الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اليهود والنصارى، فإذا كان هذا في الكتب المتوارثة فما بال الروايات الشفهية وكلام الكذبة والعامة، ولا يعني هذا أننا نرفض كل شئ ورد في الكتب السابقة، بل يعني هذا أن نكون حذرين مع عدم إعطاء ما نقبله- قوة في تفسير كتاب الله- أكثر مما تحتمله، ولنا عودة على هذا الموضوع مرة ومرة إذا جاءت مناسبته.
فصل في السحر:
السحر في اللغة: عبارة عما لطف وخفي سببه، وهو أنواع، وكل نوع منه يستند إلى نوع من العلم أو الفن، فمن عرف علمه استطاعه، وهذا هو الفارق بينه وبين المعجزة والكرامة، فالمعجزة والكرامة لا دخل لعالم الأسباب فيهما، بل هما بقدرة الله المباشرة. أما السحر فمبناه عالم الأسباب، ولكن قلة من يعرفه تجعله غريبا خارقا، ومن أنواعه سحر أصحاب الأوهام والنفوس القوية، ومنه ما يكون أثرا عن الاستعانة بعالم الجن، ومنه ما يكون أثرا عن الخفة والمهارة في التلبيس على العيون والأبصار، ومنه ما يكون أثرا عن مهارات في بعض العلوم يظنها الجهلة سحرا وهي ليست سحرا، ومنه ما يكون أثرا عن استعمال أدوية أو ألوان، ومنه ما يكون أثرا عن استغلال ضعف نفسي عند الآخرين، ومنه ما يكون تغيرا وقلبا للأشياء عن أعيانها، وهذه الأنواع تدخل تحت كلمة السحر لغويا، أما السحر الذي هو سحر بالاصطلاح الشرعي وهو السحر المحرم: فهو ما رافقه كفر أو ضرر تلبيس أو استغلال أو كذب أو دعوى.
ومن أقوالهم في السحر:
قال القرطبي: وعندنا- أي أهل السنة والجماعة- أن السحر حق وله حقيقة يخلق الله عنده ما يشاء خلافا للمعتزلة وأبي إسحاق الأسفرائيني من الشافعية حيث قالوا إنه تخييل وتمويه.
وقال الألوسي: والمراد به أمر غريب يشبه الخارق وليس به- أي بالخارق- إذ يجري فيه التعلم ويستعان في تحصيله بالتقرب إلى الشيطان بارتكاب القبائح قولا كالرقى التي فيها ألفاظ الشرك ومدح الشيطان وتسخيره، وعملا كعبادة الكواكب والتزام الجنابة وسائر الفسوق، واعتقادا كاستحسان ما يوجب التقرب إليه ومحبته إياه
…
وقال الألوسي كذلك: «فسره الجمهور بأنه خارق للعادة- في الظاهرة- يظهر في نفس شريرة بمباشرة أعمال مخصوصة، والجمهور على أن له حقيقة» .
أقول: وأمهات المجلات والصحف العالمية تتحدث في عصرنا عن السحرة وسحرهم بما يدهش ويحير، اقرأ مثلا ما نشرته مجلة «ريدرز دايجست (المختار)» عن ديننجز قارئ الأفكار وخلال العصور كان الكلام عن السحر والسحرة مستمرا على ضيق أو توسع كما سنرى بمناسبات أخرى في هذا التفسير. يقول صاحب الظلال:«وبعد فلا بد من كلمة هنا عن السحر وعما يفرق بين المرء وزوجه مما كان أولئك اليهود يجرون خلفه ويتركون كتاب الله وراء ظهورهم من أجله: إنه ما يزال مشاهدا في كل وقت أن بعض الناس يملكون خصائص لم يكشف العلم عن كنهها بعد، لقد سمى بعضها بأسماء ولكنه لم يحدد كنهها ولا طرائقها. هذا «التلباثي» التخاطر عن بعد- ما هو؟ وكيف يتم؟ كيف يملك إنسان أن يدعو إنسانا على أبعاد وفواصل لا يصل إليها صوت الإنسان في العادة ولا بصره فيتلقى عنه دون أن تقف بينهما الفواصل والأبعاد؟ وهذا التنويم المغنطيسي ما هو وكيف يتم؟ كيف يقع أن تسيطر إرادة على إرادة، وأن يتصل فكر بفكر، فإذا أحدهما يوحي إلى الآخر وإذا أحدهما يتلقى عن الآخر كأنما يقرأ من كتاب مفتوح؟ إن كل ما استطاع العلم أن يقوله إلى اليوم في هذه القوى التي اعترف بها هو أن أعطاها أسماء ولكنه لم يقل قط ما هي: ولم يقل قط كيف تتم، وثمة أمور كثيرة أخرى يماري فيها العلم؛ إما لأنه لم يجمع منها مشاهدات كافية للاعتراف بها؛ وإما لأنه لم يهتد إلى وسيلة تدخلها في نطاق تجاربه، هذه الأحلام التنبئية- وفرويد الذي يحاول إنكار كل قوة روحية لم يستطع إنكار وجودها- كيف أرى رؤيا عن مستقبل مجهول ثم إذا هذه النبوءة تصدق في الواقع بعد حين؟ وهذه الأحاسيس الخفية التي ليس لها اسم بعد. كيف أحس أن أمرا ما سيحدث بعد قليل، أو أن شخصا ما قادم بعد قليل ثم يحدث ما توقعت على نحو من الأنحاء! إنه من المكابرة في الواقع أن يقف إنسان لينفي ببساطة مثل هذه القوى المجهولة في الكائن البشري لمجرد أن العلم لم يهتد بعد إلى وسيلة يجرب بها هذه القوى. وليس معنى هذا هو التسليم بكل خرافة والجري وراء كل أسطورة إنما الأسلم والأحوط أن يقف العقل الإنساني أمام هذه المجاهيل موقفا مرنا، لا ينفي على الإطلاق، ولا يثبت على الإطلاق؛ حتى يتمكن بوسائله المتاحة له بعد ارتقاء هذه الوسائل من إدراك ما يعجز الآن عن إدراكه، أو يسلم بأن في الأمر شيئا فوق طاقته ويعرف حدوده ويحسب للمجهول في الكون حسابه
…
السحر من قبيل هذه الأمور، وتعليم الشياطين للناس من قبيل هذه الأمور، وقد تكون صورة من صوره: القدرة على الإيحاء والتأثير إما في الحواس والأفكار، وإما في
الأشياء والأجسام، وإن كان السحر الذى ذكر القرآن وقوعه من سحرة فرعون كان مجرد تخييل لا حقيقة له يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى (سورة طه) - ولا مانع أن يكون مثل هذا التأثير وسيلة للتفريق بين المرء وزوجه وبين الصديق وصديقه، فالانفعالات تنشأ من التأثرات، وإن كانت الوسائل والآثار والأسباب والمسببات لا تقع كلها إلا بإذن الله على النحو الذي أسلفنا .. أقول ما اتجه إليه صاحب الظلال من كون السحر يمكن أن يكون من صور الإيحاء والتمويه هو ما ذهب إليه أبو إسحاق الأسفرائيني وهو من أكبر أئمة أهل السنة والجماعة، والجمهور على أن هذا نوع من السحر ولكنه ليس كل السحر والمسلم في كل القضايا التي أخبره عنها الوحي موقفه التصديق والتسليم، والسحر من جملة ذلك فخطاب (سيد قطب) للعقل الإنساني في أن عليه أن يكون موقفه مرنا في الإثبات والنفي إنما هو في حالة سكت عنها النص وأخذت محلها في كلام البشر.
واختلفوا فيمن يتعلم السحر ويستعمله فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد يكفر بذلك، ومن أصحاب أبي حنيفة من قال: «إن تعلمه ليتقيه أو ليجتنبه فلا يكفر- وهذا إذا لم
يرافق تعلمه كفر أو يلزم عليه كفر- ومن تعلمه معتقدا جوازه أو أنه ينفعه كفر» وعلى القول بأنه يكفر بمجرد تعلمه فإنه يقتل بذلك وقد رأينا كلام الشافعي في هذا الأمر.
قال ابن هبيرة: وهل يقتل بمجرد فعله واستعماله؟ فقال مالك وأحمد: نعم.
وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا. فأما إن قتل بسحره إنسانا فإنه يقتل عند مالك والشافعي وأحمد. وقال أبو حنيفة: لا يقتل حتى يتكرر منه ذلك أو يقر بذلك في حق شخص معين، وإذا قتل فإنه يقتل حدا عندهم إلا الشافعي فإنه قال: يقتل- والحالة هذه- قصاصا قال: وهل إذا تاب الساحر تقبل توبته؟ فقال مالك وأبو حنيفة وأحمد: في المشهور عنهم لا تقبل، وقال الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى تقبل. وأما ساحر أهل الكتاب فعند أبي حنيفة أنه يقتل كما يقتل الساحر المسلم، وقال مالك وأحمد والشافعي: لا يقتل
…
واختلفوا في المسلمة الساحرة فعند أبي حنيفة: لا تقتل ولكن تحبس وقال الثلاثة: حكمها حكم الرجل
…