الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ؟ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ.
المعنى العام:
ينكر الله عز وجل على المؤمنين أن يتصوروا أن دخول الجنة يكون دون ابتلاء، أو اختبار، أو احتمال. ويبين جل جلاله أن الابتلاء هو سنة الله في الذين قبلنا من الأمم.
وابتلاء الله إنما يكون بالأمراض، والأسقام، والآلام والمصائب، والخوف من الأعداء، والفتنة عن الدين. وبين الله عز وجل أن من سنة الله أن يستمر هذا الابتلاء حتى يصل الضيق والشدة إلى منتهاه. ويكاد يفرغ صبر أهل الإيمان ويتساءلون: متى يكون النصر. عندئذ ينزل الله نصره، ويبعث فرجه.
المعنى الحرفي:
أَمْ حَسِبْتُمْ: أم هنا بمعنى: بل. والتقدير: (بل حسبتم). والهمزة فيها للتقرير، وإنكار الحسبان، واستبعاده. والحسبان: الظن. بدأت الآية بإنكار مثل هذا التصور. أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ: أي أن تستأهلوا دخول الجنة. وَلَمَّا يَأْتِكُمْ:
أي ولم يأتكم. وفي (لما) هنا معنى التوقع يعني أن إتيان ذلك متوقع منتظر. مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ: أي حال الذين مضوا من قبلكم من النبيين والمؤمنين.
والتي هي مثل في الشدة. مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا: هذا بيان للمثل.
وهو استئناف. كأن قائلا قال: كيف ذلك المثل؟. فقيل: مستهم .. والبأساء:
الفقر. والضراء: السقم. ومعنى زلزلوا: حركوا بأنواع البلايا، وأزعجوا إزعاجا شبيها بالزلزلة؛ بالفزع والخوف. حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ؟: أي بلغ بهم الضجر إلى الغاية التي قالوا بها: مَتى نَصْرُ اللَّهِ؟. لم يبق لهم صبر حتى قالوا ذلك. ومعناه: طلب النصر، وتمنيه، واستطالة زمان الشدة.
والجواب: أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ.
فوائد:
1 -
في الحديث الصحيح عن خباب بن الأرت قال: «قلنا يا رسول الله: ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله لنا. فقال: إن من كان قبلكم كان أحدهم يوضع المنشار على مفرق رأسه فيخلص إلى قدميه لا يصرفه ذلك عن دينه. ويمشط بأمشاط الحديد ما بين
عظمه ولحمه، لا يصرفه ذلك عن دينه». ثم قال:«والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه. ولكنكم قوم تستعجلون» .
2 -
في حديث أبي رزين: «عجب ربك من قنوط عباده وقرب غيثه. فينظر إليهم قانطين، فيظل يضحك. يعلم أن فرجهم قريب» .
3 -
عندنا صورة تاريخية كاملة عن سنة الله هذه، من خلال سيرة رسولنا صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وقد قص علينا القرآن الكثير عمن قبلنا. ولكن تبقى سيرة
رسولنا صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم هي النموذج العملي، الكامل التفاصيل على هذه السنة.
ففي سورة الأحزاب وصف الله حالهم يوم الأحزاب: وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً.
وفي سورة الحشر، وصف الله المهاجرين فقال: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ ....
4 -
مما سأل عنه هرقل أبا سفيان من أمر رسولنا صلى الله عليه وسلم هذا السؤال قال: هل قاتلتموه؟. قال: نعم. قال: فكيف كانت الحرب بينكم؟. قال: سجالا. يدال علينا، وندال عليه. قال: كذلك الرسل تبتلى ثم تكون لها العاقبة. يَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ؟ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ. وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ.
يلاحظ أنه في هذا المقطع قد ذكر القرآن ستة أسئلة وجهت لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وذكر السياق جوابها، وهذا أولها. ومجئ الأسئلة ضمن هذا السياق غير مستغرب، فما دامت بداية السياق لها علاقة في الدخول بكل شرائع الإسلام، وعدم اتباع خطوات الشيطان فشئ عادي أن يأتي في السياق أسئلة عن بعض شرائع الإسلام، والأجوبة عليها. وفي هذه الآية سؤال عن كيفية الإنفاق، ومحاله، والأفضلية فيه؟
فجاء الجواب مبينا ذلك، ومبينا ترتيب الأفضلية بما ينسجم مع الفطرة حيث يقدم الأقرب، كما جاء في الحديث: «أمك، وأباك، وأختك، وأخاك، ثم أدناك ..
أدناك». والأحوج: اليتيم أولا، ثم المسكين، ثم ابن السبيل. وليس من داع يدعو إلى القول بأن هذه الآية منسوخة، لأنها في نفقة التطوع. لذلك علق ابن كثير على قول السدي بأن الآية منسوخة بآية الزكاة قال:(وفيه نظر). وصاحب السؤال في هذه