الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، ومن تلا الإنجيل حق التلاوة وصل إلى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، ومن تلا القرآن حق التلاوة وصل إلى الإيمان بالقرآن، إن الآية تحتمل ذلك كله، كما تحتمل الطعن في أهل الكتاب في أنهم لا يؤمنون بكتابهم أصلا؛ لأنهم لا يتلونه حق تلاوته وهكذا، فهذه الآية التي تختم الفصل تفهم فهوما عدة، وكل فهم من فهومها يخدم السياق بشكل ما.
وكما بدأ الفصل الأول بقوله تعالى:
يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ* وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ.
فإن الفصل الثاني من هذا المقطع ينتهي بقوله تعالى:
يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ* وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ.
وبذلك ينتهي المقطع الثالث ولكنها نوع نهاية كما سنرى، وهاتان الآيتان فسرناهما من قبل وتأتيان هنا معلنتين انتهاء الخطاب التفصيلي لبني إسرائيل بما بدئ به هذا الخطاب، رابطتين آخر الكلام بأوله، وفيهما تكرار للأمر؛ زيادة في الحث، فلعله ينفع التذكير اللاحق حيث لم ينفع التذكير السابق وقد آن الأوان- وقد انتهى المقطع- أن نتكلم كلمة أخيرة في سياقه، قبل أن نعقد بعض الفصول التي وعدنا بها تفصيلا، لأمور وردت معنا.
كلمة أخيرة في سياق المقطع الثالث:
- رأينا أن المقطع الثالث- مقطع خطاب بني إسرائيل- يتألف من مدخل وفصلين، وأن فاتحة الفصل الأول هي خاتمة الفصل الثاني، ورأينا أن المدخل فيه مجموعة أوامر ونواه، في تطبيقها صلاح حال بني إسرائيل وأمثالهم ممن عقده سير طويل، ثم رأينا أن الفصل الأول كان في أجواء الآية الأولى من المدخل، وأن الفقرتين الأولى والثانية من الفصل الثاني كانت في أجواء الآيات الثلاث اللاحقة على الآية الأولى، ثم جاءت الفقرة الثالثة في الفصل الثاني لتناقش في قضية الآية الأولى من هذه
الآيات الثلاثة، على اعتبار أن ذلك يتوقف عليه كل ما بعده، وبناء على هذا النقاش جاءت الفقرة الرابعة تعطي للأمة الإسلامية دروس التعامل مع أهل الكتاب والكافرين، وترد على مقولاتهم الرئيسية، ومن خلال هذه النظرة السريعة نلاحظ أن المقطع قد انتهى ولم تغط فيه كل الأوامر والنواهي الواردة في المدخل وذلك لأن الحوار لا زال مفتوحا مع أهل الكتاب ومن ثم فإنه في مقاطع لاحقة سيرد معنا ما يغطي أوامر ونواهي المقطع.
وهذا تفصيل ما ذكرنا:
الآية الأولى في المدخل هي قوله تعالى: يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ.
وقد جاء الفصل الأول بفقرتيه يغطي أوامر هذه الآية. ثم جاء قوله تعالى في المدخل:
وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ* وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ* وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ وجاءت الفقرة الأولى والثانية من الفصل الثاني تغطي هذه الأوامر والنواهي.
ثم عادت الفقرة الثالثة في الفصل الثاني إلى الحوار في مضمون قوله تعالى:
وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ. ثم جاءت الفقرة الرابعة في الفصل لتحاور الكافرين في مقولاتهم الرئيسية، وتدل على مواقفهم الظالمة، وتعطي الأمة الإسلامية دروس ذلك، ثم ختم المقطع.
وإذن ففي العودة إلى فتح الحوار في قضية الإيمان لم يتجاوز الحوار الآية الثانية في المدخل. فبقيت من آيات المدخل: وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ
وسنرى أن كتمان الحق سيرد معنا مرة بعد مرة، في مقطع إبراهيم وفي مقطعين لاحقين. وبقي من آيات المدخل بلا تغطية قوله تعالى:
أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ وسنرى أن كلاما عن البر سيأتي. وبقيت من آيات المدخل بلا تغطية قوله تعالى:
وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وسنرى أن هذا الأمر سيتوجه إلينا فيما بعد في السورة. إنه إن قبل الكافرون الإيمان؛ فقد أصبحوا مخاطبين بما يخاطب به المسلمون،
وإن رفضوه فلن يطبقوا ما يترتب عليه، ولذلك فإن السياق سيترك الحوار المباشر مع هؤلاء في الغالب وإنما يذكر كثيرا من المعاني بشكل تقريرات، وبهذا نكون قد عرفنا المقطع الثالث وبعض صلاته ببعضه وبما بعده.
- رأينا أن المقطع الثالث بدأ بمجموعة من الأوامر والنواهي هي العلاج الكامل لليهود وأمثالهم من أجل أن ينصهروا بدين الله ودعوته، فبعد أن جاء النداء لكل الناس أن يسيروا في الطريق الموصل إلى التقوى، خص بنو إسرائيل بنداء خاص ولكن هذا جاء بعد قصة آدم التي انتهت بالقاعدة: فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ.
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ وقلنا من قبل إن مجئ الكلام عن بني إسرائيل بعد قصة آدم هو بمثابة عرض نموذج على أمة أنزل عليها وحي وكيف تصرفت مع هذا الهدى لتأخذ هذه الأمة دروس ذلك، ولإدراك هذا الهدف في الصلة بين قصة آدم وقصة بني إسرائيل نلاحظ أنه خلال المقطع تكرر كثيرا ذكر ما يشبه القاعدة التي ختمت بها قصة آدم، فقد ورد في نهاية الفقرة الأولى من الفصل الأول:
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ* إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. وقد ختمت الفقرة الأولى من الفصل الثاني بقوله تعالى:
بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ* وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.
وقد ورد في الفقرة الرابعة من الفصل الثاني: بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ
فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ثم بعد آيات ورد قوله تعالى وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ أي الكتاب فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ فهذا المقطع إذن يعطينا درسا عمليا في أمة أنزل عليها وحي، وكيف كان موقفها من هذا الوحي.
وبما أن لهذه الأمة استمرارها التاريخي، وهي مخاطبة بالقرآن فمن ثم يندمج العرض للموقف التاريخي مع الموقف الجديد المتجدد، ليرى الانحراف كله قديما وحديثا عن وحي الله، لتأخذ الأمة الإسلامية دروس ذلك ولتواجه هؤلاء المنحرفين بما يناسب.
وعلى هذا فالصلات بين مقطع بني إسرائيل وبين مقطع آدم واضحة المعالم.
- ومن قبل مقطع آدم عليه السلام جاء المقطع الأول في القسم الأول من سورة البقرة وفيه نداء للناس جميعا بالتوحيد والعبادة والإيمان بالقرآن، وضرورة الإيمان والعمل الصالح، وضرورة ترك الفسوق، المتمثل بنقض الميثاق، وقطع ما أمر الله به أن يوصل، وترك الإفساد في الأرض، ومناقشة الكفر، وتبيان أن الأرض كلها للإنسان، وجاء مقطع بني إسرائيل وفيه خطاب بما يحقق ذلك كله، ودروس في ذلك كله وعواقبه.
لقد رأينا في مقطع بني إسرائيل كيف أخلوا بالتوحيد، وبالعبادة، وبالعمل الصالح، وكيف نقضوا الميثاق، وقطعوا ما أمر الله به أن يوصل، وأفسدوا في الأرض، وكفروا، فتعمق من خلال مقطع بني إسرائيل مضمون ما ورد في المقطع الأول سلبا وإيجابا
لاحظ مثلا أنه ورد في المقطع الأول: اعْبُدُوا رَبَّكُمُ وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ.
وفي مقطع بني إسرائيل ورد: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ ..
وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ.
ولو أننا تتبعنا الصلات بين مقطع يا أَيُّهَا النَّاسُ ومقطع بني إسرائيل لاقتضى ذلك منا أن نعيد المقطعين كليهما.