الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ ....
فالفقرة تعرف البر، وتبين عقوبة الكتمان وبيع الآخرة بالدنيا. وبذلك فإن مقطع بني إسرائيل يكون قد غطي تغطية كاملة في السورة، وجاءت التغطية النهائية بآية البر، وبذلك أقفل الحوار مع بني إسرائيل. إذ كانت آية البر فيها إشارة إلى قضية القبلة سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ.
لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ.
وهكذا نجد أن هذا المقطع قد بني على المقطع الأول والمقطع الثاني، وعلى مقطع بني إسرائيل خاصة. وفيه بناء قليل على ما جاء بعد ذلك.
إنه من خلال هذه النظرة الشاملة إلى السورة، التي رأينا من خلالها نموذجا على ترابط معاني هذه السورة، نستطيع أن نسجل ملاحظة حول السياق القرآني. هذه الملاحظة هي: إنه بدون نظرة شاملة إلى الآيات في السورة وإلى مجموع القرآن، فإن الإنسان قد لا يفطن للصلات بين الآيات والسور. فكما أن الوحدة الكلية لهذا الكون تحتاج إلى نظرة شاملة حتى تدرك. فكذلك الوحدة القرآنية، والسياق القرآني. وهذا موضوع سيتضح لنا شيئا فشيئا.
يتألف المقطع من فقرتين:
الفقرة الأولى موضوعها الرئيسي أكل الحلال.
والفقرة الثانية موضوعها كتمان ما أنزل الله، وتعريف البر.
وإنما جعلنا آيات الكتمان وآية البر فقرة واحدة للصلة التي رأيناها بين ما ورد هنا وبين مقطع بني إسرائيل، حيث اجتمع هناك الكلام عن الكتمان مع الكلام عن البر.
ولملحظ كنا ذكرناه من قبل، وهو أنه بعد الكلام عن أكل الحلال وتبيان المحرمات من الأطعمة يذكر الله عز وجل نموذجين من الناس. وبالتالي فإن الكلام عن النموذجين يشكل كلا متكاملا ولذلك اعتبرنا الحديث عنهما فقرة واحدة.
تفسير الفقرة الأولى:
يقول صاحب الظلال:
«لما بين الله- سبحانه- أنه الإله الواحد، وأنه الخالق الواحد- في الفقرات
السابقة- وأن الذين يتخذون من دون الله أندادا سينالهم ما ينالهم .. شرع يبين هنا أنه الرازق لعباده، وأنه هو الذي يشرع لهم الحلال والحرام .. وهذا فرع عن وحدانية الألوهية كما أسلفنا. فالجهة التي تخلق وترزق هي التي تشرع، فتحرم وتحلل. وهكذا يرتبط التشريع بالعقيدة بلا فكاك
…
».
(وهذا الأمر بالإباحة والحل لما في الأرض- إلا المحظور القليل الذي ينص عليه القرآن نصا- يمثل طلاقة هذه العقيدة، وتجاوبها مع فطرة الكون، وفطرة الناس. فالله خلق ما في الأرض للإنسان، ومن ثم جعله له حلالا، لا يقيده إلا أمر خاص بالحظر، وإلا تجاوز دائرة الاعتداء والقصد. ولكن الأمر في عمومه أمر طلاقة واستمتاع بطيبات الحياة، واستجابة للفطرة بلا كزازة ولا حرج ولا تضييق .. كل أولئك بشرط واحد، هو أن يتلقى الناس ما يحل لهم وما يحرم من الجهة التي ترزقهم هذا الرزق. لا من إيحاء الشيطان الذي لا يوحي بخير لأنه عدو للناس بين العداوة. لا يأمرهم إلا بالسوء والفحشاء، وإلا بالتجديف على الله، والافتراء عليه، دون تثبت ولا يقين).
يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً: الأمر هنا للإباحة، والحلال الطيب هو الطاهر من كل شبهة. ولم يحرم الله علينا إلا ما كان ضارا بالأبدان أو العقول أو الأنفس أو بها كلها، ومن ثم فالحلال وحده هو المستطاب. وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ أي: طرقه التي يدعوكم إليها. يقال: اتبع خطواته، إذا اقتدى به، واستن بسنته. وخطوات تزيين الحرام واتباع الشهوات
…
إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ. أي ظاهر العداوة. لا خفاء في عداوته. ولكن الأمر ملبس على أولياء الشيطان، فإنه يريهم في الظاهر الموالاة، ويزين لهم أعمالهم، فيأتيهم من حيث يشتهون، وإنما يريد بذلك هلاكهم في الباطن.
إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ أي بالقبيح، أو ما لا حد فيه من الذنوب وَالْفَحْشاءِ أي ما يتجاوز الحد في القبح من العظائم، أو ما فيه حد من الذنوب.
وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ هو قولهم: هذا حلال وهذا حرام بغير علم، ويدخل فيه كل ما يضاف إلى الله تعالى مما لا يجوز عليه. فصار المعنى العام:
إنما يأمركم عدوكم الشيطان بالأفعال السيئة، وبما هو أغلظ منها: الفاحشة، كالزنا ونحوه. وبما هو أغلظ من ذلك، وهو: القول على الله بلا علم. فيدخل في هذا كل كفر
وكل ابتداع.
وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ: الضمير للناس، والمقصود به بعضهم من أهل الكفر والشرك والنفاق. قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا. أي