الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن في هذه البداية دعوة إلى العبادة والتوحيد. وتعليلا لهذه الدعوة، كما فيها نهي عن الشرك. وانظر نهاية القسم ففيها إعلان التوحيد. والتعليل له والتحذير من الشرك.
الإعلان: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ.
التعليل: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي ......
التحذير: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ. وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ. وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا .......
وهكذا نجد أن الصلة بين هداية هذا القسم ونهايته على أوضح ما تكون. وإذا اتضحت الصلة بشكل عام بين هذا المقطع والآية السابقة عليه. وبين هذا المقطع والمقاطع السابقة عليه فلنبدأ عرض المجموعة الأولى من
الفقرة الأولى
منه. إذ المقطع فقرتان، الفقرة الأولى: تعرض ما هو ذكر وشكر، وتوضح قضايا من الكفر. والفقرة الثانية: تعرض ما هو ذكر وشكر، وتوضح جوانب من الكفر:
[الفقرة الأولى]
المجموعة الأولى من الفقرة الأولى:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ* وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ* وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ* أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ
وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ.
الصلة واضحة بين هذه المجموعة وما قبلها من حيث إن جولات الحوار السابقة التي عرضها القرآن بين أهل الإيمان وغيرهم تقتضي تثبيتا ومساعدات على هذا الثبات كما أن جولات الحوار تخللها ما يدل على أن الكافرين والظالمين ستكون لهم مواقف إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وهذا يقتضي ما يقابله بشكل مكافئ. فإذا وقع ما وقع فكيف ينبغي أن تكون مواقف هذه الأمة. مثل هذه المعاني كلها وغيرها انتظمتها المجموعة الأولى في الفقرة الأولى:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ.
لما فرغ تعالى من بيان الأمر بالشكر شرع في بيان الصبر والإرشاد إلى ما يتم به، من معرفة بالله وبما أعد للشهداء والصابرين. وقد أمر بهذه الآية بالاستعانة بالصبر والصلاة فهما أجود ما يستعان به على تحمل المصائب. وفي الحديث «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة» والصبر صبران: صبر على ترك المحارم والمآثم، وصبر على فعل الطاعات والقربات، والثاني أكثر ثوابا، لأنه المقصود. وأما الصبر الثالث وهو الصبر على المصائب والنوائب، فذاك أيضا واجب كالاستغفار من المعايب.
ويدخل بالأمر بالاستعانة بالصبر، الصوم لأنه نصف الصبر. كما يدخل بالأمر بالاستعانة بالصلاة قراءة الفاتحة والدعاء. لأن الفاتحة صلاة ولأن الدعاء صلاة. ولكن المقصود الرئيسي من الصبر التصبر. فإذا وضح هذا نقول:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ لأنه به تنال كل فضيلة وَالصَّلاةِ لأنها تنهى عن كل رذيلة وتعطي صاحبها اطمئنانا. إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ بالنصر والمعونة. قال عليه الصلاة والسلام «عجبا للمؤمن لا يقضي له الله قضاء إلا كان خيرا له .. إن أصابته سراء فشكر كان خيرا له وإن أصابته ضراء فصبر كان خيرا له» .
قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: «الصبر في بابين: الصبر لله بما أحب وإن ثقل على الأنفس والأبدان. والصبر لله عما كره وإن نازعت إليه الأهواء. فمن كان هكذا فهو من الصابرين الذين يسلم عليهم إن شاء الله» . وقال سعيد بن جبير: «الصبر اعتراف العبد لله بما أصاب منه، واحتسابه عند الله رجاء ثوابه. وقد يجزع الرجل وهو متجلد لا يرى منه إلا الصبر» .
وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ، يخبر تعالى أن الشهداء في برزخهم أحياء يرزقون كما جاء في صحيح مسلم:«إن أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر تسرح في الجنة حيث شاءت. ثم تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش فاطلع عليهم ربك اطلاعة فقال: ماذا تبغون. فقالوا: يا ربنا وأي شئ نبغي وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك. ثم عاد عليهم بمثل هذا. فلما رأوا أنهم لا يتركون من أن يسألوا، قالوا: نريد أن تردنا إلى الدار الدنيا فنقاتل في سبيلك حتى نقتل فيك مرة أخرى. لما يرون من ثواب الشهادة. فيقول الرب جل جلاله: إني كتبت أنهم إليها لا يرجعون» .
وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نسمة المؤمن طائر تعلق
في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى حيث يبعثه». ما يدل على أن هذا الخير لعموم المؤمنين أيضا وإن كان الشهداء قد خصصوا بالذكر بالقرآن تشريفا لهم وتكريما وتعظيما. وفي الآية نهي لنا أن نصف من قتل في سبيل الله بالموت، إذ هو حي حياة لا نشعر بها، لأن حياة الشهداء لا تعلم حسا. ذكر النسفي عن الحسن رضي الله عنه:
(أن الشهداء أحياء عند الله، تعرض أرزاقهم على أرواحهم، فيصل إليهم الروح والفرح كما تعرض النار على أرواح آل فرعون غدوا وعشيا، فيصل إليهم الوجع).
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ* أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ.
أمر في بداية المقطع بالاستعانة بالصبر والصلاة. ووعد على الصبر النصر والمعونة.
ثم ذكر بعد ذلك ما يعين على الصبر على أعظم المصائب في الله وهو القتل، بأن عرفنا حال الشهيد عنده. ثم بين لنا حال الصابرين، وحقيقة الصبر، وأجره، وعلى ماذا يكون، فاستكملت المجموعة بذلك قضية الصبر المكمل للشكر، الذي طولبنا به في نهاية المقطع السابق. وهل الإسلام إلا صبر وشكر وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ. أي: لنمتحننكم ولنختبرنكم بِشَيْءٍ أي: بقليل مما ذكر. وقلل ليؤذن أن كل بلاء أصاب الإنسان وإن جل ففوقه ما يقل إليه. ويرينا أن رحمته معنا في كل حال. وأعلمنا بوقوع البلواء قبل وقوعها لنوطن نفوسنا عليها مِنَ الْخَوْفِ خوف العدو وَالْجُوعِ القحط أو الإملاق أو الفاقة أو العوز. وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ أي: ذهاب بعضها كموت المواشي وأمثال ذلك وَالْأَنْفُسِ كموت أو قتل الأصحاب والأقارب والأحباب والإخوان، أو بالمرض والشيب. وَالثَّمَراتِ فلا تقل الحدائق والمزارع كعادتها.
قال بعض السلف: فكانت بعض النخيل لا تثمر إلا واحدة. وكل هذا وأمثاله مما يختبر الله به عباده. فمن صبر أثابه ومن قنط حل به عقابه. وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ.
الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل من يتأتى منه البشارة. والصابرون: هم الذين صبروا على هذه البلايا واسترجعوا عندها لأن الاسترجاع تسليم وإذعان. وهذا غاية الصبر.
وأعلى منه الرضى.
الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ من مكروه أو شدة. قالُوا إِنَّا لِلَّهِ إقرارا له بالملك. وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ إقرار على أنفسهم بالهلك والعودة إليه، يتسلون بقولهم هذا عما أصابهم. عالمين أنهم ملك لله. يتصرف بعبيده بما يشاء وأنه لا يضيع