الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الثاني من أقسام سورة البقرة
ويمتد من الآية (168 - 207)
بسم الله الرحمن الرحيم
القسم الثاني من أقسام سورة البقرة ويمتد من الآية (168 - 207)
كلمة في هذا القسم:
يبدأ هذا القسم بالآية (168).
يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً
وينتهي بنهاية الآية (207):
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ.
وكما أن القسم الأول في سورة البقرة بدئ بقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ
…
فإن هذا القسم بدئ بالنداء نفسه: يا أَيُّهَا النَّاسُ. وهما النداءان الوحيدان اللذان وردا بهذه الصيغة في سورة البقرة.
وكما أن القسم الأول سبق بفقرة مبدوءة بقوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ.
فهذا القسم مسبوق بمجموعة مبدوءة بقوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ.
وكما ختمت مقدمة سورة البقرة بفقرة: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ
…
وختم القسم الأول بقوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً ..
فإن هذا القسم يختم بمجموعة تتحدث عن صنفين من الناس: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ ....
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ.
ولقد رأينا أن القسم الأول في مقاطعه قد عرض لمعان. وهاهنا نلاحظ أن تلك المقاطع قد وطأت للمعاني التي سترد معنا في القسم الثاني. حتى لنكاد نرى توطئة على تسلسل معين لمعان على نفس التسلسل نجدها في القسم الثاني:
فمثلا نجد المقطع الأول في القسم الأول يختم بقوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً .... ويأتي بعده مقطع آدم. وفيه كلام عن طريق الشيطان. ويبدأ القسم الثاني بقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ. وفي مقطع بني إسرائيل كلام عن كتمان ما أنزل الله، وعن البر.
ويأتي في المقطع الأول من القسم الثاني كلام عن الكتمان والبر. وفي مقطع بني إسرائيل كلام عن قتل ظالم. ويأتي في القسم الثاني بعد آية البر كلام عن القصاص. وفي مقطع بني إسرائيل أشياء أخرى سنرى صلتها بأشياء في القسم الثاني. ثم في القسم الأول مقطع إبراهيم، وفيه كلام عن المناسك. وفي أواخر القسم الثاني كلام عن الحج والعمرة. وفي موضوع توطئة القسم الأول لمعاني القسم الثاني سنجد تفصيلات أثناء عرضه. ونكتفي هنا بهذه الإشارة.
ولقد دلنا القسم الأول على الطريق إلى التقوى:
يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ .. لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.
وسنرى أن القسم الثاني يكمل الدلالة على التقوى، ويفصل فيما يدخل فيها. ويبين لنا تفصيلات في طريق إقامتها والوصول إليها:
وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ .... لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ .... لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.
كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ.
وجاءت في هذا القسم آية البر، وفيها تعريف مفصل للمتقين. ولذلك ختمت بقوله تعالى: وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ. ثم جاء بعدها آيات القصاص كطريق مساعد لإقامة التقوى في المجتمع. ثم جاءت آيات الوصية لتدل على حق على المتقين. ولذلك ختمت بقوله تعالى: حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ. ثم جاءت آيات الصيام لتدل على طريقين للتقوى. ثم تأتي آية فيها المنع عن الرشوة، وذلك من التقوى. ثم تأتي آية السؤال عن الأهلة، ودخول البيوت من غير أبوابها؛ وفيها: وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى .. وَاتَّقُوا اللَّهَ
…
ثم آيات في القتال والإنفاق وفيها: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ثم تأتي آيات في الحج والعمرة وفيها: وَاتَّقُوا اللَّهَ. وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ. وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللَّهَ.
ثم تأتي مجموعة الختام وفيها: وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ.
إن القسم الثاني يكمل القسم الأول. ويكمل مقدمة سورة البقرة في الدلالة على التقوى أركانا وطريقا واستقامة. ومن خلال القسم الأول والثاني، نعرف محل أركان الإسلام الخمسة في قضية التقوى. فالملاحظ أن مقدمة سورة البقرة ذكرت من أركان الإسلام: الإيمان والصلاة والإنفاق. أي الشهادتين والصلاة والزكاة. وذكر القسم الثاني من أركان الإسلام:
الصوم والحج. وكان الحج آخر ما ذكر في القسم الثاني من الأركان وبعد ذلك يأتي القسم الثالث الذي يأمر بالدخول في الإسلام كله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً أي في الإسلام جميعا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ.
وفي ذلك كله مظهر من مظاهر وحدة السورة وتكامل معانيها، وارتباط بعضها ببعض. ومظاهر الإعجاز في ذلك لا تخفى.
والملاحظ أن بداية القسم الأول كان فيها أمر ونهي:
اعْبُدُوا رَبَّكُمُ .. فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً.
وأن بداية القسم الثاني فيها أمر ونهي:
كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ.
ومن ورود كلمة: يا أَيُّهَا النَّاسُ* مرتين فقط في سورة البقرة: ندرك أن الإسلام يخاطب الناس كل الناس بأوليات محددة. حتى إذا استجابوا خوطبوا بتفصيلات أخرى.
من هذه الأوليات: العبادة، والتوحيد، وأكل الحلال، وعدم اتباع خطوات الشيطان وهذا