الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فعاهديني أن لا تتزوجي غيري. لا تحدثها عن الجماع، وقدرتك عليه لتثير شهوتها.
فتأخذ منها وعدا. إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً أي: لا تواعدوهن مواعدة قط، إلا معروفة غير منكرة، كأن يقول لوليها: لا تسبقني بها. يعني: لا تزوجها حتى تعلمني.
وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ: العزم هو القطع. وذكر العزم هنا مبالغة في النهي عن عقد النكاح. لأن العزم على الفعل يتقدمه. فإذا نهى عنه كان عن الفعل أنهى. والمراد بالكتاب هنا: العدة. وسميت العدة كتابا، لأنها فرضت بالكتاب. فصار المعنى: ولا تعزموا عقدة النكاح حتى تنقضي عدتها، بأن يبلغ التربص المكتوب عليها أجله. أي: غايته وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ من: العزم على ما لا يجوز فَاحْذَرُوهُ: أن تعزموا على ما حرم عليكم.
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ: لا يعاجل في العقوبة، يمهل، ولا يهمل، ويتوب على من تاب، ويعفو عن كثير.
فوائد:
1 -
التعريض بالخطبة في العدة للمتوفى عنها زوجها، وللمطلقة البائنة أما المطلقة طلاقا رجعيا، فلا خلاف في أنه لا يجوز لغير زوجها التصريح بخطبتها ولا التعريض لها أثناء العدة. والدليل على جواز التعريض للمطلقة ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس حين طلقها زوجها أبو عمر بن حفص آخر ثلاث تطليقات، فأمرها أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم. وقال لها:«فإذا حللت، فآذنيني» . فلما حلت، خطب عليها أسامة ابن زيد مولاه. فزوجها إياه.
2 -
من تزوج امرأة في عدتها، فدخل بها، فإنه يفرق بينهما. وهل تحرم عليه أبدا؟. قولان: الجمهور على أنها تحرم عليه على التأبيد. وما هي عقوبتهما في هذه الحالة؟. لكون العقد يورث شبهة. فإنه لا يقام عليها حد الرجم. ولكن تعزر، والتعزير مفوض لرأي القاضي، وكذلك الرجل يعزر ولا يحد ولكن قد يصل التعزير على رأي بعض العلماء إلى القتل.
3 -
قلنا: إن الإجماع منعقد على وجوب العدة على من توفي عنها زوجها، سواء كانت مدخولا بها، أو لا. والدليل على أن غير المدخول بها هذا حكمها ما رواه أهل السنن، والإمام أحمد وصححه، والترمذي: (أن ابن مسعود سئل عن رجل تزوج
امرأة فمات عنها ولم يدخل بها، ولم يفرض لها؟. فترددوا إليه مرارا في ذلك. فقال:
أقول فيها برأيي. فإن يك صوابا فمن الله، وإن يك خطأ فمني ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان منه. لها الصداق كاملا- وفي لفظ- لها صداق مثلها، لا وكس، ولا شطط. وعليها العدة، ولها الميراث. فقام معقل بن يسار الأشجعي فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى به في بروع بنت واشق. ففرح عبد الله بذلك فرحا شديدا).
4 -
ذكر سعيد بن المسيب وأبو العالية، وغيرهما: أن الحكمة في جعل عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا، هي احتمال اشتمال الرحم على حمل. فإذا انتظر به هذه المدة ظهر إن كان موجودا كما جاء في حديث ابن مسعود الذي في الصحيحين وغيرهما:«إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه الملك، فينفخ فيه الروح» . فهذه ثلاث أربعينات بأربعة أشهر، والاحتياط بعشر بعدها لما قد ينقص بعض الشهور ثم لظهور الحركة بعد نفخ الروح فيه. وقال قتادة: سألت سعيد بن المسيب: ما بال العشرة؟. قال: فيه ينفخ الروح! ..
5 -
كان ابن عباس يرى أن الحامل إذا توفي عنها زوجها أن عليها أن تتربص بأبعد الأجلين من الوضع، أو أربعة أشهر وعشرا، للجمع بين الآية التي مرت معنا، وقوله تعالى: وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ. ولكن روى أبو عمرو بن عبد البر: أن ابن عباس رجع إلى حديث سبيعة كما هو قول أهل العلم قاطبة. وحديث سبيعة مخرج في الصحيحين من غير وجه وهو: «أنها توفي عنها زوجها سعد بن خولة، وهي حامل. فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته. وفي رواية: فوضعت حملها بعده بليال. فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب. فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك. فقال لها: ما لي أراك متجملة، لعلك ترجين النكاح؟ والله ما أنت بناكح حتى يمر عليك أربعة أشهر وعشر. قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك، جمعت علي ثيابي حين أمسيت، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك؟. فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي. وأمرني بالتزويج إن بدا لي» .
6 -
الزوجة إذا كانت أمة، وتوفي عنها زوجها، فالجمهور على أن عدتها شهران وخمسة أيام.
7 -
أما عدة أم الولد: إذا توفي عنها سيدها فمذهب أحمد في رواية عنه أن عدتها
أربعة أشهر وعشر. وفي رواية أخرى لأحمد وهو مذهب كثير أن عدتها نصف عدة الحرة. وقال أبو حنيفة وغيره: تعتد بثلاث حيض. وقال مالك، والشافعي، وأحمد في المشهور عنه: عدتها حيضة. وقال الليث: ولو مات، وهي حائض، أجزأتها.
وقال مالك: فلو كانت ممن لا تحيض، فثلاثة أشهر. وقال الشافعي والجمهور:
شهر، وثلاثة أحب.
8 -
قالت زينب بنت أم سلمة في وصف إحداد المرأة الجاهلية: (كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشا، ولبست شر ثيابها، ولم تمس طيبا ولا شيئا حتى تمر بها سنة، ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها. ثم تؤتى بدابة حمار، أو شاة، أو طير، فتفتض به. فقلما تفتض بشيء إلا مات). أي من نتنها. والافتضاض مسح الفرج به.
والظاهر أن الحيوانات التي تموت من الافتضاض هي ما كانت من نوع الطيور والحيوانات الصغيرة.
9 -
الإحداد: هو ترك الزينة من الطيب، ومن لبس ما يدعوها إلى الأزواج من ثياب، وحلي، وغير ذلك. وهو واجب في عدة الوفاة قولا واحدا. ولا يجب في عدة الرجعية قولا واحدا. بل يستحب لها أن تتزين. وهل يجب الإحداد في عدة البائن؟
فيه قولان.
في الصحيحين من غير وجه عن أم حبيبة، وزينب بنت جحش أم المؤمنين: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج، أربعة أشهر وعشرا» . وفي الصحيحين عن أم سلمة أن امرأة قالت: يا رسول الله: إن ابنتي توفي عنها زوجها، وقد اشتكت عينها أفنكحلها؟.
فقال: «لا» ، كل ذلك يقول: لا مرتين أو ثلاثا، ثم قال:«إنما هي أربعة أشهر وعشرا. وقد كانت إحداكن في الجاهلية تمكث سنة» . وهذا منع من التكحل الذي هو مظنة الزينة، لا من التداوي. وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا إحداد على كافرة، ولا على صغيرة، لعدم التكليف، ولا على أمة مسلمة لنقصها.
10 -
رأينا أن الخطاب في قوله تعالى: فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ: إنما هو لمجموع الأمة، وقد رأينا أن الضمير في قوله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ: يرجع إلى الأمة المسلمة ممثلة بقضاتها وحكامها وأهل الرأي فيها، وسنرى مثل ذلك في القرآن كثيرا وهذا يدل على أن الأمة بمجموعها مكلفة بإقامة