الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
انقسموا قسمين بعد أنبيائهم، فمنهم من كفر، ومنهم من آمن. فكان لا بد من قتال. وإن الأمة الإسلامية بعد رسولها، قد وقع لها ما وقع لغيرها. فلا بد من قتال.
إنه يوجد الآن على الأرض الإسلامية مؤمنون، وكافرون. والكافرون من أبناء المسلمين أنفسهم. فلا بد إذن من قتال لهؤلاء.
والقضية الثانية: أن هذه الآية هي التي ختم بها المقطع الأول في سياق الأمر بالدخول في الإسلام كله. فكأنها تشير إلى أن المسلمين الذين أمروا بالدخول في الإسلام كله سينقسمون قسمين. قسما يبقى على إيمانه وإسلامه. وقسما سيكفر.
وسيكون قتال من أجل ألا يعم الفساد. تلك مشيئة الله. وقد أمر أهل الإيمان أن يفعلوا وقتال المرتدين مقدم على أي قتال آخر. وحفظ رأس المال مقدم على التفكير في الربح.
كلمة في السياق:
إن الآية قبل الأخيرة جاءت تعليقا على المجموعتين الأوليين في الفقرة. فكلا المجموعتين السابقتين، كان فيها خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أَلَمْ تَرَ. لتأتي هذه الآية مخاطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مؤكدة أن ما أنزل عليه حق، ومؤكدة رسالته بمناسبة ذكر هاتين القصتين المجهولتين، إلا عند أهل الكتاب. وإذا كانت المجموعتان السابقتان مرتبطين بالسياق العام كما رأينا فهذه الآية كذلك لها علاقة بالسياق العام من حيث إنه ما دام ما ينزله الله حقا، وما دام محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا بد من الدخول في دينه كله، الإسلام جميعا. وإذ ذكرت الآية الأولى أن محمدا صلى الله عليه وسلم من المرسلين، تأتي الآية الثانية لتبين مقامات الرسل، وخصوصيات بعضهم. وأن الجميع جاءوا بالبينات. وأن الأتباع منهم من آمن، ومنهم من كفر، ومن ثم كان القتال. ومن ثم كان هذا القتال بمشيئة الله، ومن ثم نعلم حكمة فرضية القتال علينا. فإذ أرسل محمد صلى الله عليه وسلم وجاء بالبينات، فعلى الخلق جميعا متابعته، ومن لم يتابع فقد استحق أن يقاتل، فإما أن يسلم، وإما أن يخضع بدفع الجزية. ومن أسلم وارتد فجزاؤه القتل، وإذا سيطر المرتدون. فعلى من يستطيع قتالهم أن يقاتلهم.
المعنى الحرفي:
تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ: الإشارة في (تلك) إلى ما سبق هذه
الآية في المجموعتين السابقتين. بدليل أن كلا من المجموعتين بدئ بتوجيه الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ وهذه الآية يتوجه الخطاب فيها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولأن في كل من المجموعتين ذكرت خارقة للعادة. ومعنى نتلوها: نقصها.
والحق: هو الأمر المطابق للواقع. وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ: بدليل ما تخبر به من الحق الذي ما كنت لتعرفه، لولا أنك رسول من عند الله، وأن الله يوحي إليك
تِلْكَ الرُّسُلُ إشارة إلى المرسلين الذين منهم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ: بالخصائص، وراء الرسالة. فهم يستوون في الرسالة، ويتفاوتون بالفضل كالمؤمنين. يستوون في صفة الإيمان، ويتفاوتون في الطاعات بعد الإيمان. مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ أي: منهم من فضله الله بأن كلمه من غير سفير، كموسى، ومحمد صلى الله عليه وسلم، وكذلك آدم، ورد في تكليم الله إياه حديث في صحيح ابن حبان عن أبي ذر.
وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ أي: ومنهم من رفعه على سائر الأنبياء. فكان بعد تفاوتهم في الفضل، أفضل منهم بدرجات كثيرة. وهو محمد صلى الله عليه وسلم إذ إنه مفضل على كافة الرسل، بإرساله إلى الخلق عامة. وبأنه خاتم النبيين، وبأنه أوتي ما لم يؤته أحد من الآيات المتكاثرة، المتزايدة على الدهر. وفي إبهامه، وعدم ذكره صراحة، تفخيم، وبيان أنه العلم الذي لا يشتبه على أحد. والمتميز الذي لا يلتبس صلى الله عليه وسلم. وقد يكون المراد تفاوت منازلهم عند الله. وقد يكون المراد اختلاف منازلهم الآن، كما ورد في حديث الإسراء. حيث إن بعضهم في السماء الدنيا، وبعضهم في الثانية، وهكذا. والله أعلم. وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ أي: الحجج، والدلائل القاطعات.
كإحياء الموتى، وإبراء الأكمه، والأبرص، وغير ذلك. وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أي: قويناه بجبريل. وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ أي: ولو شاء الله ما اختلف الذين من بعد الرسل، فاقتتلوا. والقتال سببه الاختلاف. فذكر في الآية المسبب. فدخل السبب ضمنا. ولذلك فسرنا اقتتلوا باختلفوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ أي: من بعد ما جاءتهم المعجزات، والآيات الواضحات كان المفروض ألا يختلفوا. وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ كان المفروض ألا يختلفوا لوضوح الحق، ولكنهم اختلفوا. ثم بين الاختلاف بأن آمن بعضهم، وكفر الآخر.
وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ أي: لو شئت ألا يقتتلوا لم يقتتلوا. إذ لا يجري في ملكي إلا ما يوافق مشيئتي. ثم أثبت- سبحانه- الإرادة لنفسه. وأثبت أن إرادته- تعالى- مطلقة.