الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك على أن الشرك والكفر ظلم للنفس أي ظلم. إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ يوم القيامة أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ أي: عذابه شديد. فصار المعنى:
لو يعلم هؤلاء الذين ارتكبوا الظلم العظيم بشركهم أن القدرة كلها لله تعالى على كل شئ من الثواب والعقاب دون أندادهم. ويعلمون شدة عقابه للظالمين إذا عاينوا العذاب يوم القيامة- والجواب المقدر- لكان منهم ما لا يدخل تحت الوصف من الندم والحسرة
إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا أي الرؤساء المتبوعون مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا أي الأتباع. وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ أي الوصل التي كانت بينهم من الاتفاق على دين واحد، أو مذهب واحد، أو اتجاه واحد، ومن الأنساب والمحاب
وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً أي قال الأتباع: لو أن لنا عودة ورجعة إلى الدار الدنيا فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا أي: حتى نتبرأ من هؤلاء ومن عبادتهم واتباعهم وطاعتهم كما تبرءوا منا. كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ أي ندامات. والمعنى: أن أعمالهم تنقلب عليهم حسرات. فلا يرون إلا حسرات مكان أعمالهم. وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ بل هم فيها دائمون.
فوائد:
1 -
الصلة المباشرة بين هذه المجموعة والآية التي قبلها مباشرة واضحة، إذ إن الآية تدلل على وحدانية الله من خلال آياته في الكون. فكأن السياق يقول ومع هذا البرهان النير على توحيد الله، فإن من الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله.
فماذا يستحق هؤلاء من عذاب؟. وإذن فمن قوله تعالى: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ ..
إلى نهاية هذا المقطع إنما هو أمر بالتوحيد الخالص المبني على الدليل الذي من آثاره المحبة الخالصة.
فصارت التوجيهات العامة في هذا المقطع السادس:
أن على المسلم أن يستعين بالصبر والصلاة، وألا يقول بموت الشهيد، وأن يسترجع حال المصيبة، وأن يسعى بين الصفا والمروة إذا حج أعتمر، وأن يبين حكم الله فلا يكتمه وألا يكفر، وأن يوحد التوحيد الخالص بالمحبة الخالصة.
وارتباط هذه المعاني بالسياق الكبير واضح. فهذه الأمة لا تتلقى إلا عن الله بواسطة رسوله، ولا تهتدي إلا بهداه في شعائرها وشرائعها. ومما يساعدها على ذلك،
الاستعانة بالصبر والصلاة والاسترجاع. وفي معرض ذلك ذكر من الشعائر السعي.
فهو وضع قديم أقر فأخذ قوة من الإقرار لا من العمل السابق. وإذا أقره الله، أخذ محله في عمل المسلم، والهدى يحتاج إلى توضيح وتبيان، لا إلى كفر وكتمان.
ومرجع كل هذا إلى التوحيد الذي تنبثق عنه الشرائع والشعائر والمشاعر والعواطف.
2 -
لو في اللغة العربية إذا جاءت فيما يشوق إليه أو يخوف منه قلما توصل بجواب، ليذهب القلب في جوابها كل مذهب. وكذلك هي في هذا المقطع: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ الجواب ما ذكرناه أي لكان منهم ما لا يدخل تحت الوصف من الندم والحسرة.
3 -
لو، وإذ: تدخلان على الماضي في الأصل. ولكنهما في المقطع دخلتا على المستقبل لأن إخبار الله تعالى عن المستقبل باعتبار صدقه كالماضي.
4 -
في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: أي الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل لله ندا وهو خلقك» .
5 -
دل قوله تعالى وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ أن من مقتضيات الإيمان الواضحة الكبيرة محبة الله. ومحبة الله تكون أثرا عن الشعور بنعمه. قال عليه السلام:
«أحبوا الله لما يغذوكم من نعمه .. » . ولكن القلب لا يحس بها إلا إذا تحرر من أمراضه. كالحسد والكبر والنفاق. ومن ثم كانت ذروة السير إلى الله، محبة الله.
وطريق ذلك الإقبال على الله بالفرائض والنوافل: «وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه» . فإذا أحبه الله أعطاه بما يشعره بالمحبة: «فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي عليها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن
استعاذني لأعيذنه». وعندئذ يفيض القلب بالمحبة لله بما لا يعرفه إلا أهله.
6 -
دلت الآيات الأخيرة على أن الاتباع في غير طريق الله شرك يعقب ندامة يوم القيامة. فلينظر الإنسان من يتبع؟ وعلى ماذا؟ وبماذا؟ وإلا فإنه سيكون من النادمين.
فإذا قال الله: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً (سورة التوبة) لمن تابعوا رجال دينهم في تحليل الحرام وتحريم الحلال!! فكيف بمن يتبع من لا يعترف بحلال وحرام أصلا؟.