الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال القرطبي:
(واختلف العلماء هل يجوز أن ينتفع بالميتة أو بشيء من النجاسات؟ واختلف عن مالك في ذلك أيضا .. ).
(فأما الناقة إذا نحرت، أو البقرة أو الشاة إذا ذبحت، وكان في بطنها جنين ميت فجائز أكله من غير تذكية له نفسه، إلا أن يخرج حيا فيذكى، ويكون له حكم نفسه) أقول:
لا يجيز فقهاء الحنفية أكل الجنين إلا إذا خرج حيا وذبح ذبحا شرعيا)
(واختلفت الرواية عن مالك في جلد الميتة، هل يطهر بالدباغ أم لا؟ فروي عنه أنه لا يطهر وهو ظاهر مذهبه. وروي عنه أنه يطهر لقوله عليه الصلاة والسلام (أيما إهاب دبغ فقد طهر) وأما شعر الميتة وصوفها فطاهر.
اتفق العلماء على أن الدم حرام نجس لا يؤكل ولا ينتفع به. قال ابن خويزمنداد:
(وأما الدم فمحرم ما لم تعم به البلوى، ومعفو عما تعم به البلوى. والذي تعم به البلوي هو الدم في اللحم وعروقه، ويسيره في البدن والثوب يصلى فيه
…
«وقد روت عائشة رضي الله عنها قالت: كنا نطبخ البرمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، تعلوها الصفرة من الدم فنأكل ولا ننكره» . لأن التحفظ من هذا إصر وفيه مشقة والإصر والمشقة في الدين موضوع).
(ولا خلاف أن جملة الخنزير محرمة إلا الشعر. فإنه يجوز الخزازة به). أقول لأنه لا ينوب غيره منابه. فإباحة استعماله ضرورة للخرازين.
(ولا خلاف بين العلماء أن ما ذبحه المجوسي لناره، والوثني لوثنه لا يؤكل ولا تؤكل ذبيحتهما عند مالك والشافعي وغيرهما؛ وإن لم يذبحا لناره ووثنه كذلك وأجازهما ابن المسيب وأبو ثور إذا ذبحا لمسلم بأمره). أقول: بعض الفقهاء يعتبرون فعل المأمور بأمر الآمر فعلا للآمر ومن ثم أجازوا أن يستلم وزارة التنفيذ ذمي. لأن أمره على المسلم هو أمر الخليفة وليس أمرا له على الحقيقة.
فصل في الاضطرار المبيح:
قال القرطبي: (الاضطرار لا يخلو أن يكون بإكراه من ظالم، أو بجوع في مخمصة، والذي عليه الجمهور من الفقهاء والعلماء في معنى الآية هو من صيره العدم والغرث، (وهو الجوع) إلى ذلك؛ وهو الصحيح. وقيل: معناه أكره وغلب على أكل هذه
المحرمات. قال مجاهد: يعني أكره عليه. كالرجل يأخذه العدو فيكرهونه على أكل لحم الخنزير، وغيره من معصية الله تعالى. ألا إن الإكراه يبيح ذلك إلى آخر الإكراه).
(وأما المخصمة فلا يخلو أن تكون دائمة أو لا، فإن كانت دائمة فلا خلاف في جواز الشبع من الميتة، إلا أنه لا يحل له أكلها وهو يجد مال مسلم لا يخاف فيه قطعا، كالتمر المعلق وحريسة (1) الجبل، ونحو ذلك مما لا قطع فيه ولا أذى. وهذا مما لا اختلاف فيه).
وذلك لأن حفظ مهجة المسلم واجب إسلامي عام يلزم من استطاعه:-
قال القرطبي:
(قال أبو عمر: وجملة القول في ذلك أن المسلم إذا تعين عليه رد رمق مهجة المسلم، وتوجه الفرض في ذلك بألا يكون هناك غيره، قضي عليه بترميق تلك المهجة الآدمية.
وكان الممنوع منه له في ذلك محاربة من منعه ومقاتلته، وإن أتى ذلك على نفسه، وذلك عند أهل العلم إذا لم يكن هناك إلا واحد لا غير، فحينئذ يتعين عليه الفرض. فإن كانوا كثيرا، أو جماعة، أو عددا، كان ذلك عليهم فرضا على الكفاية. والماء في ذلك وغيره مما يرد نفس المسلم ويمسكها سواء. إلا أنهم اختلفوا في وجوب قيمة ذلك الشئ على الذي ردت به مهجته ورمق به نفسه، فأوجبها موجبون، وأباها آخرون. وفي مذهبنا القولان جميعا. ولا خلاف بين أهل العلم متأخريهم ومتقدميهم في وجوب رد مهجة المسلم عند خوف الذهاب والتلف بالشئ اليسير الذي لا مضرة فيه على صاحبه، وفيه البلغة).
(وإن كان الثاني- أي المخمصة العارضة- وهو النادر في وقت من الأوقات، فاختلف العلماء فيها على قولين: أحدهما- أنه يأكل حتى يشبع ويتضلع، ويتزود إذا خشي الضرورة فيما بين يديه من مفازة وقفر، وإذا وجد عنها غنى طرحها، قال معناه مالك في موطئه وبه قال الشافعي وكثير من العلماء).
(وقالت طائفة: يأكل بقدر سد الرمق، وبه قال ابن الماجشون وابن حبيب. وفرق أصحاب الشافعي بين حالة المقيم والمسافر، فقالوا: المقيم يأكل بقدر ما يسد رمقه، والمسافر يتضلع ويتزود، فإذا وجد غنى عنها طرحها، وإن وجد مضطرا أعطاه إياها ولا يأخذ منه عوضا، فإن الميتة لا يجوز بيعها).
(فإن اضطر إلى خمر، فإن كان بإكراه شرب بلا خلاف. وإن كان بجوع أو عطش فلا يشرب، وبه قال مالك في العتبية. قال: ولا يزيده الخمر إلا عطشا، وهو قول
(1) فى القاموس المحيط: والحريسة المسروقة.