الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جالوت وجنده بقضاء الله ونصره. فغلبوهم وقهروهم. وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ أي: آتى الله داود الملك في مشارق الأرض المقدسة، ومغاربها حتى إنه لم تجتمع بنو إسرائيل على ملك كما اجتمعت على داود. وآتاه مع الملك، الحكمة. أي: النبوة. وعلمه زيادة على ذلك ما شاء الله أن يخصه به من العلوم، من مثل صنعة الدروع، وغير ذلك. وفي ذكر ما أكرم الله به داود بعد ذكر قتله لجالوت، إشارة إلى أن البلاء في الجهاد يستحق به صاحبه الخير الكثير عند
الله. وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ أي: ولولا أن الله تعالى يدفع بعض الناس ببعض، فيدفع الكافرين بالمؤمنين، وينصر المؤمنين على الكافرين، فكيف بذلك فسادهم، لغلب المفسدون، وفسدت الأرض بغلبة الكفار، وقتل الأبرار، وتخريب البلاد، وتعذيب العباد. وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ أي: ذو من عليهم، ورحمة بهم. يدفع عنهم ببعضهم بعضا فساد العالم. وله الحكم والحكمة والحجة على خلقه، في جميع أفعاله وأقواله. وإن فضله كما هو كائن على البشر بذلك. فإن فضله عام على عوالمه كلها، وخلقه جميعا.
فوائد:
1 -
دلت الآيات على أنه لا يحمي حمى الإسلام والمسلمين إلا جهاد وقتال. وأن الجهاد والقتال يحتاجان إلى إمرة، وطاعة، وانضباط، وإيمان، وافتقار إلى الله. كما دلت الآيات على أن الهجوم هو الطريق للنصر.
2 -
مجئ هذه المجموعة في سياق الأمر بالدخول في الإسلام كله، وانتهاء المجموعة بقاعدة وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ يدل على أن الإسلام كله لا يقوم إلا بقتال، وإن طريق الإسلام والمسلمين دائما هو هذا الذي قصه الله علينا في قصة طالوت: إمرة، وجهاد. والإمرة التى لا تجاهد، لا تحقق ما ينبغي منها. وإن الإمرة تختار على أساس الخصائص المناسبة للوضع القائم لا على أساس آخر.
3 -
لا تنطبق هذه الآيات على واقعة، كما تنطبق على مسلمي فلسطين. فقد أخرجوا من ديارهم، وأموالهم. وإن طريقهم لهذا: إمرة، وجهاد. أمير مؤمن، وصف مؤمن.
وغير ذلك ليس طريقا.
فصل في بعض الروايات الكتابية لقصة طالوت وجالوت:
ذكرنا في كتابنا (من أجل خطوة إلى الأمام) مجموعة ملاحظات حول نصوص أسفار العهد القديم، والجديد تنفي الثقة بثبوت ما في هذه الأسفار، سواء في ذلك الملاحظات العلمية، أو الملاحظات في الدلالة على أن هذه النصوص كتبت بعد آجال طويلة بلا سند معروف متصل إلى غير ذلك، وهذا وأمثاله يبين لنا أنه قد حدث التحريف والتبديل بسبب الغفلة والنسيان، فضلا عن التحريف والتبديل المتعمدين في هذه الأسفار، ولذلك فالنقل عنهما ليس لإثبات حجة بل إما لنقض الخطأ أو للاستئناس. ومن الأخطاء التي وقع فيها نساخ هذه الأسفار أن حادثة امتحان طالوت لجنده أثناء عبور النهر تنسب في هذه الأسفار إلى جدعون ولا يروونها عن طالوت فإما أن الحادثة تكررت وإما أن هناك خطا في النسبة:
في سفر القضاء «وقال الرب لجدعون كل من يلغ بلسانه من الماء كما يلغ الكلب فأوقفه وحده، وكذا كل من جثا على ركبتيه للشرب. وكان عدد الذين ولغوا بيدهم إلى فمهم ثلاثمائة رجل، وأما باقي الشعب جميعا فجثوا على ركبهم لشرب الماء، فقال الرب لجدعون: بالثلاث مائة الرجل الذين ولغوا أخلصكم .... وأمسك الثلاث مائة رجل» إن هذه الحادثة إما أنها تكررت في حياة بني إسرائيل مرة في زمن جدعون ومرة في زمن طالوت، أو أن النساخ غلطوا لتقادم العهد بين الحوادث والنسخ.
إن قصة طالوت وجالوت مذكورة في سفري صموئيل الأول والثاني من أسفار العهد القديم، ولا نطمع أن نجد في السفرين كثيرا من الصواب، ولكن فيهما من الصواب ما دلنا عليه القرآن، وفيهما من الخطأ ما دلنا عليه القرآن، وفيهما ما سوى ذلك مما يسعنا السكوت عنه. ومما في هذين السفرين:
«وكان تابوت الله في بلاد الفلسطينيين سبعة أشهر» .
«وكان من يوم جلوس التابوت في قرية يعاريم أن المدة طالت وكانت عشرين سنة» .
«فاجتمع كل شيوخ إسرائيل وجاءوا إلى صموئيل إلى الرامة وقالوا له:
..... اجعل لنا ملكا يقضي لنا كسائر الشعوب».
«فوقف بين الشعب فكان أطول من كل الشعب من كتفه فما فوق، فقال صموئيل
لجميع الشعب: أرأيتم الذي اختاره الرب إنه ليس مثله في جميع الشعب».
«وأما بنو بليعال فقالوا كيف يخلصنا هذا فاحتقروه ولم يقدموا له هدية» .
«فقال شاؤل لأخيا قدم تابوت الله كان في ذلك اليوم مع بني إسرائيل» .
وجمع الفلسطينيون جيوشهم للحرب
…
واجتمع شاؤل ورجال إسرائيل ونزلوا في وادي البطم واصطفوا للحرب للقاء الفلسطينيين».
«فخرج رجل مبارز من جيوش الفلسطينيين اسمه جليات من جت، طوله ستة أذرع وشبر، وعلى رأسه خوذة من نحاس، وكان لابسا درعا حرشفيا، ووزن الدرع خمسة آلاف مثاقل نحاس، وجرموقا نحاس على رجليه، ومزارق نحاس بين كتفيه، وقناة رمحه كنول النساجين وسنان رمحه ستمائة مثاقل
…
فوقف ونادى
…
اختاروا لأنفسكم رجلا ولينزل إلي
…
وكان الفلسطيني يتقدم ويقف صباحا ومساء أربعين يوما».
«فقال داود لشاؤل لا يسقط قلب أحد بسببه عبدك يذهب ويحارب هذا الفلسطيني، فقال شاؤل لداود لا تستطيع أن تذهب إلى هذا الفلسطيني لتحاربه لأنك غلام
…
».
ومد داود يده إلى الكف وأخذ منه حجرا ورماه بالمقلاع وضرب الفلسطيني في جبهته فارتز الحجر في جبهته وسقط على وجهه إلى الأرض، فتمكن داود من الفلسطيني بالمقلاع والحجر وضرب الفلسطيني وقتله ولم يكن سيف بيد داود، فركض داود ووقف على الفلسطيني وأخذ سيفه واخترطه من غمده، وقتله وقطع به رأسه فلما رأى الفلسطينيون أن جبارهم قد مات هربوا».
أقول: يرى القارئ في سفري صموئيل من المبالغات، والأخطاء، وما يتنافى مع العقل أو العلم. إن اليهود أمة لم تحفظ إرث أنبيائها، ولعل من أهم العبر التي نأخذها من قصة طالوت وداود هنا: أن القيادة في الأزمات ينبغي أن تكون بحسب الخصائص التي تناسب المرحلة ولنعد إلى سياق المقطع: