الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلمة في هذا المقطع وسياقه:
1 -
ختمت قصة آدم عليه الصلاة والسلام بالقاعدة:
فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.
وجاء مقطع بني إسرائيل ليعرض علينا نموذجا لأمة أنزل عليها هدى فانحرفت عنه، ويأتي الآن مقطع إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ليقص علينا قصة النموذج الكامل لإنسان أنزل عليه هدى فقام به قياما كاملا وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قال البيضاوي: فأداهن كملا وقام بهن حق القيام لقوله تعالى وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى (سورة النجم) لاحظ الآن الصلة بين قوله تعالى في أول آية في مقطع آدم عليه السلام: وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً.
وبين قوله تعالى في أول آية من مقطع إبراهيم عليه السلام: قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً. فالذي جعل آدم خليفة، جعل إبراهيم إماما فهو النموذج الكامل على الخليفة الكامل.
2 -
وقبل مقطع آدم في سورة البقرة يأتي مقطع الدعوة إلى التوحيد يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ .... فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ.
وفي مقطع إبراهيم نرى النموذج الأعلى على التوحيد متمثلا بإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ* وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ .... أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ فمقطع إبراهيم يعمق سياقه المعاني التي وردت في مقطع الدعوة إلى العبادة والتوحيد.
3 -
ومن قبل المقطع الأول في هذا القسم جاءت مقدمة سورة البقرة وفيها: قوله تعالى وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وفي مقطع إبراهيم عليه الصلاة والسلام يأتي الأمر المفصل: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ.
4 -
ومن قبل جاءت الفاتحة وكانت الفقرة الخاتمة فيها: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ* صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ* غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ. وقد رأينا في مقطع بني إسرائيل بعض صراط المغضوب عليهم والضالين، وفي مقطع إبراهيم نرى صراط الذين أنعم الله عليهم. ومع ذلك كله الحوار مع المغضوب عليهم والضالين وإقامة الحجة.
5 -
وكما أن مقطع إبراهيم عليه السلام يخدم في سياقه ما مر من السورة، فإنه الأساس والمقدمة للمقطع اللاحق من السورة، وهو مقطع القبلة، إن القبلة التي هي مرتكز من مرتكزات العبادة لله ستتحدد في المقطع اللاحق، ولكن مقطع إبراهيم جاء بمثابة الترشيح للكلام في شأنها، وجاء بمثابة المقدمة لتقريرها أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ .. وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ .. وَأَرِنا مَناسِكَنا ....
وهكذا نرى أن مقطع إبراهيم عليه السلام في محله يخدم سياق الفاتحة، ومقدمة سورة البقرة، ومقطع التوحيد، ومقطع آدم، والمقطع اللاحق، فما صلته بالمقطع السابق عليه مباشرة مقطع بني إسرائيل؟
6 -
قلنا من قبل: إن الحوار مع بني إسرائيل لا زال مفتوحا، وإن ختم مقطع بني إسرائيل، ذلك لأنه لا زال لليهود. كلام يقولونه، متكئين عليه في رفض الإيمان بالإسلام، وفي مقطع إبراهيم يستكمل جزء من الحوار، إذ الإمامة في ذرية إبراهيم مشروطة، وقد أخل اليهود بالشرط فلا حجة لهم في أن تستمر الإمامة فيهم، ولذلك تنتقل الإمامة إلى أمة تقوم بحق الله، وذلك مقتضى دعوة إبراهيم وإسماعيل وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ
…
وبعثة محمد صلى الله عليه وسلم مقتضى دعوة إبراهيم عليه السلام لأبناء إسماعيل وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ
…
والمقطع يقرر أن دين إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب هو الإسلام، فإن يرغب بنو إسرائيل عن الإسلام فذلك سفه فيهم.
وكما أنه في مقطع بني إسرائيل أعطيت أمتنا دروسا، فكذلك في مقطع إبراهيم، وكما أن أمتنا قد علمت كيف ترد على الدعوات الباطلة في المقطع السابق فكذلك الحال هنا في هذا المقطع.
7 -
في مدخل الكلام عن بني إسرائيل رأينا أنه وجهت لبني إسرائيل أوامر ونواه، وأن المقطع جاء بعد ذلك بمثابة تعليل لتوجيه هذه الأوامر والنواهي، ورأينا أن الفصل الثاني من مقطع بني إسرائيل مرتبط بقوله تعالى في المدخل وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ وأن الحوار في الفقرتين الأخيرتين من الفصل الثاني انصب على هذه المعاني، وقلنا في هذه الكلمة إن مقطع إبراهيم عليه السلام يكمل الحوار في هذا الشأن، والآن نقول إن مقطع إبراهيم زيادة على تكملة الحوار فإنه يضع أساسا لنقطة تعرض لها مدخل مقطع بني