الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من ماله، فيدفعه إليه ليأخذه منه بعد، ففي استعمال القرض تنبيه على أن ذلك لا يضيع عنده، وأنه يجزيهم عليه لا محالة. ويدخل في هذا القرض، النفقة في الجهاد. لأنه لما أمر بالقتال في سبيل الله- ويحتاج فيه إلى المال- حث على الصدقة لتتهيأ أسباب الجهاد فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً: لا يعلم كنهها إلا الله. وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ أي: يقتر الرزق على عباده، ويوسعه عليهم. فكأنه يقول: فلا تبخلوا عليه، بما وسع عليكم، لا يبدلكم الضيق بالسعة. وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ: فيجازيكم على ما قدمتم.
فوائد:
1 -
بمناسبة هذه الآيات يذكر ابن كثير قول خالد بن الوليد رضي الله عنه وهو في سياق الموت: (لقد شهدت كذا موقفا. وما من عضو من أعضائي إلا وفيه رمية، أو طعنة، أو ضربة. وها أنا ذا أموت على فراشي كما يموت البعير. فلا نامت أعين الجبناء).
2 -
في هرب هؤلاء من الموت، اتجاهان للمفسرين. الاتجاه الأول: أنهم فروا من الجهاد. والاتجاه الثاني: أنهم فروا من الطاعون، فعوقبوا بما منه فروا. ثم من الله عليهم
بالحياة، لتكون عبرة. وبمناسبة القول أنهم فروا من الطاعون يذكر ابن كثير الحديث الصحيح الذي فيه أدب المسلم في حالة انتشار وباء الطاعون وهذه هي رواية الإمام أحمد:«عن عبد الله بن عباس أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام حتى إذا كان (بسرغ) لقيه أمراء الأجناد: أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه. فأخبروه أن الوباء قد وقع بالشام- فذكر الحديث- فجاءه عبد الرحمن بن عوف، وكان متغيبا لبعض حاجته فقال: إن عندي من هذا علما. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا كان بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه. وإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه» . فحمد الله عمر ثم انصرف. وفي رواية: «إن هذا السقم عذب به الأمم قبلكم، فإذا سمعتم به في أرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا» ولعل في هذا النص أول تأسيس لفكرة الحجر الصحي في تاريخ العالم.
3 -
أخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن مسعود قال: لما نزلت: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً قال أبو الدحداح الأنصاري: يا رسول الله: وإن الله عز وجل ليريد منا القرض؟. قال: «نعم يا أبا الدحداح» . قال: أرني يدك يا رسول الله. قال: فناوله يده. قال: فإني قد أقرضت ربي عز وجل حائطي. قال: وحائط له فيه ستمائة نخلة، وأم الدحداح فيه، وعيالها. قال: فجاء أبو الدحداح فناداها: يا أم
الدحداح. قالت: لبيك. قال: اخرجي فقد أقرضته ربي عز وجل.
4 -
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر قال: لما نزلت مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ
…
إلى آخرها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رب زد أمتي» . فنزلت: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً ....
قال: «رب زد أمتي» . فنزلت: إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ.
(سورة الزمر) وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: (والذي نفسي بيده لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله يضاعف الحسنة ألفي ألف حسنة» . وأخرج مثله الإمام أحمد عن أبي هريرة.
5 -
إن مجئ هذه الآيات، والتي بعدها في موضوعها في سياق الأمر بالدخول في الإسلام كله، دليل على أن الإسلام لا يقوم بلا قتال وبذل مال. وكل من يتصور غير ذلك يكون واهما ومخطئا.
6 -
ذكر ابن كثير مجموعة أقوال المفسرين في الألوف الذين خرجوا من ديارهم حذر الموت فأماتهم الله ثم أحياهم، وليس في واحد منها نص يمكن أن يركن إليه بحيث يعتبر تفسيرا قطعيا للآية، ومن جملة ما ذكره أن هذه القصة حدثت في زمن نبي من بني إسرائيل، اسمه حزقيال وبالرجوع إلى الترجمة العربية الحديثة لسفر حزقيال من أسفار العهد القديم نجد في الإصحاح السابع والثلاثين على لسان حزقيال ما يلي:
«وأنزلني في وسط البقعة وهي ملآنة عظاما، وأمرني عليها من حولها، وإذا هي كثيرة جدا على وجه البقعة، وإذ هي يابسة جدا، فقال لي: يا ابن آدم أتحيا هذه العظام؟ فقلت يا سيد الرب أنت تعلم، فقال لي: تنبأ على هذه العظام وقل لها: أيتها العظام اليابسة اسمعي كلمة الرب، هكذا قال الرب لهذه العظام ها أنا ذا أدخل فيكم روحا فتحيون، وأضع عليكم عصبا، وأكسيكم لحما، وأبسط عليكم جلدا، وأجعل فيكم روحا فتحيون، وتعلمون أني أنا الرب. فتنبأت كما أمرت، وبينما أنا أتنبأ كان صوت، وإذا رعش، فتقاربت العظام كل عظم إلى عظمه، ونظرت وإذا بالعصب واللحم كساها، وبسط الجلد عليها من فوق وليس فيها روح، فقال لي: تنبأ للروح تنبأ يا ابن آدم وقل للروح هكذا، قال السيد الرب: هلم يا روح من الرياح الأربعة، وهب على هؤلاء القتلى ليحيوا فتنبأت كما أمرني فدخل فيهم الروح فحيوا وقاموا على أقدامهم، جيش عظيم جدا جدا» يقول صاحب الظلال: «لا أحب أن نذهب في تيه التأويلات عن هؤلاء الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت من هم؟ وفي
أي أرض كانوا وفي أي زمان خرجوا؟ فلو كان الله يريد بيانا عنهم لبين كما يجئ القصص المحدد في القرآن، إنما هذه عبرة وعظة يراد مغزاها
…
إنما يراد هنا تصحيح التصور عن الموت والحياة، وأسبابهما الظاهرة، وحقيقتهما المضمرة
…
يراد أن يقال: إن الحذر من الموت لا يجدي، وإن الفزع والهلع لا يزيدان حياة، ولا يمدان أجلا ولا يردان قضاء
…
».
قضاء
…
».
[سورة البقرة (2): الآيات 246 الى 251]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَاّ تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلَاّ نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَاّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (247) وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248) فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَاّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَاّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (250)
فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (251)