الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك في ليلة القدر-. أو بإنزاله فيه إلى السماء الدنيا، أو بالاثنين معا. هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ: هذا مدح للقرآن الذي أنزله الله هدى لقلوب العباد ممن آمن به، وصدقه، واتبعه، ودلائل وحججا بينة واضحة جلية لمن فهمها وتدبرها، دالة على صحة ما جاء به من الهدى والرشاد، المنافي للضلال، والمخالف للغي، ومفرقا بين الحق والباطل، والحلال والحرام، فالفرقان: هو ما يفرق بين الحق والباطل، والبينات: الواضحات المكشوفات. فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ أي فمن كان شاهدا، أي حاضرا مقيما غير مسافر في الشهر فليصم فيه ولا يفطر.
ونسخت هذه الآية الإباحة المتقدمة لمن كان صحيحا مقيما أن يفطر ويفدي. ولما حتم الصيام. أعاد ذكر الرخصة للمريض وللمسافر في الإفطار بشرط القضاء كما مر. ليعلم أن هذا مما لم ينسخ فقال: وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ:
وجمهور السلف والخلف على أنه لا يجب التتابع في القضاء. بل إن شاء فرق، وإن شاء تابع. لأن التتابع إنما وجب في الشهر لضرورة أدائه في الشهر. يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ: حيث أباح الفطر في السفر والمرض. وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ: أي إنما أمركم بالقضاء لتكملوا عدة شهركم. وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ: أي ولتذكروا الله عند انقضاء عبادتكم معظمين إياه على نعمة هدايتكم إلى صراطه المستقيم في كل شئ، وفي أمر الصوم. وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ: أي إذا قمتم بما أمركم الله من طاعته بأداء فرائضه، وترك محارمه، وحفظ حدوده. فلعلكم أن تكونوا من الشاكرين بذلك.
فوائد:
1 -
قال الحنفية: صوم المسافر أفضل من فطره إذا لم يضره، ولم تكن عامة رفقته مفطرين، ولا مشتركين في النفقة. فإن كانوا مشتركين أو مفطرين ولو أكثرهم فالأفضل فطره، موافقة للجماعة. وقال الشافعي: الصيام في السفر أفضل من الإفطار .. وقالت طائفة: بل الإفطار أفضل أخذا بالرخصة. وقالت طائفة: هما سواء. وقيل إن شق الصيام فالإفطار أفضل. قال ابن كثير: فأما إن رغب عن السنة، ورأى أن الفطر مكروه إليه فهذا يتعين عليه الإفطار ويحرم عليه الصيام والحالة هذه.
2 -
روى الإمام أحمد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: «إن خير دينكم أيسره. إن خير دينكم أيسره» . وفي الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام قال: «يسروا ولا تعسروا
وسكنوا ولا تنفروا». وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ وأبي موسى حين بعثهما إلى اليمن: «بشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا، وتطاوعا
ولا تختلفا». وفي السنن والمسانيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بعثت بالحنيفية السمحة» .
3 -
استدل قوم بقوله تعالى هنا: وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ: على مشروعية التكبير في عيد الفطر. حتى ذهب داود الظاهري إلى وجوبه. وقال الحنفية: يكبر في طريقه إلى المصلى سرا بحيث يسمع نفسه. وعامة العلماء على استحبابه يوم الفطر.
4 -
روى الإمام أحمد عن واثلة بن الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان. وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان. وأنزل الله القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان» . وأخرج ابن مردويه من حديث جابر وفيه: «أن الزبور أنزل لثنتي عشرة خلت من رمضان، والإنجيل لثماني عشرة، والباقي كما تقدم» .
قال ابن كثير: وأما الصحف والتوراة والزبور والإنجيل فنزل كل منها على النبي الذي أنزل عليه جملة واحدة. وأما القرآن فإنما نزل جملة واحدة إلى بيت العزة من السماء الدنيا. وكان ذلك في شهر رمضان في ليلة القدر منه .. ثم نزل بعد مفرقا بحسب الوقائع على رسول الله صلى الله عليه وسلم. هكذا روي من غير وجه عن ابن عباس.
وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ. فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ: قال ابن كثير: وفي ذكره تعالى هذه الآية الباعثة على الدعاء متخللة بين أحكام الصيام، إرشاد إلى الاجتهاد في الدعاء عند إكمال العدة، بل وعند كل فطر كما رواه الإمام أبو داود .. عن عبد الله بن عمر قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «للصائم عند إفطاره دعوة مستجابة» . فكان عبد الله ابن عمر إذا أفطر دعا أهله وولده ودعا. وروى- ابن ماجه في سننه عن عبد الله بن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد» . قال عبيد الله بن أبي مليكة: سمعت عبد الله بن عمر يقول إذا أفطر: «اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شئ أن تغفر لي» وفي مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حين يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة، وتفتح