الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عرضة دون الخير. كان الرجل يحلف ألا يفعل بعض الخيرات من صلة رحم أو إصلاح ذات البين، أو إحسان إلى أحد، ثم يقول: أخاف الله أن أحنث في يميني. فيترك البر، إرادة أن يبر في يمينه. فقيل لهم: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أي حاجزا لما حلفتم عليه. والمقصود باليمين في الآية المحلوف عليه. وإنما سمي يمينا لتلبسه باليمين.
كقوله صلى الله عليه وسلم: «من حلف على يمين- أي على محلوف عليه- فرأى غيرها خيرا منها، فليكفر عن يمينه» . فصار المعنى: ولا تجعلوا اسم الله مانعا لكم عن ما حلفتم عليه من أن تفعلوا البر، أو تتقوا .. أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ: هذا بيان للأمور المحلوف عليها. والتي لا ينبغي أن يبر الإنسان بيمينه إذا حلف ألا يفعلها: البر، والتقوى والإصلاح بين الناس. ويدخل في البر والتقوى كل شرائع الإسلام. ويدخل في الإصلاح بين الناس كل بذل جهد يؤلف بين القلوب على الحق. وذهب بعضهم إلى أن اللام لِأَيْمانِكُمْ للتعليل وعلى هذا يكون معنى الآية: ولا تجعلوا الله لأجل أيمانكم به مانعا لأن تبروا، وتتقوا، وتصلحوا بين الناس. إذ فعلكم هذا قلب لما ينبغي. فالله عز وجل يريد ممن آمن به أن يندفع في البر والتقوى، والإصلاح بين الناس وهذه هي ثمرة الإيمان بالله. فإذا فعلتم غير هذا، قلبتم الحقائق. وَاللَّهُ سَمِيعٌ لأيمانكم. عَلِيمٌ: بنياتكم.
لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ اللغو:
هو ما لا يعتد به من كلام، وغيره. ولغو اليمين: هو الذي لا يعتد به في باب الأيمان.
وتعريفه عند الحنفية: أن يحلف الرجل على شئ يظنه على ما حلف. والأمر بخلافه.
وعند الشافعية: هو ما يجري على لسانه من غير قصد للحلف. نحو: لا والله، وبلى والله. ومعنى النص: لا يعاقبكم الله بلغو اليمين الذي يحلفه أحدكم. وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ أي: ولكن يعاقبكم بما اقترفته قلوبكم من إثم القصد إلى الكذب في اليمين. وهو أن يحلف على ما يعلم أنه خلاف ما يقوله، وهو اليمين الغموس، التي تغمس صاحبها في النار. وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ: حيث لم يؤاخذكم باللغو في أيمانكم.
وحيث يقبل التوبة النصوح عن أي ذنب.
فوائد:
1 -
قال الحنفية: الأيمان ثلاثة: غموس، ومنعقدة، ولغو، فالغموس أن يحلف كاذبا عمدا. ولا كفارة فيها إلا التوبة والاستغفار. واللغو: أن يحلف على أمر يظنه كذلك، وليس كذلك. والمنعقدة: أن يحلف على مستقبل آت. وهذا القسم فيه الكفارة إن حنث فيه: فاللغو لا إثم فيها، ولا كفارة. ولكن الأدب أن لا يحلف. قال
الشافعي: ما حلفت بالله كاذبا ولا صادقا. والمنعقدة فيها الكفارة كما سنرى في سورة المائدة إن شاء الله. والغموس فيها الإثم. والواجب فيها: التوبة فقط عند الحنفية، والتوبة والكفارة عند الشافعي. تعلق الإمام الشافعي بوجوب الكفارة بالآية المارة آنفا. لأن كسب القلب: العزم، والقصد. والمؤاخذة غير مبينة هنا. وبينت في المائدة. فكان السياق ثمة بيانا هنا. ورد الحنفية: بأن المؤاخذة هنا مطلقة، وهي في دار الجزاء. والمؤاخذة ثم مقيدة بدار الابتلاء، فلا يصح حمل البعض على البعض.
2 -
في الصحيحين عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حلف فقال في حلفه: باللات، والعزى. فليقل: لا إله إلا الله» . قال ابن كثير: (فهذا قاله لقوم حديثي عهد بجاهلية، قد أسلموا، وألسنتهم قد ألفت ما كانت عليه من الحلف باللات من غير قصد. فأمروا أن يتلفظوا بكلمة الإخلاص، كما تلفظوا بتلك الكلمة من غير قصد، لتكون هذه بهذه).
3 -
رأينا أن ليمين اللغو تعريفا عند الشافعية وآخر عند الحنفية. ومدار التعريفين على كلام عائشة، رضي الله عنه ومن وافقها. قالت عائشة في إحدى الروايات عنها في تعريف اللغو: هو الشئ يحلف عليه أحدكم لا يريد منه إلا الصدق، فيكون على غير ما حلف عليه. وفي رواية أخرى: هو قوله: والله، وهو يرى أنه صادق، ولا يكون كذلك.
4 -
وفي حديث مرسل عن الحسن، إسناده حسن. قال:«مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم ينتضلون- يعني يرمون- ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أصحابه. فقام رجل من القوم فقال: أصبت والله، وأخطأت والله. فقال الذي مع النبي صلى الله عليه وسلم للنبي صلى الله عليه وسلم: حنث الرجل يا رسول الله؟ قال: «كلا أيمان الرماة لغو لا كفارة فيها ولا عقوبة» .
5 -
أخرج أبو داود عن سعيد بن المسيب: أن أخوين من الأنصار كان بينهما ميراث، فسأل أحدهما صاحبه القسمة. فقال: إن عدت تسألني عن القسمة مالي في رتاج الكعبة. فقال له عمر: إن الكعبة غنية من مالك. كفر عن يمينك، وكلم أخاك. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«لا يمين عليك ولا نذر في معصية الرب عز وجل، ولا في قطيعة الرحم، ولا فيما لا تملك» .
6 -
روى البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «والله لأن يلج أحدكم بيمينه في