الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 -
وفي الصحيحين: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة، كفتاه» .
وقال علي رضي الله عنه: «لا أرى أحدا عقل الإسلام، ينام حتى يقرأ آية الكرسي، وخواتيم سورة البقرة. فإنها كنز أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم من تحت العرش» ، رواه ابن مردويه.
المعنى:
آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ أي: صدق. روى الحاكم عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت عليه هذه الآية، قال:«حق له أن يؤمن» . وهذا إخبار عن
النبي صلى الله عليه وسلم بذلك. وَالْمُؤْمِنُونَ: هذا معطوف. على الرسول صلى الله عليه وسلم. أي:
والمؤمنون آمنوا. ثم أخبر عن الجميع، فقال: كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ. فالمؤمنون يؤمنون بأن الله واحد، أحد، فرد، صمد. لا إله غيره، ولا رب سواه. ويصدقون بجميع الأنبياء، والرسل، والكتب المنزلة من السماء على عباد الله المرسلين. لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ أي: يقولون هذا. فهم لا يفرقون بين رسول، ورسول. فيؤمنون ببعض، ويكفرون ببعض. بل الجميع عندهم صادقون، بارون، راشدون، مهديون هادون إلى سبيل الخير. وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا.
أي: سمعنا قولك يا ربنا. وفهمنا. وأطعنا أمرك، وقمنا به، وامتثلنا العمل بمقتضاه.
فجمعوا بهذا: الإيمان اللساني، والطاعة. والسمع يقتضي علما بما أنزل. والطاعة أثر عن الاستسلام لله ورسوله. وتتمة قولهم: سمعنا وأطعنا كما قصه الله علينا: غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ أي: اغفر لنا. يا ربنا، وإليك مرجعنا ومآبنا. فهم يطلبون بعد الإيمان، والعمل: المغفرة، والرحمة، واللطف. ويقرون بالبعث، والجزاء، إقرار المؤمن، الخائف، الوجل، المشفق.
بهذه الآية وصف الله المؤمنين هذا الوصف الجامع كما رأينا. فهم مصدقون، سامعون، مطيعون، شاعرون بالتقصير، طالبون للمغفرة، مشفقون من المصير. لقد أحاطت هذه الآية بصفات المؤمنين إحاطة كاملة، شاملة. وذكر ابن جرير أنه لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية، قال جبريل: (إن الله قد أحسن الثناء عليك، وعلى أمتك. فسل، تعطه
…
).
وإذ وصف الله عز وجل المؤمنين في الآية السابقة هذا الوصف الجامع. فإنه في الآية
الثانية، وصف شأنه، وعدله. ثم علم المؤمنين أن يدعوه بما يناسب مقامهم، وجلاله. قال تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها. أي: لا يكلف الله أحدا فوق طاقته. وهذا من لطفه تعالى بخلقه، ورأفته بهم، وإحسانه إليهم. فتكليفه لا يكون إلا ضمن القدرة، والطاقة بما يتيسر على الإنسان فعله، دون مدى غاية الطاقة والمجهود وهذا النص هو المبين، أو الناسخ لقوله تعالى: وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ. كما رأينا. أي: هو- جل جلاله وإن حاسب، وسأل، ولكن- لا يعذب إلا بما يملك الشخص دفعه. فأما ما لا يملك الإنسان دفعه من وسوسة النفس، والشيطان، وحديثهما، فهذا لا يكلف به الإنسان. ولكنه يكلف برد ذلك، وعدم قبوله، وكراهيته. وهذا ضمن وسعه. والصلة بين هذا النص، وما قبله، واضحة. فالمؤمنون قاموا بحق ربهم. وربهم لم يكلفهم إلا ضمن طاقتهم. فلم يقوموا بحق الله لولا لطفه بهم. ولو شاء لأعنتهم. ولكنه رحيم، لطيف. ثم بين الله عز وجل عدله في معاملة أنفس عباده، فقال: لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ أي: لها ما كسبت من خير. وعليها ما اكتسبت من شر. وذلك في الأعمال التي تدخل تحت التكليف. وإذ بين الله عز وجل لطفه، وعدله، أرشد عباده إلى سؤاله. وتكفل لهم بالإجابة. فعلمهم أن يقولوا: رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا. أي:
لا تؤاخذنا إن تركنا فرضا أو أمرا على جهة السهو أو النسيان. أو أخطأنا الصواب في العمل جهلا منا، أو من غير قصد منا ووقعنا في محظور.
رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا. الإصر: هو العبء يأصر صاحبه. أي: يحبسه في مكانه لثقله. فصار المعنى: لا تكلفنا من الأعمال الشاقة وإن أطقناها كما شرعته للأمم الماضية قبلنا، من الأغلال، والآصار التي كانت عليهم.
رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ. أي: من التكاليف، والمصائب، والبلاء.
لا تبتلنا بما لا قبل لنا به.
وَاعْفُ عَنَّا. أي: امح سيئاتنا بيننا وبينك، ومما تعلمه من تقصيرنا وزللنا وَاغْفِرْ لَنا. أي: واستر ذنوبنا فيما بيننا وبين عبادك. فلا تظهرهم على مساوينا وأعمالنا القبيحة. وَارْحَمْنا. بأن توفقنا فيما يستقبل فلا توقعنا بذنب آخر. وارحمنا بأن تثقل ميزاننا مع إفلاسنا. ولهذا قالوا: إن المذنب محتاج إلى ثلاثة أشياء: أن يعفو الله عنه فيما بينه وبينه، وأن يستره عن عباده فلا يفضحه به بينهم.