الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالتوجه، وأي نعمة أجل من نعمة الهداية؟ وأي نعمة أجل من نعمة إرسال رسولنا عليه الصلاة والسلام؟ دعوة إبراهيم، وبشارة عيسى عليهم السلام.
التفسير:
وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ للسفر. فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أي:
نحوه إذا صليت. وَإِنَّهُ أي هذا المأمور به لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ فراقبوا الله في أعمالكم كلها.
وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ. وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ.
قال ابن كثير: «هذا أمر ثالث من الله تعالى باستقبال المسجد الحرام من جميع أقطار العالم. وقد اختلفوا في حكم هذا التكرار ثلاث مرات. فقيل تأكيد. لأنه أول ناسخ وقع في الإسلام على ما نص عليه ابن عباس وغيره. وقيل بل هو منزل على أحوال:
فالأمر الأول: لمن هو مشاهد الكعبة. والثاني: لمن هو في مكة غائبا عنها. والثالث:
لمن هو في بقية البلدان. هكذا وجهه فخر الدين الرازي» وقال القرطبي: الأول:
لمن هو بمكة. والثاني: لمن هو في بقية الأمصار. والثالث: لمن خرج في الأسفار.
ورجح هذا الجواب القرطبي. وقيل إنما ذكر ذلك لتعلقه بما قبله أو بعده من السياق.
فقال أولا قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها. إلى قوله وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ فذكر في هذا المقام إجابته إلى طلبته، وأمره بالقبلة التي كان يود التوجه إليها ويرضاها.
وقال في الأمر الثاني وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ فذكر أنه الحق من الله. وارتقاءه المقام الأول حيث كان موافقا لرضا الرسول صلى الله عليه وسلم. فبين أنه الحق أيضا من الله يحبه ويرتضيه. وذكر في الأمر الثالث حكمة قطع حجة المخالف من اليهود الذين كانوا يحتجون باستقبال الرسول إلى قبلتهم. وقد كانوا يعلمون بما في كتبهم أنه سيصرف إلى قبلة إبراهيم عليه السلام، إلى الكعبة. وكذلك مشركو العرب انقطعت حجتهم لما صرف الرسول صلى الله عليه وسلم عن قبلة اليهود إلى قبلة إبراهيم التي هي أشرف. وقد كانوا يعظمون الكعبة. وأعجبهم استقبال الرسول لها. وقيل غير ذلك من الأجوبة عن حكمة التكرار. وقد بسطها الرازي وغيره والله أعلم.
لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ. أطلق اسم الحجة على المعاندين لأنهم يسوقونه سياق الحجة. علمتنا الآية أن على المسلم أن يبطل حجج أعداء الله بمواقفه وسلوكه، وقد أبطل الله عز وجل حججا كثيرة للكافرين على هذه الأمة بهذا التوجه إلى القبلة. إن كثيرا من الكافرين يريدون أن يبرهنوا على أن هذا الدين مأخوذ عن غيره، بينما القاعدة الأساسية فيه هي التميز عن غيره، والقبلة من مظاهر هذا التمييز. فلو بقيت القبلة إلى غير الكعبة لكان للكافرين في ذلك كلام. ومن الحجج التي بطلت بهذا التوجه، حجة العرب في أنه كيف يكون على ملة إبراهيم ويتوجه إلى غير بيته، ومن الحجج التي بطلت. زعم المشركين من العرب أن محمدا وأصحابه لا يعظمون الكعبة، ومن الحجج التي بطلت. حجة أهل الكتاب أنه بالإمكان أن يتابع محمد أهل الكتاب ما دام تابعهم في بعض دينهم. فكان التوجه نحو الكعبة قطعا لطمع أهل الكتاب في متابعة هذه الأمة. إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ: الذين ظلموا هنا، إما اليهود، وإما قريش في ساعة نزول القرآن. وهي عامة في كل ظالم، لأن الاستثناء من الناس. وكلمة الناس يدخل فيها الجميع. دلت الآية على أن المسلم لا ينبغي أن يبالي بالكلمة الظالمة، ولا بحجة الظالم. ولكن عليه أن يبطل الحجج حتى لا ينخدع بها غير قائليها من الظلمة. وبالنسبة لموضوعنا إذا حملنا الآية على أن المراد بالظالمين اليهود، فإنهم قالوا: ما ترك قبلتنا إلى الكعبة إلا ميلا إلى دين قومه، وحبا لبلده ولو كان على الحق للزم قبلة الأنبياء عليهم السلام. وإذا حملنا الآية على أن المراد بالظالمين مشركو قريش إذ قالوا: بدا له فرجع إلى قبلة آبائه ويوشك أن يرجع إلى دينهم.
مثل هذه الحجج لا ينبغي أن تلتفت إليها هذه الأمة التي تعلم أن الحق والخير هو في طاعتها لله في جميع أحوالها. فلا تخرج عن أمر الله طرفة عين إلى كلام الخارجين عن
أمر الله. فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي. أي لا تخشوا شبه الظلمة المتعنتين. وأفردوا الخشية لي. فإنه تعالى هو أهل أن يخشى منه. فصار المعنى: لا تخشوا الظالمين، فتخافوا مطاعنهم فإنهم لا يضرونكم. واخشوني، فلا تخالفوا أمري. وهكذا شأن المسلم. إذا كان على الحق فإنه لا يبالي بأحد. وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ هذه معطوفة على قوله تعالى لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ فصار المعنى وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة، ولأتم نعمتي عليكم. ومن أجل هدايتكم. وإتمام النعمة هنا بشرع استقبال الكعبة، لتكمل الشريعة من جميع وجوهها. وتتميز هذه الأمة بشعائرها وشرائعها. وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ مما
ضلت عنه الأمم في كل ما هو الأحب إلى الله والحق عنده، هديناكم إليه، وخصصناكم به. ولهذا كانت هذه الأمة أشرف الأمم وأفضلها.
كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ. هذه الآية، إما أنها متعلقة بما قبلها، فيصبح المعنى: ولأتم نعمتي عليكم في الآخرة بالثواب كما أتممتها عليكم في الدنيا بإرسال الرسول الذي يتلو
…
وإما أنها متعلقة بما بعدها. فيصبح المعنى: كما ذكرتكم بإرسال الرسول فاذكروني بالطاعة أذكركم بالثواب. فعلى هذا القول يوقف على تَهْتَدُونَ وعلى القول الأول لا يوقف.
والخطاب في مِنْكُمْ للعرب. وفي ذلك إشعار للعرب بنعمة الله عليهم. فما أخس العرب إذا تركوا دعوة الله ودينه بعد ما خصهم الله بها من جميع الأمم. وكلفهم بتبليغها لكل الأمم. يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا أي: يقرؤها عليكم. وآيات الله هي كتابه.
وَيُزَكِّيكُمْ أي: يطهركم من رذائل الأخلاق ودنس النفوس وأفعال الجاهلية ويخرجكم من الظلمات إلى النور. وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ. أي: القرآن. فهو يقرأ عليهم القرآن ويعلمه لهم. ففي التعليم زيادة على التلاوة. وذلك أن التلاوة وحدها مقصودة. وتعليم القرآن كذلك مقصود ولهذا فإن علينا أن نقيم حلقات التلاوة والتجويد، كما نقيم حلقات التفسير. وَالْحِكْمَةَ الحكمة: السنة والفقه.
وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ مما لا سبيل إلى معرفته إلا بالوحي. كانوا في الجاهلية الجهلاء، فانتقلوا ببركة رسالته، ويمن سفارته إلى حال الأولياء، وسجايا العلماء. فصاروا أعمق الناس علما، وأبرهم قلوبا، وأقلهم تكلفا، وأصدقهم لهجة.
ولهذا ندب الله المؤمنين بالآية التالية إلى الاعتراف بهذه النعمة، ومقابلتها بذكره وشكره فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ.
فاذكروني بالطاعة، أذكركم بالمغفرة. أو بالثناء والعطاء. أو اذكروني بالسؤال أذكركم بالنوال. أو اذكروني بالتوبة، أذكركم بعفو
…
أو اذكروني بالإخلاص، أذكركم بالخلاص. أو اذكروني بالمناجاة، أذكركم بالنجاة. أو اذكروني بهذا كله وغيره ومثله، أذكركم بهذا كله وغيره ومثله. واشكروا لي ما أنعمت به عليكم ولا تكفرون أي: لا تجحدوا نعمائي. أمر الله تعالى بشكره، ووعد على شكره بمزيد الخير وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ. (سورة إبراهيم) قال الله عز وجل:«يا ابن آدم .. إن ذكرتني في نفسك، ذكرتك في نفسي. وإن ذكرتني في ملأ، ذكرتك في ملأ من الملائكة. أو قال: في ملأ خير منه. وإن دنوت مني شبرا، دنوت منك ذراعا. وإن دنوت مني ذراعا، دنوت منك باعا. وإن أتيتني تمشي أتيتك هرولة» .