الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ. أي يبيعها. ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ أي:
مبتغيا في ذلك رضوان الله. وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ: إذ ييسرهم لهذا المقام، ويلطف بهم ليتحققوا به، ويثيبهم على ذلك.
فائدة:
أخرج ابن جرير عن نوف البكالي- وكان ممن يقرأ الكتب، قال:«إني لأجد صفة ناس من هذه الأمة في كتاب الله المنزل: قوم يحتالون على الدنيا بالدين. ألسنتهم أحلى من العسل. وقلوبهم أمر من الصبر. يلبسون للناس مسوك (أي جلود) الضأن، وقلوبهم قلوب الذئاب. يقول الله تعالى: فعلي يجترءون، وبي يغترون حلفت بنفسي لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم فيها حيران» قال القرطبي: تدبرتها في القرآن، فإذا هم المنافقون. فوجدتها: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ....
وبهذه الآيات ينتهي القسم الثاني من أقسام سورة البقرة. ونلاحظ تشابها بينها وبين نهاية مقدمة السورة. ونهاية القسم الأول. ونلاحظ أنه ذكر في الفقرة الأخيرة صنفان من الناس، منافق ومؤمن. وفي مقدمة سورة البقرة ذكر: مؤمن، وكافر، ومنافق.
فإذا تذكرنا المجموعة الأخيرة في القسم الثاني: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً: وهي في الكافرين. أدركنا مظهرا من مظاهر التكامل والتناسق في السورة إذ ذكرت هذه الفقرة منافقا ومؤمنا فقط وبانتهاء القسم الثاني نصل إلى القسم الثالث الذي يبدأ بالأمر بالدخول في الإسلام كله، بعد أن وضعت السورة كل الأسس التي يحتاجها بناء الإسلام.
كلمة في القسم الثاني وما سبقه من السورة:
لقد أكمل القسم الثاني معاني القسم الأول، ومعاني مقدمة سورة البقرة فتكاملت المعاني في المقدمة والقسمين لتوصلنا إلى القسم الثالث، ومن مظاهر هذا التكامل أنه بانتهاء القسم الثاني مرت معنا أركان الإسلام الخمسة وهي في العقائد والعبادات، وإذ كانت العبادات لا تقبل بلا أكل الحلال فقد مر معنا شئ عن أكل الحلال، وإذ كانت العقائد والعبادات هي أساس الاستقامة وإذ كان الشيطان بالمرصاد لسالك طريق الاستقامة؛ فقد جاء التعريف بخطوات الشيطان والنهي عنها، وإذ كان يخشى على هذه
الأمة أن تقع فيما وقعت فيه أمم أخرى؛ فقد نبهت على ذلك؛ وإذ كانت هناك أمم ستسعى لإضلال هذه الأمة؛ فقد نبهت هذه الأمة على نماذج من وسائل هؤلاء وأقاويلهم وكل ذلك يأتي سابقا للقسم الثالث الذي يبدأ بالدعوة إلى الدخول في الإسلام كله، وذلك بعد أن ذكرت كل المقدمات اللازمة لهذه الدعوة وقبول تفصيلاتها.
لقد بدأت السورة في تصنيف الناس إلى متقين، وكافرين، ومنافقين، ثم دعت الناس جميعا للسير في طريق العبادة لله ليكونوا من المتقين وسار السياق موضحا، وقاصا، وواعظا، ولافتا النظر، ومناقشا للآخرين، ومؤكدا معاني، وذاكرا نماذج، وداعيا إلى تفصيلات حتى استقر السياق على آية البر التي حددت المواصفات الرئيسية للمتقين، من إيمان، لصلاة، لزكاة، لإنفاق، لصبر، لوفاء عهد.
ثم نادى السياق المؤمنين مرتين: مرة في شأن القصاص، ومرة في شأن الصيام.
وبين أن القصاص طريق للتقوى. وأن الصيام طريق للتقوى، وذكرت الوصية بين النداءين، ثم ذكر الصيام والحج. وهما الركنان الرابع والخامس في الإسلام. وبدونهما لا يكون الإنسان تقيا، ومعهما تتأكد التقوى. وما بين الكلام عن الصيام والحج ذكرت قضايا تصحح مفاهيم عن التقوى. فذكر القتال، والإنفاق في سبيل الله.
وذكر غير ذلك. والصلة بين القتال والإنفاق، وبين الصوم والحج واضحة. فالصوم صبر. قال صلى الله عليه وسلم:«الصوم نصف الصبر» . والقتال يحتاج إلى صبر. والحج بذل جهد ومال. وإنفاق المال في الجهاد من هذا النوع.
ثم بعد الحج ذكر السياق صنفين من الناس ليعلم أن التقي هو من باع نفسه كلها لله، وأن المنافق شأنه غير ذلك.
فالسياق تدرج في تربيتنا حتى نصل إلى مقام بيع النفس في سبيل الله. وقبل ذلك حذرنا أن نكون من نوع آخر، ظاهره مسلم، وباطنه منافق خبيث حتى إذا وصلنا إلى مقام بيع النفس لله فصفت النفس خالصة لله، يبدأ قسم جديد بأمر جديد، بخطاب جديد:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً أي: في الإسلام كله.