الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن جريج: قلت لعطاء: أين المزدلفة؟. قال: (إذا أفضت من مأزمي عرفة فذلك إلى محسر. قال: وليس المأزمان مأزما عرفة من المزدلفة. ولكن مفضاهما قال:
فقف بينهما إن شئت. قال: وأحب أن تقف دون قزح. هلم إلينا من أجل طريق الناس). وسمي المشعر الحرام: مزدلفة، لأن الناس يزدلفون فيها إلى بيت الله.
ويتقربون إليه بذلك. وسمي جمعا لأن الناس يجمعون فيها بين الصلاتين. صلاة المغرب والعشاء.
المعنى الحرفي للنص:
فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ: أي دفعتم أنفسكم بكثرة من عرفات. فَاذْكُرُوا اللَّهَ أي: بالتلبية، والتهليل، والتكبير، والثناء، والدعوات. أو بصلاة المغرب والعشاء. عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ: عند جبل قزح في المزدلفة. ولا يعني هذا أنه لا يصح الوقوف إلا عند الجبل. بل المزدلفة كلها موقف إلا بطن محسر. ولكن خير الموقف ما كان عند قزح. والدفع من عرفات إنما يكون بعد الغروب. والوقوف الواجب في مزدلفة عند الحنفية بعد الفجر. والدفع من مزدلفة إلى منى قبل شروق الشمس. هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فوائد:
1 -
ذكر حتى الآن في هذه الآية من مناسك الحج: الإحرام، والوقوف بعرفات، والوقوف بالمزدلفة. والإحرام الركن عند الحنفية هو نية الحج والتلبية. أما لبس غير المخيط، وكونه من الميقات، فواجبان. والوقوف- الركن- بعرفات عند الحنفية، الكون في عرفات ولو لحظة ما بين الزوال والفجر نائما، أو مستيقظا ولو مارا إذا كان ناويا الحج. وأن يكون جزء منه بالليل، وجزء منه في النهار؛ فهذا واجب.
ويجب عندهم تأخير المغرب إلى العشاء، وصلاتهما في المزدلفة. والوقوف في مزدلفة عندهم واجب. والوقوف الواجب: هو الكون في المزدلفة بعد الفجر، وقبل الشمس، ولو لحظة واحدة.
2 -
روى الحاكم في مستدركه، وابن مردويه عن المسور بن مخرمة قال: «خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفات فحمد الله، وأثنى عليه ثم قال: أما بعد- وكان إذا خطب خطبة قال أما بعد- فإن هذا اليوم الحج الأكبر. ألا وإن أهل الشرك والأوثان
كانوا يدفعون في هذا اليوم قبل أن تغيب الشمس إذا كانت الشمس في رءوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوهها، وإنا ندفع بعد أن تغيب الشمس. وكانوا يدفعون من المشعر الحرام بعد أن تطلع الشمس إذا كانت الشمس في رءوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوهها. وإنا ندفع قبل أن تطلع الشمس مخالفا هدينا هدي أهل الشرك».
هذا لفظ ابن مردويه.
وفي صحيح مسلم عن جابر في وصف حجته صلى الله عليه وسلم: «فلم يزل واقفا- يعني بعرفة- حتى غربت الشمس. وبدت الصفرة قليلا حتى غاب القرص. وأردف أسامة خلفه، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أرخى للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله ويقول بيده اليمنى: «أيها الناس: السكينة، السكينة» كلما
أتى جبلا من الجبال أرخى لها قليلا حتى تصعد. حتى أتى مزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين. ولم يسبح بينهما شيئا (أي لم يتنفل). ثم اضطجع حتى طلع الفجر. فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة. فدعا الله، وكبره، وهلله، ووحده. فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا. فدفع قبل أن تطلع الشمس».
هذان الحديثان يفسران لنا النص الذي بين أيدينا. الدفع من عرفات، وذكر الله عند المشعر الحرام على الكمال والتمام.
وبمناسبة الكلام عن الحج نحب أن نتحدث عن ضرورة الفقه، فنحن نلاحظ في هذه السورة حديثا عن الحج. ولكن ليس حديثا عن كل ما له علاقة به. بل هناك حديث عنه في (سورة آل عمران) وحديث عما له علاقة به في (سورة المائدة)، وكلام في (سورة براءة)، وكلام في (سورة الحج)،. فالكلام عن الحج متفرق في القرآن. ومنه ما له علاقة في الأحكام، ومنه ما له علاقة بنواح أخرى من العظة والتذكير. والكلام في كتب السنة عن الحج متفرق فيها. وهو يشمل الأحكام وغيرها. وفي كتب السنة لا تذكر الآيات القرآنية المتعلقة بالموضوع مع شرحها.
فاقتضى ذلك وجود الكتب التي تتحدث عن الأحكام المتعلقة بالحج، المأخوذة من الكتاب، ومن السنة عامة جامعة الشئ إلى نظيره، ضمن تبويب، وتأليف. وهذا هو الفقه. وهذا هو سبب وجوده، وسبب وجود كتبه. وسيختلف حتما الفقهاء في الفهم لكتاب الله، أو لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. لأنه توجد نصوص يختلف الناس في بعض تفسيراتها، أو في بعض تطبيقاتها. ويختلفون في بعض طرق الاعتماد للسنة؛ لأسباب