الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مبنية على أصل فاسد، نجد تطبيقات هذه المعاني في أكثر ما كتبه الكاتبون عن نشأة الإنسان وتاريخه القديم، وعن نشأة اللغات. وقصة آدم تصحح لنا هذه المفاهيم كلها.
فقد عرفنا من خلال الآيات كيف أن إنساننا الحالي كان يعلم، وكان يتكلم من بداية خلقه، فما يقوله بعضهم من كون الإنسان لم يضل إلى لغة الخطاب إلا متأخرا فخطأ، وما يقوله بعضهم: عن فوضى جنسية في الابتداء فخطأ، وما يقوله بعضهم: عن جهل مطبق في التعامل مع الأشياء فخطأ، قد تكون هناك مراحل لاحقة أو ظواهر شاذة، لكن آدم عليه السلام، نزل إلى الأرض، وهو مزود باللازم الأول للاستخلاف: العلم والبيان.
- ختمت قصة آدم في القاعدة الكلية فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.
هؤلاء أهل النار الذين هم أهلها ولكن قد يدخل النار عصاة المؤمنين، فهؤلاء لهم وضع خاص.
أخرج الإمام مسلم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
- يهول بعض الناس عند ما يعلم أن أكثرية البشرية إلى النار، ولا يهوله أن تكفر أكثرية البشرية بالله وتحاربه وتحارب أولياءه وشريعته، إن الله يخلق الشجرة العظيمة ذات الثمر الكثير الطيب، الشجرة كلها للنار في المآل وفي الثمر الخير، إن شجرة البشرية خيرها في ثمارها، وثمارها أهل الإيمان فلا ينبغي أن يغتر أحد بكثرة المفسدين، وكثرة سفاكي الدماء ظلما، وعليه أن يحقق حكمة الله في خلقه بالقيام بعبادته وشكره وذكره واتباع هداه باتباع كتابه.
5 - كلمة أخيرة في المقطع وسياقه:
لعل القارئ من خلال ما مر قد ارتبطت لديه قصة آدم بالآيات التي قبلها. وأدرك سر طلب الله منا أن نتذكرها بعد ما عرفنا على أصناف الناس، وبعد ما عرفنا على الطريق إليه، فجاءت قصة آدم بعد ذلك لتقول: إنكم إن كنتم من المتقين المهتدين
بكتابي، فإنكم تكونون منسجمين مع القاعدة الكلية التي وضعتها لكم: فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ، وإن لم تكونوا كذلك تكونوا قد وقعتم فيما تهددكم الله به: وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ، ومع أننا قلنا ما فيه الكفاية في تبيان الصلة بين قصة آدم وما قبلها فإننا نؤثر أن نزيد الأمر وضوحا بذكر بعض الملاحظات:
1 -
جاءنا في المقطع الأول أمر ونهي، وجاءت قصة آدم لتبين لنا عاقبة الأمر والنهي، وتدلنا على الطريق الذي ينبغي أن نسلكه إذا واقعنا المعصية.
2 -
عرفنا في المقطع الأول أن سر الضلال هو نقض العهود، وقطع ما أمر الله به أن يوصل والإفساد في الأرض، وعلمتنا قصة آدم أن الإفساد في الأرض يتنافى مع حكمة خلقنا، كما عرفتنا أن الأسباب الأولى للضلال تكمن في الكبر والحسد والشهوة والحرص.
3 -
عرفنا في المقطع الأول أن الأرض قد خلقت لنا، وعرفنا في المقطع الثاني بعض أسرار استخلافنا في الأرض.
4 -
وفي تذكير الله عز وجل إيانا بكمال النعمة علينا، إذ خلقنا لنكون خلفاء له في الأرض بإعطائنا كمال الاستعداد للتعلم الذي نستطيع به أن نقوم بمقتضيات الخلافة، تهييج لنا على الطاعة فيما سبق ذكره وإبعاد لنا عن المعاصي التي سبق ذكرها.
5 -
وإذا كانت مقدمة سورة البقرة قد ذكرت متقين وكافرين. فقصة آدم عمقت لدينا قضية التقوى، وأفهمتنا قضية الكفر.
6 -
وكان ذلك كله تعميقا لقضية السير في الصراط المستقيم وتنكب صراط المغضوب عليهم والضالين.
وصلات ذلك كله بما مر من قبل لا تخفى.
فلننتقل إلى المقطع الثالث من مقاطع القسم الأول من أقسام سورة البقرة.