الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لديه مثقال ذرة يوم القيامة. فأعطاهم الله مقابل اعترافهم بأنهم عبيده وأنهم إليه راجعون في الدار الآخرة أن رحمهم وأمنهم وهداهم.
أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ أي تعطف وحنو. وَرَحْمَةٌ أي: أمنة من العذاب. وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ إلى الطريق الصواب وذلك حين استرجعوا وأذعنوا لأمر الله. قال عمر رضي الله عنه: نعم العدلان ونعم العلاوة أي: الصلاة والرحمة والاهتداء.
فوائد:
1 -
قال تعالى هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ، ظلمات الشهوة والشك والشرك والكفر والنفاق والحيرة وغير ذلك. وقد جعل الله عز وجل مما لو فعلناه صلى علينا ما رأينا في هذه الآيات عند ما ذكر المسترجعين عند المصيبة، الصابرين عليها فإنه يصلي عليهم فلنحصل هذا المقام.
2 -
ورد في الاسترجاع آثار كثيرة منها: أخرج الإمام أحمد عن أم سلمة قالت:
«أتاني أبو سلمة رضي الله عنه يوما من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا سررت به، قال: لا يصيب أحدا من المسلمين مصيبة فيسترجع عند مصيبته ثم يقول: اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها، إلا فعل ذلك.
قالت أم سلمة: فحفظت ذلك منه. فلما توفي أبو سلمة استرجعت وقلت: اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها. ثم رجعت إلى نفسي فقلت من أين لي خير من أبي سلمة؟. فلما انقضت عدتي استأذن علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أدبغ إهابا لي.
فغسلت يدي من القرظ وأذنت له. فوضعت له وسادة أدم حشوها ليف. فقعد عليها فخطبني إلى نفسي، فلما فرغ من مقالته، قلت يا رسول الله: ما بي أن لا يكون بك الرغبة، ولكني امرأة في غيرة شديدة، فأخاف أن ترى مني شيئا يعذبني الله به، وأنا امرأة قد دخلت في السن. وأنا ذات عيال. فقال صلى الله عليه وسلم: وأما ما ذكرت من الغيرة فسوف يذهبها الله عز وجل عنك، وأما ما ذكرت من السن فقد أصابني مثل الذي أصابك، وأما ما ذكرت من العيال فإنما عيالك عيالي».
قالت: فقد سلمت لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت أم سلمة بعد: أبدلني الله بأبي سلمة خيرا منه: (رسول الله صلى الله عليه وسلم» وفي صحيح مسلم بمعناه. وأخرج الإمام أحمد وابن ماجه عن الحسين بن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم ولا مسلمة يصاب بمصيبة فيذكرها وإن طال عهدها- وقال عباد: قدم عهدها- فيحدث لذلك استرجاعا إلا جدد الله عز وجل له عند ذلك فأعطاه مثل أجرها يوم أصيب» .
وأخرج الإمام أحمد والترمذي وقال حسن غريب عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله: يا ملك الموت. قبضت ولد عبدي؟. قبضت قرة عينه وثمرة فؤاده؟. قال نعم. قال: فما قال؟. قال: حمدك واسترجع. قال ابنوا له بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد».
3 -
بعد الأمر بالشكر جاء الأمر بالصبر. والشكر أعلى مقامات السالكين. ولا سلوك بلا صبر. فالصبر زاد الطريق من بدايته إلى نهايته. وقد يجر الهلع والجزع وانعدام الصبر إلى الكفر والعياذ بالله وأعلى من الصبر والتسليم والرضا بقضاء الله فيما ابتلى. وقد جاء الكلام عن الذكر والشكر والصبر والصلاة بين القبلة والسعي بين الصفا والمروة مما يذكرنا بأن هذا الدين شعائر كما أنه شرائع. وخصائص نفسية كما هو أعمال بدنية. وأن لتكوين النفس ارتباطا بعمل البدن
…
4 -
يلاحظ أن الخطاب الأول للمؤمنين بصيغة: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا .... في هذه السورة جاء في سياق الحوار مع بني اسرائيل. فكان هناك بمثابة درس في سياق خطاب الآخرين، إلا أن هذه المجموعة في هذا المقطع يتوجه فيها الخطاب لأهل الإيمان بصيغة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا .. بشكل مباشر في السياق. فكأن الإيمان نما لدرجة استقلال شخصية أصحابه بعد أن أصبحوا مستقلين بقبلتهم. فأصبحوا يخاطبون بشكل مباشر. لا من خلال لفت نظر، أو إعطاء درس من خلال تصرفات الآخرين. وهذه نقطة مهمة في الدعوة والتربية:
فكثيرا ما يضطر الداعية والمربي إلى تحريك العواطف الإيمانية، من خلال لفت النظر إلى تصرفات أهل الكفر. ولكن هذا إنما يكون بمثابة علاج لقصور أو لفتور أو لمرض
ريثما يعي المسلم حقيقة مركزه في الوجود. فلا ينظر إلى الأمور إلا من خلال وظيفته كإنسان مكلف أمام الله. فيرى الأمور كلها ببصيرة أهل الإيمان.
5 -
يقدم صاحب الظلال لهذه المجموعة بقوله:
ويختم صاحب الظلال الكلام عن هذه المجموعة معلقا على قوله تعالى:
أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ بقوله:
«وبعد. فلا بد من وقفة أمام هذه الخاتمة في تلك التعبئة للصف الإسلامي. التعبئة في مواجهة المشقة والجهد والاستشهاد والقتل والجوع والخوف، ونقص الأموال والأنفس والثمرات. التعبئة في هذه المعركة الطويلة الشاقة العظيمة التكاليف. إن الله يضع هذا كله في كفة، ويضع في الكفة الأخرى أمرا واحدا .. صلوات من ربهم ورحمة،
وأولئك هم المهتدون .. إنه لا يعدهم هنا نصرا، ولا يعدهم هنا تمكينا ولا يعدهم مغانم ولا يعدهم هنا شيئا، إلا صلوات الله ورحمته وشهادته .. لقد كان الله يعد هذه الجماعة لأمر أكبر من ذواتها، وأكبر من حياتها. فكان من ثم يجردها من كل غاية، ومن كل هدف ومن كل رغبة من الرغبات البشرية- حتى الرغبة في انتصار العقيدة- كان يجردها من كل شائبة تشوب التجرد المطلق له ولطاعته ولدعوته .. كان عليهم أن يمضوا في طريقهم لا يتطلعون إلى شئ إلا رضى الله وصلواته ورحمته وشهادته لهم بأنهم مهتدون. هذا هو الهدف، وهذه هي الغاية، وهذه هي الثمرة الحلوة التي تهفو إليها قلوبهم وحدها. فأما ما يكتبه الله لهم بعد ذلك من النصر والتمكين فليس لهم، إنما هو لدعوة الله التي يحملونها.
إن لهم في صلوات الله ورحمته وشهادته جزاء. جزاء على التضحية بالأموال والأنفس