الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبعد هذه الجولة عن المعاني العامة والكلية في سورة الفاتحة نقول مختصرين:
اشتملت هذه السورة الكريمة وهي سبع آيات على حمد الله تعالى وتمجيده والثناء عليه بذكر أسمائه الحسنى المستلزمة لصفاته العليا، وعلى ذكر المعاد وهو يوم الدين، وعلى إرشاد عبيده إلى سؤاله والتضرع إليه والتبري من حولهم وقوتهم، وإلى إخلاص العبادة له وتوحيده بالألوهية وتنزيهه من أن يكون له شريك أو نظير أو مماثل، وإلى سؤالهم إياه الهداية إلى الصراط المستقيم، وهو الدين القويم، وتثبيتهم عليه حتى يفضي بهم ذلك إلى جواز الصراط المفضي بهم يوم القيامة إلى جنات النعيم في جوار النبيين والصديقين والشهداء والصالحين الذين كانوا محل القدوة، فاشتملت السورة على الترغيب في الأعمال الصالحة ليكون الإنسان مع أهلها يوم القيامة، والتحذير من مسالك الباطل لئلا يحشر الإنسان مع سالكيها يوم القيامة.
5 - المعنى الحرفي
بِسْمِ اللَّهِ تعلقت الباء بمحذوف تقديره: أقرأ أو أتلو لأن الذي يلي التسمية مقروء «وكذلك يضمر كل فاعل ما يجعل التسمية مبدءا له» وإنما قدرنا الفعل متأخرا لأن ذلك أقوى لدلالته على الاختصاص والمعنى: متبركا باسم الله أقرأ ففيه تعليم الله عباده كيف يتبركون باسمه وكيف يعظمونه و (الله) هو الإله ولكن كلمة الإله تطلق على كل معبود بحق أو بباطل ثم غلب على المعبود بحق، وأما اسم (الله) فمختص بالمعبود الحق لم يطلق على غيره وهو اسم غير صفة لأنك تصفه ولا تصف به فصفاته تعالى لا بد لها من موصوف تجري عليه وهو اسم الله جل جلاله.
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ صفتان واسمان يعبران عن رحمة الله تعالى التي مظهرها إنعامه على عباده فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ (سورة الروم) وفي الرحمن من المبالغة ما ليس في الرحيم لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، ولذلك لا يسمى ولا يوصف بالرحمن غير الله ويسمى ويوصف بالرحيم غيره، ومن ثم ذهب بعضهم إلى أن الرحمة في اسم الرحمن تشمل الكافر والمؤمن، والرحمة في اسم الرحيم تخص المؤمنين
الْحَمْدُ لِلَّهِ الحمد هو الوصف بالجميل على جهة التفضيل وهو أحد شعب الشكر لأن الشكر يكون بالقلب واللسان والجوارح وإنما يكون باللسان الحمد ونقيض الحمد الذم ونقيض الشكر الكفران، وإنما يستحق الحمد إما بكمال الذات والصفات والأفعال أو بكثرة الإنعام، والله عز وجل لا أكمل من ذاته وصفاته وأسمائه، ولا إنعام إلا منه مباشرة أو بالواسطة فله في الحقيقة الحمد كله.
رَبِّ الْعالَمِينَ الرب هو المالك ومنه قول صفوان بن أمية: «لأن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن» ولا يطلق إلا على الله وحده وهو في العبيد مع التقييد إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ (سورة يوسف) قال الواسطي في تفسير كلمة الرب: (هو الخالق ابتداء والمربي غذاء والغافر انتهاء وهو اسم الله الأعظم) والعالم هو كل ما سوى الله تعالى لأنه علم على وجود ربنا تعالى، إذ يعرف الخالق بما خلق.
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مر الكلام عليهما.
مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ يوم الدين هو يوم الجزاء ولذلك قالوا: كما تدين تدان أي كما تفعل تجازى، والله تعالى مالك الأمر كله في يوم الدين وغيره، وإنما كان التخصيص بيوم الدين لأن الأمر فيه لله وحده لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ.
هذه الأوصاف التي أجريت على الله سبحانه وتعالى من كونه ربا للعالمين ومنعما بالنعم كلها ومالكا للأمر كله يوم الثواب والعقاب بعد الدلالة على اختصاص الحمد به في قوله: الحمد لله دليل على أن من كانت هذه صفاته لم يكن أحد أحق منه بالحمد والثناء عليه.
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ العبادة هي أقصى غاية الخضوع والتذلل، والاستعانة هي طلب المعونة، وتقديم إِيَّاكَ على نَعْبُدُ ونَسْتَعِينُ لقصد الاختصاص فيكون المعنى: نخصك بالعبادة ونخصك بطلب المعونة.
اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ أي ثبتنا على المنهاج الواضح أو اهدنا في الاستقبال كما هديتنا في الحال، والصراط هو الطريق والمراد: طريق الحق وهو ملة الإسلام، والمستقيم هو الذي لا عوج فيه.
صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ أي صراط المسلمين، وفائدة تكرار كلمة الصراط مع هذه الزيادة التأكيد والإشعار بأن الصراط المستقيم هو صراط المسلمين ليكون ذلك شهادة لصراط المسلمين بالاستقامة على أبلغ وجه وآكده؛ والذين أنعم الله عليهم هم مجموع من ذكرهم الله بقوله: فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (سورة النساء) وإذن فهم المؤمنون الكاملون غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ يعني: أن المنعم