى رئاء الناس. أي: من أجل أن يراه الناس.
صار المعنى: يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا ثواب صدقاتكم بالمن والأذى إبطالا مثل إبطال
المنافق الذي لا أجر له على إنفاقه؛ لأنه ينفق ماله رئاء الناس، ولا يريد بإنفاقه رضا الله، ولا ثواب الآخرة. فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ أي: مثل هذا المرائي، وأشباهه ممن يبطلون ثواب أعمالهم، ومثل نفقتهم التي لا ينتفعون بها البتة، كمثل حجر أملس، عليه تراب. فالصفوان: هو الحجر الأسود. قيل بأنه جمع صفوانة. وقيل إنه مفرد. فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً: الوابل هو المطر العظيم القطر. والصلد: هو الأجرد النقي من التراب الذي كان عليه. لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا أي: لا يجدون ثواب شئ مما أنفقوا. وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ ما داموا مختارين للكفر.
وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ هذا مثل لمن ينفقون جامعين بين ابتغاء مرضاة الله، وتثبيت أنفسهم. ومعنى: وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ: ينفقون تثبيتا من أنفسهم لأنفسهم. فهو مصدق بالإسلام، متحقق به، موقن به. ومن أجل أن تثبت نفسه ذاتها على ما هي عليه من الحق. فإنها تعمل الأعمال الصالحة، وتنفق في سبيل الله. فالمعنى دقيق. وعبارات المفسرين في شرح (تثبيتا) تدور حول حيثية من الحيثيات المذكورة. فقالوا في تفسيرها: تصديقا للإسلام، وتحقيقا للجزاء من أصل أنفسهم. لأنه إذا أنفق المسلم ماله في سبيل الله، علم أن تصديقه وإيمانه بالثواب من أصل نفسه، ومن إخلاص قلبه. وهذا يعني أنهم يثبتون إيمانهم بفعلهم هذا أمام
الله من تلقاء أنفسهم. ومنهم من فسر التثبيت بالتثبت.
فهم متثبتون، ومتحققون أن الله سيجزيهم على ذلك وافر الجزاء، من باب الحديث الصحيح المتفق على صحته: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا
…
» أي يؤمن أن الله شرعه. ويحتسب عند الله ثوابه. وقالوا غير ذلك. وإنما قدمنا المعنى الأول لأنه من باب: «والصدقة برهان» . فهؤلاء يبرهنون على إيمانهم بالله بإنفاقهم المال الذي هو عزيز، وحبيب للنفس في سبيل الله، دون أي غرض آخر. كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ. فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ: الجنة: البستان.
والربوة: المكان المرتفع. والبستان في المكان المرتفع، أزكى شجرا وأحسن ثمرا.
والوابل: المطر الشديد، العظيم القطر. والطل: المطر الصغير القطر. وهو يكفي هذه البستان، لعلوها وكرم منبتها. وقد مثل الله عز وجل نفقة هؤلاء في زكاتها عند الله بمثل هذه الجنة. إما أنها تؤتي أكلها ضعفين، بسبب الوابل. أو تؤتي أكلها العادي، بسبب الطل. أو أنه جل جلاله مثل حالهم عند الله، بالجنة على الربوة. ونفقتهم