الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يستطيعون سفرا للتسبب في طلب المعاش. وهم مع هذا متعففون، يظنهم الجاهل بأمرهم وحالهم أغنياء من تعففهم في لباسهم وحالهم وفعالهم. إلا أن سيماهم تدل ذوي الألباب على حاجتهم. ومن صفاتهم أنهم لا يلحون في المسألة، ولا يكلفون الناس ما لا يحتاجون إليه ثم ختم الله عز وجل الآية بقوله: وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ أي: لا يخفى عليه شئ منه. وسيجزي عليه أوفر الجزاء، وأتمه يوم القيامة أحوج ما يكون الإنسان إليه.
وفي الآية الثامنة يثني الله عز وجل على الذين ينفقون في سبيله، وابتغاء مرضاته في جميع الأوقاف، من ليل أو نهار. وفي جميع الأحوال من سر وجهر، وبين ما لهم عند الله في مقابل ذلك. وأن لهم أجرا، وأمنا، وفرحا.
المعنى الحرفي:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ أي: أنفقوا من جياد مكسوباتكم. وفيه دليل على وجوب الزكاة في أموال التجارة. وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ أي من الحب، والثمر، والمعادن. والتقدير: من طيبات ما أخرجنا لكم من الأرض. وهذه الآية من أدلة الحنفية على وجوب الزكاة في كل ما يخرج من الأرض قليلا أو كثيرا، مخزونا أو غير مخزون. وفي كل مكان يدور فيه الخلاف حول الواجب، أو عدمه. يبقى الندب قائما. وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ:
المراد بالتيمم: هو القصد. أي: ولا تقصدوا المال الردئ تخصونه بالإنفاق منه.
وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ. أي: وحالكم أنكم لا تأخذونه في حقوقكم، إلا أن تتسامحوا في أخذه، وتترخصوا فيه. وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ أي: واعرفوا أن الله غني عن صدقاتكم، مستحق للحمد لكمالاته، ولإنعامه.
فوائد:
1 -
روي الحاكم وغيره في سبب نزول الآية عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال:
«نزلت في الأنصار كانت الأنصار إذا كانت أيام جذاذ النخل أخرجت من حيطانها البسر، فعلقوه على حبل بين الاسطوانتين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فيأكل فقراء المهاجرين منه. فيعمد الرجل منهم إلى الحشف (أي ردئ التمر) فيدخله مع أقناء
البسر، يظن أن ذلك جائز. فأنزل الله: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ.
2 -
فهم بعضهم قوله تعالى: أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ: أن المراد به الأمر بالإنفاق من الكسب الحلال. ولا شك أن الإنفاق من الحلال نحن مطالبون به شرعا. ولكن الآية معناها، ما ذكرناه بدليل سبب النزول. ولذلك قال عبد الله بن مغفل في هذه الآية وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ
…
: (كسب المسلم لا يكون خبيثا.
ولكن لا يتصدق بالحشف، والدرهم الزيف، وما لا خير فيه).
وبهذه المناسبة ننقل حديثا، وفتوى، حول الإنفاق من الحرام.
أما الحديث فما رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قسم بينكم أخلاقكم، كما قسم بينكم أرزاقكم. وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب. ولا يعطي الدين إلا لمن أحب. فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه.
والذي نفسي بيده، لا يسلم عبد حتى يسلم قلبه ولسانه. ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه. قالوا: وما بوائقه يا نبي الله؟. قال: غشه، وظلمه، ولا يكسب عبد مالا من حرام، فينفق منه، فيبارك له فيه. ولا يتصدق به، فيقبل منه، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار. إن الله لا يمحو السيئ بالسيئ، ولكن يمحو السيئ بالحسن. إن الخبيث لا يمحو الخبيث».
وأما الفتوى: يقول فقهاء الحنفية: من تصدق بدرهم حرام ينوي به القربة لله، يكفر. وإذا علم به الفقير، فدعا له، يكفر. ومن أمن على دعائهما يكفر. فمن كان عنده مال حرام فلينفقه بنية التخلص منه لا بنية الصدقة.
الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ: في الإنفاق. أي: يقول لكم: إن عاقبة إنفاقكم، أن تفتقروا. والوعد يستعمل للخير، وللشر. وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ أي: يغريكم على البخل، ومنع الصدقات، إغراء الآمر بالمأمور. وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا أي: والله يعدكم مغفرة لذنوبكم، وكفارة لها. وأن يخلف عليكم أفضل مما أنفقتم في الدنيا والآخرة. وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ: يوسع على من يشاء، عليم بالأفعال، والنيات.