الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن! إنها الطبيعة الكافرة في مواقفها وأفعالها وأقوالها.
وبهذا انتهت المجموعة الأولى من الفقرة.
كلمة في هذه المجموعة وسياقها:
1 -
بدأت المجموعة بآية مبدوءة ب وَلَقَدْ وانتهت بآية مبدوءة ب وَلَقَدْ وتأتي مجموعة بعدها مبدوءة ب وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ مما يوحي بأننا أمام مجموعة جديدة، وفي الآية الأولى من هذه المجموعة ورد قوله تعالى وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ وجاءت خاتمة المجموعة لتقول فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ* وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ.
2 -
في هذه المجموعة حوار مباشر مع اليهود في قضية الإيمان بالقرآن، ومناقشة الصوارف التي يطرحونها، وإقامة حجة عليهم فيها من خلال مجموعة الأمور التي تدل على أن هذا الموقف الظالم هو استمرار لمواقف ظالمة أخرى.
3 -
وقد سبقت هذه المجموعة بخاتمة الفقرة السابقة:
أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فكانت هذه المجموعة بمثابة استمرار لنقاش يفضح دعواهم الإيمان سابقا ولا حقا، واستكمالا للحجة عليهم، كما جاءت هذه المجموعة في سياق الفصل المبدوء بقوله تعالى أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ فقدمت لنا مجموعة معان سابقة تجعل إيمان هؤلاء ميئوسا منه.
4 -
ونكرر أن هذه المجموعة جزء من جولة من النقاش المباشر مع بني إسرائيل في أجواء قوله تعالى وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ وذلك بعد فقرات سابقة كان الكلام في الغالب يأتي بشكل غير مباشر في هذا الموضوع بالذات.
فلننتقل إلى عرض
المجموعة الثانية
من هذه الفقرة:
المجموعة الثانية:
وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ كرر رفع الطور لما نيط به من زيادة ليست مع الأولى، ولأنها في المرة الأولى ذكرت في معرض، وهاهنا تذكر في معرض آخر خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا أي خذوا التوراة أخذا قويا واسمعوا ما أمرتكم به فيها، سماع قبول وعمل قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا أي سمعنا قولك، وعصينا أمرك،
أمروا أن يكون سماعهم سماع طاعة، فكان سماعهم سماع عصيان، وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ أي أشربوا حبه حتى خلص ذلك إلى قلوبهم، فداخلهم حبه، والحرص على عبادته، كما يتداخل الصبغ الثوب، وقوله فِي قُلُوبِهِمُ بيان لمكان الإشراب بِكُفْرِهِمْ أي بسبب كفرهم، واعتقادهم التشبيه. قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أي بئسما تعتمدونه في قديم الدهر وحديثه من كفر ومخالفة، فكيف تدعون لأنفسكم الإيمان وقد فعلتم هذه الأفاعيل القبيحة من نقضكم المواثيق وكفركم بآيات الله وعبادتكم العجل من دون الله؟؟.
هم يدعون الإيمان، والإيمان يقتضي طاعة، وهم يعصون، هم يدعون الإيمان بالتوراة وليس في التوراة عبادة عجل، فأي إيمان هذا الذي يأمرهم بعبادة العجل وبمحبته؟ فإذا كان هذا هو إيمانهم الذي سول لهم مثل هذه القبائح فإنه هو هو نفس الإيمان الذي يسول لهم أفظع قبيح، وهو عدم الإيمان بالقرآن.
وقوله تعالى بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ من باب الأسلوب التهكمي، لأن الأصل في الإيمان ألا يأمر صاحبه بمثل هذا وفي قوله تعالى إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ تشكيك في إيمانهم
وقدح في صحة دعواهم.
هذه أول حجة عليهم في هذه المجموعة تكمل حجج المجموعة السابقة عليهم في رفضهم الإيمان بحجة إيمانهم بالتوراة.
ثم تأتي الحجة الثانية.
ويتجه السياق إلى التحدي، ليضع اليهود على المحك في قضية الإيمان، ليثبت لهم بما لا يقبل الجدل أنهم غير مؤمنين، وأنهم كفرة، وذلك أنهم إذا كانوا صادقين في دعواهم من أنهم أهل الحق، وأنهم عباد الله المصطفون، وأنهم غير مكلفين بالاستجابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا يقتضي أن يكونوا هم المستحقين ثواب الله الذي أعده لأوليائه في الآخرة التي يؤمنون بها، والإنسان الذي يثق بهذا الثواب، ويعرف أن الآخرة خير من الدنيا، يتمنى هذه الآخرة، ويفضلها على الدنيا، وبالتالي فإن الموت أحب إليه من الحياة فهل هم كذلك؟ لا؛ إذن فهم كاذبون ..
أو يقال: من كان مطمئنا إلى أنه على الحق، وإلى أن غيره ليس كذلك، فهو على استعداد لأن يدعو الله أن يميت من كان على الباطل هو أو خصمه، وهو يفعل هذا وهو مطمئن إلى النتيجة، فإذا كان اليهود يرفضون هذا، فذلك علامة على أنهم يعلمون حق العلم أنهم على الباطل.
هذه هي الحجة الثانية التي يأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقولها لهم، وهذه الحجة يمكن أن تكون صياغتها إما على الشكل الأول، أو على الشكل الثاني، على حسب اتجاهات المفسرين في التفسير فلنر الآيات:
قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ معنى خالِصَةً أي سالمة لكم فالمعنى: إن كنتم تعتقدون أن الدار الآخرة لكم دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين فيما تقولون، لأن من أيقن أنه من أهل الجنة اشتاق إليها تخلصا من الدار ذات الشوائب، كما نقل عن العشرة المبشرين بالجنة أن كل واحد منهم كان يحب الموت ويحن إليه. هذا هو المعنى العام المتبادر إلى الذهن عند تلاوة الآية، وهو الذي يرجحه ابن جرير، ولكن هناك اتجاها آخر لابن عباس في الآية يرجحه ابن كثير ونحن هنا ننقل عبارة ابن جرير، وكلام ابن كثير مع شئ من الحذف. قال ابن جرير: فهذه الآية مما احتج الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم على اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجره، وفضح بها أحبارهم وعلماءهم، وذلك أن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يدعوهم إلى قضية عادلة فيما كان بينه وبينهم من الخلاف ..
فقال لفريق اليهود إن كنتم محقين فتمنوا الموت، فإن ذلك غير ضاركم إن كنتم محقين فيما تدعون من الإيمان، وقرب المنزلة من الله لكم، بل إن أعطيتم أمنيتكم من الموت إذ تمنيتم فإنما تصيرون إلى الراحة من تعب الدنيا، ونصبها، وكدر عيشها، والفوز بجوار الله في جناته إن كان الأمر كما تزعمون من أن الدار الآخرة لكم خاصة دوننا، وإن لم تعطوها علم الناس أنكم المبطلون، ونحن المحقون في دعوانا، وانكشف أمرنا وأمركم لهم، فامتنعت اليهود من ذلك لعلمها أنها إن تمنت الموت هلكت فذهبت دنياها؛ وصارت إلى خزي الأبد في آخرتها .. ».
وقال ابن كثير: فأما على تفسير ابن عباس أي في تفسير قوله تعالى فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ أي ادعوا على أي الفريقين أكذب فأبوا ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل قيل لهم كلام نصف: إن كنتم تعتقدون أنكم أولياء الله من دون الناس، وأنكم أبناء الله وأحباؤه، وأنكم من أهل الجنة، ومن عداكم من أهل النار، فباهلوا على ذلك، وادعوا على الكاذبين منكم أو من غيركم، واعلموا أن المباهلة تستأصل الكاذب لا محالة، فلما تيقنوا ذلك وعرفوا صدقه نكلوا عن المباهلة؛ لما يعلمون من كذبهم وافترائهم، وكتمانهم الحق من صفة الرسول صلى الله عليه وسلم ونعته، وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، ويتحققونه. فعلم كل أحد باطلهم وخزيهم وضلالهم وعنادهم، عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة، وسميت هذه المباهلة تمنيا لأن كل محق يود لو أهلك الله المبطل بالموت
لأن الحياة عندهم عزيزة عظيمة لما يعلمون من سوء مآلهم بعد الموت
…
».
وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أي الموت أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ أي لن يتمنوه ما عاشوا بسبب ما أسلفوه من الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، وتحريف كتاب الله وغير ذلك، وهو من المعجزات لأنه إخبار بالغيب، وكانوا يستطيعون أن يكذبوا القرآن بإعلانهم أنهم يتمنون الموت ولكنهم لم يفعلوا. قال ابن عباس:«ولو تمنوه يوم قال لهم ذلك ما بقي على الأرض يهودي إلا مات» . وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ومن علمه جل جلاله أنه تحداهم، ومن علمه أنه أخبر أنهم لن يتمنوه، وكان كما أخبر، وفي النص تهديد لهم.
وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ هذه تتمة الحجة عليهم في أنهم أهل باطل. ظهور هذا الحرص العظيم عندهم على الحياة، فهم كالمشركين في هذا الحرص، أو أشد حرصا من المشركين، فلو كان إيمانهم بالله واليوم الآخر سليما، واستقامتهم موجودة لما كانوا كذلك، والتنكير في لفظ حَياةٍ يدل على أنهم يرغبون بالحياة المتطاولة مهما كان نوع هذه الحياة، فهم أحرص الناس على طول العمر؛ لما يعلمون من مآلهم السيئ، وعاقبتهم الخاسرة عند الله لأن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، فهم يودون لو تأخروا عن مقام الآخرة بكل ما أمكنهم وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ. هل الضمير أَحَدُهُمْ يعود على المشركين أو على اليهود؟
قولان للمفسرين فعلى القول أنه يعود على اليهود يكون المعنى: أن اليهود أحرص الناس على الحياة وهم أحرص من المشركين عليها، حتى أن أحدهم يتمنى لو عمر ألف عام، وعلى القول بأن الضمير يعود على المشركين يكون المعنى: أن المشرك يود لو عمر ألف عام فهو حريص على الحياة ومع ذلك فاليهود أحرص منه على الحياة، وفيه توبيخ عظيم لليهود لأن الذين أشركوا لا يؤمنون بعاقبة، ولا يعرفون إلا الحياة الدنيا، فحرصهم عليها لا يستبعد لأنها جنتهم، فإذا زاد في الحرص من له كتاب وهو مقر بالجزاء كان حقيقا بأعظم التوبيخ، وإنما زاد حرصهم على الذين أشركوا لأنهم علموا أنهم صائرون إلى النار، والمشركون لا يعلمون ذلك. قال مجاهد: «حببت إليهم
الخطيئة طول العمر». وقد دلت الآية على أن المؤمن الحق يحب الآخرة أكثر من الدنيا، ويحب الموت أكثر من الحياة، وقد أدبنا رسولنا عليه الصلاة والسلام ألا نتمنى الموت لضر أصابنا، بل نقول:«اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وأمتني ما كان الموت خيرا لي، واجعل لحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر، وإذا أردت بالناس فتنة فاقبضني إليك غير مفتون» . ثم قال تعالى:
وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ أي وما تعميره بمغيثه من العذاب ولا منجيه منه وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ من خير وشر وسيجازي عليه.
ثم تأتي الحجة الثالثة عليهم في هذه المجموعة:
إن دين الله واحد، ومن أحب الله أحب ملائكته كلهم، وأحب رسله كلهم؛ فوالى الجميع ولم يعاد أحدا منهم، واليهود ليسوا كذلك، فهم يوالون في زعمهم رسولا ويعادون رسولا، ويوالون ملكا ويعادون ملكا، فها هم يعادون جبريل ويزعمون أنهم يوالون ميكائيل فأي طبيعة طبيعتهم؟ وأي تناقض عندهم؟ وإذ كانوا كذلك فذلك دليل على أنهم ناس منحرفون عن الحق وعن الربانية الخالصة فما هم بأهل الله وليسوا على دينه.
قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ* مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ.
معنى كلمة جبريل عبد الله، وكذلك كلمة ميكائيل، وقيل بأن جبريل معناها خادم الله، وذكر جبريل وميكال بعد الملائكة والرسل من باب عطف الخاص على العام، فإنهما دخلا في الملائكة وفي عموم الرسل، ثم خصصا بالذكر لأن السياق في الانتصار لجبريل وهو السفير بين الله وأنبيائه، وقرن معه ميكائيل في اللفظ لأن اليهود زعموا أن جبرائيل عدوهم وميكائيل وليهم، فأعلمهم الله تعالى أن من عادى واحدا منهما فقد عادى الآخر وعادى الله أيضا، ولأنه أيضا ينزل على أنبياء الله بعض الأحيان، كما قرن برسول الله صلى الله عليه وسلم في ابتداء الأمر ولكن جبرائيل أكثر وهي وظيفته الرئيسية. وميكائيل موكل بالنبات والقطر، ذاك بالهدى وهذا بالرزق، كما أن إسرافيل موكل بالنفخ في الصور للبعث يوم القيامة، ولهذا جاء في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يقول:«اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم» .
وإنما قال فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ ولم يقل فإن الله عدو له؛ لإظهار أن من عادى رسولا فقد عادى الله، ومن عادى الله فإن الله عدو له. فالمجئ بالاسم الظاهر بدل الضمير ليدل على أن الله إنما عاداهم لكفرهم، وأن عداوة الملائكة كفر كعداوة الأنبياء، ومن عاداهم عاداه الله. وفي قوله تعالى في وصف جبريل فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى
قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ أكثر من رد عليهم:
1 -
أنه لا وجه لمعاداة جبريل حيث نزل كتابا مصدقا للكتب بين يديه فلو أنصفوا لأحبوه، وشكروا له صنيعه في إنزاله ما ينفعهم ويصحح المنزل عليهم.
2 -
وفي الآية رد عليهم من حيث إنهم حاربوا جبريل لأنه ينزل بالحرب والشدة فقيل: فإنه ينزل بالهدى والبشرى أيضا ولكن للمؤمنين، فالمؤمنون يحبونه.
إنه من عادى جبريل فليعلم أنه الروح الأمين الذي نزل بالذكر الحكيم على قلب محمد صلى الله عليه وسلم مصدقا لما بين يديه من الكتب المتقدمة، وهدى لقلوب المؤمنين، وبشرى للمؤمنين بالجنة، فهو رسول ملكي من رسل الله عليهم الصلاة والسلام، ومن عادى رسولا فقد عادى جميع الرسل، ومن كفر برسول فإنه يلزمه الكفر بجميع الرسل، ومن عادى الله وملائكته ورسله من الملائكة والبشر فإنه يكون كافرا ويعاديه الله. وقد ذكر ابن كثير روايات كثيرة لها علاقة بالآية، إما في سبب نزولها، أو في شاهد على مضمونها حول ما كان يصرح به اليهود من عداوة لجبريل. منها ما رواه الإمام أحمد من جملة محاورة طويلة لليهود مع رسول الله صلى الله عليه وسلم «قالوا: إنه ليس من نبي إلا وله ملك يأتيه بالخبر فأخبرنا من صاحبك؟ قال: جبريل عليه السلام. قالوا: جبريل ذاك الذي ينزل بالحرب والقتال والعذاب عدونا. لو قلت ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والقطر والنبات لكان، فأنزل الله: قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ
…
وفي قصة إسلام عبد الله بن سلام كما رواها البخاري أنه عليه الصلاة والسلام عند ما ذكر جبريل قال عبد الله ابن سلام: ذاك عدو اليهود من الملائكة، فقرأ عليه السلام هذه الآية، ونكتفي بهاتين الروايتين عما سواهما.
وإذ قامت عليهم الحجة على أنهم على باطل من خلال ما رأينا تأتي الآية الأخيرة في المجموعة جازمة بأن هذا الرسول قد أنزلت عليه المعجزات الواضحات، وأن الفاسقين عن أمر الله وحدهم هم الذين يكفرون بهذه المعجزات، وبالتالي فهم لا يؤمنون بالرسول صلى الله عليه وسلم ولا يتابعونه قال تعالى:
وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ أي معجزات واضحات وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ أي أنزلنا إليك يا محمد علامات واضحات دالات على نبوتك، وتلك الآيات هي هذا القرآن المعجز، وما حواه من معجزات، ونبوءات صادقات، ودقائق وخفايا لا يعلمها إلا الله، ومن ذلك ما حواه كتاب الله من خفايا علوم اليهود ومكنونات سرائر أخبارهم وأخبار أوائلهم من بني إسرائيل، والإخبار عما تضمنته