الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحق المتمثل بكتاب الله وهدي الرسل. مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ: من بعد ما قامت الحجج عليهم على صدقه. بَغْياً بَيْنَهُمْ: هذا سبب خلافهم: حسدا بينهم، وظلما لحرصهم على الدنيا، وقلة إنصاف منهم. فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ أي: فهدى الله الذين آمنوا للحق الذي اختلف فيه من اختلف بإذنه وقال ابن جرير: (أي بعلمه بهم، وبما هداهم له). وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ: من خلقه. إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ: لا عوج فيه ظاهرا وباطنا، عقائد وعبادات، ومناهج حياة، شعائر وشرائع ومشاعر.
فوائد
1 -
قال أبو العالية: (في هذه الآية: المخرج من الشبهات، والضلالات، والفتن). وذلك أن هذه الآية بينت أن سبب الاختلاف هو الحسد. فمن أراد الحق فعليه أن يتحرر من الحسد. ومن أراد الحق، فليحقق الإيمان في نفسه. فإن الله- عز وجل يهدي أهل الإيمان إلى الحق في قضايا الاختلاف، رحمة بهم.
2 -
بمناسبة هذه الآية يروي عبد الرزاق حديثا يرويه أبو هريرة تفسيرا لقوله تعالى: فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ: قال عليه الصلاة والسلام: «نحن الآخرون الأولون يوم القيامة. نحن أول الناس دخولا الجنة. بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا. وأوتيناه من بعدهم. فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه.
فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه. فهدانا الله له. فالناس لنا فيه تبع. فغدا لليهود، وبعد غد للنصارى». يفهم من الحديث أنه ما من قضية اختلف فيها الناس من أمر الدين، إلا وفي كتابنا بيان الحق فيها.
3 -
في صحيح البخاري ومسلم عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يصلي يقول: «اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون. اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك. إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم» . وفي الدعاء المأثور:
4 -
قال تعالى في الآية: وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ. يقول المفسرون:
«المقصود هنا جنس الكتاب» . فهل يفهم من ذلك أن كل رسول أنزل معه ما يمكن أن يسمى كتابا، إما حقيقة وإما مجازا؟. فإذا كان الأمر كذلك، وعلمنا أنه ما من أمة، إلا وأرسل لها رسول، كما نص القرآن. عرفنا سر وجود كتب فيها معان إسلامية عند أمم كالفرس، والهنود، وغيرهم. غير التوراة، والإنجيل، والزبور. ولكنها خولطت، وغيرت، وبدلت، كما حدث للتوراة، والإنجيل، والزبور.
5 -
الصلة ما بين هذه الآية وما قبلها واضح. فالمقطع دعوة إلى الدخول في الإسلام كله. وعدم اتباع خطوات الشيطان. وهذه الآية تزيد هذا المعنى وضوحا. إذ الدخول في الإسلام كله هو الوضع الصحيح للبشرية والدخول في الإسلام كله، اتباع للكتاب كله، وتحكيم له في كل شئ، والدخول في الإسلام كله يقتضي أن تكون صورة الإسلام المبينة في الكتاب واضحة، وترك اتباع خطوات الشيطان يقتضي عدم الاختلاف في الكتاب. ويقتضي ترك الحسد والبغي، والدخول في الإسلام كله يحتاج إلى هداية خاصة من الله. وهذه يعطيها الله لأهل الإيمان. فلنؤمن. فالارتباط بين هذه الآية، وما قبلها على غاية الوضوح. وتأتي الآن آيتان فيهما تصحيح مفهوم، وإجابة على سؤال. وهما بمثابة التمهيد لفرضية القتال.
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ* يَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ. وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ. ارتباط الآيتين بما قبلهما واضح. وذلك أن الدخول في الإسلام كله يقتضي صراعا. ويستتبع تضحيات، ومواقف. ويقابل من أعداء الله بمجابهة، ويترتب على ذلك ما يترتب.
وإذا كان كثيرون من الناس قد يتوهمون أن حمل دين الله يقتضي أن يعيش الإنسان في منتهى الراحة، والدعة، والأمن. فإن الآية الأولى جاءت لتصحيح هذا المفهوم.
ثم تأتي الآية التالية لتبين جانبا من دين الله كرد على سؤال له علاقة في الإنفاق.
وارتباط هذا بما بعده واضح، فالارتباط بين الصبر والتحمل، والرغبة بالنصر والإنفاق، وبين القتال، الذي هو موضوع المجموعة التالية لا يحتاج إلى مزيد تأمل.
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ