الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أيها المسلمون إذا مات أحدكم وترك مالا أن تنفذوا ما وصاكم الله به في صلة الوالدين والأقربين. والتي حددها الله في هذه الحالة بآيات الميراث فيما بعد. بِالْمَعْرُوفِ:
أي بالعدل وذلك بإعطاء كل ذي حق حقه، كما حدده الله تعالى. قال عليه الصلاة والسلام بعد أن أنزلت آيات الميراث:«إن الله قد أعطى لكل ذي حق حقه. فلا وصية لوارث» . حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ: إن تطبيق هذه الوصية وإعطاء الوارثين حقوقهم أمر واجب على المتقين. فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ: فمن بدل حكم الله في قضايا الإرث بعد ما سمعه فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ: فإنما إثم التبديل على من فعله. إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً: أي فمن خاف من مورث أوصى جنفا: أي خطأ بأن زاد وارثا بواسطة أو وسيلة كما لو أوصى ببيعه الشئ الفلاني محاباة، أو أوصى لابن بنته ليزيدها، أو نحو ذلك من الوسائل. إما مخطئا غير عامد، بل بطبعه وقوة شفقته من غير تبصر أو متعمدا آثما. فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ: بأن أرجع الأمور إلى نصابها في تطبيق حكم الله في قضايا الإرث. فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ، بل هو مأجور لإقامة أمر الله. إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وعلى هذا الاتجاه فهذه الفقرة مقدمة لآيات الميراث وبإطلاقها تطبق على مرحلة ما قبل نزول آيات الميراث، فهي تمهيد لما بعدها وحل مؤقت لبعض الأمور.
شرح الفقرة على القول الثالث:
القول الثالث: أن هذه الآية ثابتة فيمن لا يرث، منسوخة فيمن يرث. فالأقربون أعم ممن يرث أو من لا يرث. فرفع حكم من يرث بما عين له. وبقي الآخر على ما دلت عليه الآية الأولى. وهذا الاتجاه لا يصح إلا إذا اعتبرنا أن الوصية في الأصل كانت ندبا، وبقيت مندوبة. وعلى هذا ف كُتِبَ في الآية، المراد بها على رأي هؤلاء، ندب. وهذا يخالف ظاهر الآية وسياقها. إلا إذا اعتبرنا قوله تعالى: حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ في الآية تخصيصا. بمعنى أن هذا على من اتقى كالفريضة. إذ التقي يأخذ بالعزيمة من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين. فعلى هذا فإن في آية الميراث في سورة النساء حكما مستقلا، لأهل الفروض والعصبات رفع به حكم هذه الآية بالنسبة لهم بالكلية. وبقي الأقارب الذين لا ميراث لهم. يستحب للمسلم أن يوصي لهم من الثلث استئناسا بآية الوصية، وشمولها. وللأحاديث الواردة في ذلك. فلنذكرها أولا.
ثم نشرح الآية على ضوء ذلك.
1 -
في الصحيحين أن سعدا قال يا رسول الله: «إن لي مالا، ولا يرثني إلا ابنة لي. أفأوصي بثلثي مالي؟ قال: لا. قال: فبالشطر؟. قال لا. قال: فالثلث؟.
قال: الثلث. والثلث كثير، إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس». وفي صحيح البخاري أن ابن عباس قال: لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع. فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الثلث. والثلث كثير» .
2 -
في الصحيحين عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما حق امرئ مسلم له شئ يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده» . قال ابن عمر: ما
مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك إلا وعندي وصيتي.
3 -
في مسند عبد بن حميد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: «يا ابن آدم. ثنتان لم يكن لك واحدة منهما: جعلت لك نصيبا في مالك حين أخذت بكظمك به، وأزكيك. وصلاة عبادي عليك بعد انقضاء أجلك» .
أي إن الله من علينا بما شرع لنا من الوصية التي تنفعنا بعد موتنا كما من علينا بقبوله دعوات المؤمنين لأمواتهم.
فإذا اتضح هذا، صار معنى الآية على هذا الاتجاه:
كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ: أي يستحب لكم أن توصوا لمن لا يرث من الأقربين بشيء من أموالكم في حدود الثلث. أما الوارثون، فإرثهم- ضمن ما حدد الله في سورة النساء- واجب. بِالْمَعْرُوفِ: أي في حدود الثلث بعد ما نزلت آية المواريث. حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ: من الأوصياء والشهود. فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ: فما إثم التبديل إلا على مبدله. والأجر كامل للموصي. إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ* فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً. بأن زاد على الثلث في الوصية، أو أوصى لوارث خطأ أو عمدا. فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ بإجراء الأمور على طريق الشرع. فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
هذا شرح لهذه الفقرة كما رأينا على كل الاتجاهات الرئيسية لفهمها ومنه نعلم أنه لا يترتب على الخلاف في فهمها كبير أمر فالإجماع منعقد على ألا وصية لوارث والإجماع منعقد على استحباب الوصية.