الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ. تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها. كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ.
المعاني العامة:
في هذه الآية رخصة من الله تعالى للمسلمين، ورفع لما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام. فإنه كان إذا أفطر أحدهم، إنما يحل له الأكل والشرب والجماع إلى صلاة العشاء، أو ينام قبل ذلك. فمتى نام أو صلى العشاء، حرم عليه الطعام والشراب والجماع إلى الليلة القابلة. فوجدوا من ذلك مشقة كبيرة. فأنزل الله في هذه الآية رخصة.
وفي هذه الآية بيان لمكان الزوج من زوجته، ومكان الزوجة من زوجها. كما أن فيها تحديد وقت الصوم، وتحديد وقت الفطر، وإباحة ما أبيح بين الوقتين. كما أن فيها إشارة إلى الاعتكاف. وما يحظر فيه. وختمت الآية بالتحذير من مجاوزة حدود الله. وتبيان فضل الله على هذه الأمة، إذ بين لها طريق النجاة في الدنيا والآخرة.
من أسباب النزول:
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: كان المسلمون في شهر رمضان إذا صلوا العشاء حرم عليهم النساء والطعام إلى مثلها من القابلة، ثم إن أناسا من المسلمين أصابوا من النساء والطعام فى شهر رمضان بعد العشاء- منهم عمر بن الخطاب- فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأنزل الله تعالى عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ.
المعنى الحرفي للآية:
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ: الرفث هنا الجماع. والليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر. فصار المعنى: أبيح لكم إتيانكم نساءكم في ليلة صومكم. والدليل أن الجماع يدخل في كلمة الرفث هنا، استعمال كلمة إِلى.
فدل على أن ما قبلها قد تضمن معنى الإفضاء. هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ:
هذا استئناف، وهو كالبيان لسبب الإحلال. وهو إنه إذا كانت بينكم وبينهن مثل هذه المخالطة والملابسة قل صبركم عنهن. وصعب عليكم اجتنابهن. فلذا رخص لكم في مباشرتهن. شبهت الزوجة باللباس لزوجها، وشبه الزوج باللباس لزوجته، بجامع المخالطة والمماسة والمضاجعة، فناسب هذا الترخيص بالجامعة في ليل رمضان. لئلا
يشق عليهم ويحرجوا. عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ: أي تظلمونها بالجماع والأكل والشرب بعد العشاء، أو بعد النوم فتنقصونها حظها من الخير.
والاختيان من الخيانة. كالاكتساب من الكسب فيه زيادة وشدة. فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ: أي ما فعلتموه قبل الرخصة، وذلك من كمال رحمته جل جلاله، ولعلم الله من قلوبهم الندم على المخالفة إذا واقعوها. فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ: أي جامعوهن في ليالي الصوم. وهو أمر إباحة. وسميت المجامعة مباشرة لالتصاق بشرتيهما. وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ: أي واطلبوا ما قسم الله لكم، وأثبت في اللوح من الولد بالمباشرة. وفي ذلك لفت نظر إلى أن المباشرة ليست لقضاء الشهوة وحدها. ولكن لابتغاء ما وضع الله له النكاح من التناسل. ويحتمل أن يكون المعنى:
واطلبوا المحل الذي كتبه الله لكم وحلله، وهو الفرج، دون ما لم يكتب لكم من المحل المحرم، كالدبر وكالفرج حال الحيض والنفاس وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ: كما رخص لهم الجماع في ليلة الصيام، فقد رخص لهم الأكل والشرب. وحدد نهاية الوقت المبيح، وهو نهاية الليل، وهو طلوع الفجر. والخيط الأبيض هو أول ما يبدو من الفجر المعترض المستطير. والخيط الأسود هو ما يمتد من سواد الليل. شبها بخيطين: أبيض وأسود لامتدادهما.
وقوله تعالى:
مِنَ الْفَجْرِ: بيان أن الخيط الأبيض من الفجر لا من غيره. واكتفى به عن بيان الخيط الأسود لأن بيان أحدهما بيان للآخر.
قال ابن كثير: (وكان رجال إذا أرادوا الصوم، ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض، والخيط الأسود: فلا يزال يأكل حتى يتبين له رؤيتهما. فأنزل الله: مِنَ الْفَجْرِ. فعلموا أنما يعني الليل والنهار) وقوله تعالى: حَتَّى يَتَبَيَّنَ: فيه بيان أن إباحة الأكل والجماع والشرب يستمر حتى يتبين الفجر. فإذا ما تبين دخول الفجر ارتفعت الإباحة. وفي إباحته تعالى جواز الأكل إلى طلوع الفجر دليل على استحباب السحور، لأنه من باب الرخصة، والأخذ بها محبوب، واستحباب تأخيره. ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ: أي ثم استمروا بالكف عن هذه الأشياء إلى دخول الليل.
وعلامة ذلك، غروب الشمس. وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ:
أي وأنتم معتكفون فيها. بين أن الجماع يحل في ليالي رمضان، لكن لغير المعتكف.
وفيه دليل على أن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد. وأنه لا يختص به مسجد دون مسجد. ومن المتفق عليه بين العلماء أن المعتكف يحرم عليه النساء ما دام معتكفا في