الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصوامع، وتحريق الأشجار، وقتل الحيوان لغير مصلحة، والغلول. فكل ذلك تجاوز لأمر الله في القتال، واعتداء. والله لا يحب المعتدين، الذين يتجاوزون حدوده. هذا الاتجاه في تفسير الآية هو الذي رجحه ابن كثير، ورد الاتجاه الذي يقول إن هذه الآية منسوخة. ذكر ابن كثير: (عن أبي العالية في قوله تعالى: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ: قال: هذه أول آية نزلت في القتال بالمدينة. فلما نزلت، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل من قاتله. ويكف عمن كف عنه، حتى نزلت سورة براءة.
وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، حتى قال- أي الرازي- هذه منسوخة بقوله تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ. (سورة التوبة) وفي هذا نظر.
لأن قوله تعالى: الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ: إنما هو تهييج، وإغراء بالأعداء الذين همهم قتال الإسلام وأهله. أي كما يقاتلونكم فاقتلوهم أنتم).
ثم استشهد ابن كثير بالآية التالية للآية الأولى على صحة ما ذهب إليه بعدم النسخ:
وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ. فهي تشبه الآية التي قيل عنها إنها ناسخة، وهي قوله تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ. يبقى أن
يقال: إن هذه الآية قد يفهم منها معنى زائد على آية براءة.
وهو أن الذين يناجزوننا القتال، يقدم قتالهم على غير المناجزين، مع حل قتال الجميع وإذ يقاتل المسلمون الكفرة غير المعاهدين، فلا اعتداء. والآية على هذا الفهم فيها أمر بقتال كل كافر غير معاهد. لأن كل كافر إنما هو مقاتل لنا إن استطاع. وعلى كل فإن قتال من يقاتلنا فريضة والآية نص في ذلك وهي ليست منسوخة.
أحاديث:
1 -
روى الإمام مسلم عن بريدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «اغزوا في سبيل الله. قاتلوا من كفر بالله. اغزوا ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا الوليد، ولا أصحاب الصوامع» .
2 -
في الصحيحين عن ابن عمر قال: «وجدت امرأة في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وسلم مقتولة. فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان» .
3 -
قال صلى الله عليه وسلم: «إن قوما كانوا أهل ضعف ومسكنة. قاتلهم أهل تجبر وعداوة فأظهر الله أهل الضعف عليهم. فعمدوا إلى عدوهم، فاستعملوهم، وسلطوهم
فأسخطوا الله عليهم إلى يوم القيامة» رواه الإمام أحمد. قال ابن كثير: هذا حديث حسن الإسناد. ومعناه أن هؤلاء الضعفاء لما قدروا على الأقوياء، فاعتدوا عليهم، واستعملوهم فيما لا يليق بهم، أسخطوا الله عليهم بسبب هذا الاعتداء. اه. كلام ابن كثير. لكني أفهم من الحديث أن الكافر إذا ظهرت عليه فلا تسلمه مقاليد الأمور، ولا تستعمله على المسلمين. فإذا فعلت فإنك تستحق سخط الله.
وهاهنا أسئلة:
إذا كان الراهب، أو المرأة، أو الشيخ، أو الصبي يشارك في المعركة برأيه، أو بفعله، فما حكم قتله؟ الفتوى على جواز القتل.
بعض العمليات الفدائية المعاصرة قد يقتل فيها النساء، والشيوخ والأطفال تبعا بسبب أنها تكون عن طريق التسلل والخفاء، لعدم التكافؤ بين المسلمين وعدوهم. فما حكم ذلك؟.
الفتوى على الجواز إذا تعين ذلك طريقا للصراع مع الكفر وأهله.
في الحرب الحديثة نرمي العدو من بعد. فنرمي مدنه، ومستعمراته، وقراه. فما حكم ذلك؟. الفتوى على الجواز إن كان هو يفعل بنا ذلك أو يستحله ويعمل له.
وهناك أسئلة كثيرة أخرى يمكن أن تثار بمناسبة الحديث عن القتال في عصرنا. وأدبنا في هذا التفسير ألا نستقصي المسائل حرصا على الاختصار. ولأن هذا التفسير جزء من سلسلة الأساس في المنهج التي منها (الأساس في السنة وفقهها) وهناك معنا أجوبة على الكثير من المسائل. فللتنويه بذلك أشرنا هذه الإشارة.
وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ: أي حيث وجدتموهم. والثقف: الوجود على وجه الأخذ والغلبة. وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ: أخرجوكم من مكة، فأخرجوهم منها. وأخرج اليهود فى عصرنا المسلمين من فلسطين. فليخرجوهم منها. قال ابن كثير:(أي لتكن همتكم منبعثة على قتالهم، كما همتهم منبعثة على قتالكم. وعلى إخراجهم من بلادكم التي أخرجوكم منها قصاصا).
يفهم من هذا أن المسلم لا يستكين. فإذا أراد عدو الله أن يؤذيه، أو أراد به شرا من أجل أن يميت فيه روح الإسلام فإنه يقابل ذلك بما يكافئه. ولما كان ما أمر الله به في هذه الآية فيه إزهاق النفوس، وقتل الرجال. نبه تعالى على أن ما هم مشتملون عليه
من الكفر بالله والشرك به، والصد عن سبيله والعمل على تكفير أهل الإيمان وفتنتهم عن دينهم أبلغ وأشد، وأعظم، وأطم من القتل. فمن استعظم أن يقتل أعداء الله الذين يكفرون المسلمين وذراريهم فإنه لم يعرف دين الله. لذلك قال تعالى بعد ما تقدم:
وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ: أي وإقامتهم على شركهم وكفرهم، وإنزالهم المحنة والبلاء بأهل الإيمان لإيمانهم، أعظم من القتل الذي يحل بهم منكم. وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ: أي لا تبدءوا بقتالهم في الحرم حتى يبدءوا.
وفي الآية دليل لمن ذهب إلى أن المسجد الحرام يقع على الحرم كله. فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ: فإن بدءوكم بالقتال فيه فلكم حينئذ قتالهم، وقتلهم. كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ: القتل. نفهم من ذلك أن الكفر جريمة. بل هو أعظم الجرائم على الإطلاق. ومن ثم جاز لنا أن نقاتل الكافرين ابتداء لارتكابهم أكبر جريمة على الإطلاق، وهي الكفر. كما جاز لنا قتلهم ابتداء إلا أن يسلموا، أو يخضعوا بدفع الجزية، إلا وثنيي العرب. فإنهم لا يقبل منهم إلا الإسلام، أو القتل.
فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ: أي فإن انتهوا عن الشرك والقتال، وأنابوا إلى الإسلام والتوبة، فإن الله يغفر ذنوبهم ولو كانوا قد قتلوا المسلمين في حرم الله تعالى. فإنه تعالى لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، إلا ما استثناه من الشرك. فهو غفور لما سلف من طغيانهم، رحيم بقبول توبتهم وإيمانهم.
وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ: أي شرك وكفر غالبان، ظاهران، عاليان. بحيث يقدران على فتنة المسلم عن دينه. وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ: أي يكون دين الله هو الظاهر العالي على سائر الأديان.
فبالله هل نحن مسلمون حقا، والكفر والشرك، والفتنة هم الأعلون. والإسلام وأهله هم الأضعفون. ولا قتال، ولا جهاد؟.
فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ قال عكرمة وقتادة: الظالم الذي أبى أن يقول لا إله إلا الله. فصار معنى الآية: فإن امتنعوا عن الكفر فلا تقاتلوهم فإنه لا عدوان إلا على الظالمين. ولم يبقوا ظالمين بعد أن أسلموا. سمى جزاء الظالمين عدوانا للمشاكلة، من باب فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ. وفي قوله تعالى: فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى
الظَّالِمِينَ
أكبر رد على من فهم أن قوله تعالى: وَلا تَعْتَدُوا في أول هذه الآيات أن المراد بها تبدءوا غيركم بالقتال. ثم فهم الآيات كلها بأن المراد منها، القتال الدفاعي فقط.