الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي تفسير قوله تعالى الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ قال ابن جرير:
«العرب قد تسمي اليقين ظنا والشك ظنا، والشواهد من أشعار العرب وكلامها على أن الظن في معنى اليقين أكثر من أن تحصر» وقد استشهد على ذلك ببعض الأبيات
ليخلص إلى أن الظن في الآية معناه اليقين.
وقال مجاهد: «كل ظن في القرآن يقين» . وقال: «كل ظن في القرآن فهو علم» . ونحن مطالبون بأنواع من الصبر: الصبر على الطاعات والصبر عن المعاصي والصبر على الابتلاءات. وقد عرف سعيد بن جبير الصبر على المصيبة فقال: «الصبر اعتراف العبد لله بما أصيب به فيه واحتسابه عند الله ورجاء ثوابه، وقد يجزع الرجل وهو يتجلد لا يرى منه إلا الصبر» .
والصلاة الكاملة: هي التي يراعي العبد فيها ما يجب فيها من إخلاص القلب ودفع الوساوس الشيطانية والهواجس النفسانية، ومراعاة الآداب والخشوع واستحضار العلم بأنه انتصاب بين يدي جبار السموات والأرض.
أخرج الإمام أحمد عن حذيفة بن اليمان قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى وفي رواية لغير أحمد: إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة. وقال حذيفة: رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب وهو مشتمل في شملة يصلي وكان إذا حزبه أمر صلى» . وقال علي رضي الله عنه: «لقد رأيتنا ليلة بدر وما فينا إلا نائم غير رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ويدعو حتى أصبح» . وروى ابن جرير: أن ابن عباس نعي إليه أخوه قثم وهو في سفر، فاسترجع ثم تنحى عن الطريق فأناخ فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس، ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ.
كلمة في هذه الآيات وسياقها:
- في هذا المدخل للمقطع الثالث: خمسة عشر أمرا ونهيا، أو ما له حكم الأمر أو النهي وهي بمجموعها العلاج الكامل للنفسية الكتابية حتى يصلح أمرها على مقتضى دين الله في صيغته النهائية والخاتمة؛ الإسلام المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، فالكتابي لا ينصهر بهذا الدين إلا إذا لاحظ مجموع هذا وبقدر انصهاره بمجموع هذه الأوامر، فإنه يكون أكثر صدقا.
- يلاحظ أن هذه الأوامر والنواهي جاءت في سياق الخطاب لبني إسرائيل، ثم يلاحظ أن بقية المقطع كانت إما في تعليل صدور هذه الأوامر والنواهي، أو في دروس تعطى لهذه الأمة من خلال ذلك بما يعمق ضرورة الالتزام بهذه المعاني جميعا، ثم يلاحظ من خلال دراسة سورة البقرة، أن هذه الأوامر والنواهي أحد اثنين إما شئ قد طولبنا به من قبل، أو شئ سنطالب به فيما بعد:
فمثلا في مقدمة سورة البقرة والمقطعين بعدها عرفنا قضية الإيمان والصلاة والزكاة وعدم نقض الميثاق، ووصل ما أمر الله به أن يوصل. وعدم الإفساد في الأرض وألا نبيع دين الله بشيء من الدنيا، وكل ذلك قد جاء بصيغة الأمر والنهي لبني إسرائيل هنا.
وسنرى فيما يأتي في السورة أمرا لنا بالاستعانة بالصبر والصلاة، وتحذيرا لنا من كتمان شئ مما أنزل الله، وتعريفا لنا على البر، وكان ذلك مما صدرت فيه الأوامر والنواهي لبني إسرائيل، ومن ثم ندرك أن هذا المقطع الذي يتوجه فيه الخطاب لبني إسرائيل هو بمثابة التهييج لنا على تنفيذ ما سبق، وبمثابة التأسيس لما سنطالب به فيما يأتي من السورة.
- كنا قلنا من قبل: إن المقطع الثالث يتألف: من مدخل وفصلين. المدخل وقد رأيناه، والفصل الأول ينتهي في الآية (74). وهو يتألف من فقرتين الفقرة الأولى: لها صلة بقوله تعالى يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ. والفقرة الثانية: لها صلة بقوله تعالى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ.
والفصل الثاني له صلة بقوله تعالى: وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ* وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ.
وهكذا نجد أن الفصلين اللاحقين للمدخل في هذا المقطع، إنما هما بمثابة تعليل لهذه الأوامر والنواهي التي صدرت لبني إسرائيل مع إعطاء الدروس للأمة الإسلامية خلال ذلك لتعرف أن لها الإمامة بحق، وأن عليها ألا تقع في خطأ السير في طريق المغضوب عليهم والضالين. ولعل القارئ بهذا وبما مر أدرك الصلة بين هذا المقطع وما قبله وما بعده، ولا زال في هذا الموضوع كلام فلننتقل إلى الفقرة الأولى من الفصل الأول من هذا المقطع.