الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما السبعة أيام، فليس شرطا أن تصام بعد العودة إلى الوطن. بل بمجرد فراغه من أفعال الحج يستطيع البدء بها. على أن لا تكون يوم النحر لأنه لم يفرغ من أفعال الحج.
ويحرم فيه الصوم. ولا في أيام التشريق لعدم جواز صومها عند الشافعية، أو لكراهة صومها تحريما عند الحنفية. روى مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل» .
ولنرجع إلى السياق:
ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أي: هذه الرخصة في التمتع هي للآفاقي الذي هو خارج المواقيت. أما من كان داخل المواقيت، فلا يحل له القران أو التمتع، هذا مذهب الحنفية. وقال الشافعي: إنهم أهل الحرم، ومن كان منه على مسافة لا يقصر فيها الصلاة. لأن من كان كذلك، يعد حاضرا لا مسافرا فهؤلاء عند الشافعي لا يحل لهم التمتع. وكان ابن عباس يقول: يا أهل مكة لا متعة لكم. أحلت لأهل الآفاق، وحرمت عليكم. إنما يقطع أحدكم واديا، أو يجعل بينه وبين الحرم واديا. ثم يهل بعمرة. وَاتَّقُوا اللَّهَ: فيما أمركم به، ونهاكم عنه في الحج وغيره.
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ أي: لمن خالف أمره، وارتكب ما عنه زجره.
فائدة: في آيات القتال قال تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ: وهاهنا قال: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ. فهذان أمران أمرنا بهما في حق معرفة الله. كما أمرنا أن نعلم أنه لا إله إلا الله. فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ (سورة محمد) فمن لم يحقق في قلبه العلم بهذا كله لا يكون عارفا بالله.
الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ أي: وقت الحج أشهر معروفات عند الناس لا يشكلن عليهم. وهي شوال، وذو القعدة، وعشر ذي الحجة. وفائدة توقيت الحج بهذه الأشهر أن شيئا من أفعال الحج، لا يصح إلا فيها. وكذا الإحرام عند الشافعي رحمه الله، وعند الحنفية ينعقد قبلها، لكنه مكروه. قال ابن عباس: من السنة ألا يحرم بالحج إلا في أشهره. قال
ابن جرير: وصح إطلاق الجمع على شهرين وبعض الثالث كما تقول العرب: رأيته العام، ورأيته اليوم. وإنما وقع ذلك في العام، واليوم. وذهب الإمام مالك إلى أن ذا الحجة كله من أشهر الحج. وبناء عليه فقد كره العمرة في بقية ذي الحجة. فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ قال ابن جرير: أجمعوا على أن المراد من
الفرض هاهنا، الإيجاب والإلزام. وقال ابن عباس في تفسيره:«من أحرم بحج أو عمرة» فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ أي: من أحرم بالحج أو العمرة فليجتنب الرفث، وهو الجماع ودواعيه، من المباشرة، والتقبيل، ونحو ذلك، وكذلك التكلم به بحضرة النساء. ويدخل فيه الكلام الفاحش. وليتجنب الفسوق: وهو المعاصي عامة. ويدخل في ذلك السباب. لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر» . ومن الفسوق التنابز بالألقاب لقوله تعالى: بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ (سورة الحجرات). واختار ابن جرير أن الفسوق هنا هو ارتكاب ما نهي عنه في الإحرام من قتل الصيد، وحلق الشعر، وقلم الأظافر، ونحو ذلك.
وهي داخلة فيما ذكرنا.
فائدة: في الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حج هذا البيت، فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه» .
وكما يجتنب الرفث والفسوق، فإنه يجتنب الجدال. والجدال هو المراء مع الرفقاء والخدم، والسائقين. وإنما أمرنا باجتناب الرفث والفسوق والجدال- وهو واجب الاجتناب في كل حال- لأنه مع الحج أسمج كلبس الحرير في الصلاة، والتطريب في قراءة القرآن.
روى الإمام أحمد عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«من قضى نسكه، وسلم المسلمون من لسانه ويده، غفر له ما تقدم من ذنبه» .
وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ: لما نهاهم عن إتيان القبيح قولا، وفعلا. وحثهم على فعل الجميل. وأخبرهم أنه عالم به. وسيجزيهم عليه أوفر الجزاء يوم القيامة. ففي هذا النص إخبار منه تعالى بعلمه الجزئيات والكليات ومن السياق يفهم أن في النص حثا على الخير، عقيب النهي عن الشر. فكأنه أمرهم أن يستعملوا مكان القبيح من الكلام، الحسن. ومكان الفسوق، البر والتقوى. ومكان الجدال، الوفاق والأخلاق الجميلة. ثم أمرهم بالتزود إذا سافروا لحجهم. قال تعالى: وَتَزَوَّدُوا. في البخاري عن ابن عباس قال: «كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون. ويقولون: نحن المتوكلون. فأنزل الله: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى» . وكان ابن عمر يقول: «إن من كرم الرجل، طيب زاده في السفر» . فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى:
لما أمرهم بالزاد للسفر في الدنيا. أرشدهم إلى زاد الآخرة، وهو استصحاب التقوى
إليها. فكأن معنى قوله تعالى في هذا المقام: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى:
تزودوا، واتقوا الاستطعام، وإبرام الناس، والتثقيل عليهم. وتزودوا للمعاد، باتقاء المحظورات. فإن خير زاد الآخرة اتقاؤها.
قال مقاتل بن حيان: لما نزلت هذه الآية: وَتَزَوَّدُوا. قام رجل من فقراء المسلمين فقال: يا رسول الله. ما نجد ما نتزوده. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تزود ما تكف به وجهك عن الناس. وخير ما تزودتم التقوى» . رواه ابن أبي حاتم.
وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ أي: واتقوا عقابي ونكالي، وعذابي لمن خالفني، ولم يأتمر بأمري يا ذوي العقول والأفهام. فهم من النص أن قضية اللب الذي هو العقل، تقوى الله. ومن لم يتقه فكأنه لا لب له.
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ أي: ليس عليكم إثم في أن تبتغوا في مواسم الحج عطاء وتفضلا.
وهو النفع والربح بالتجارة والكراء، روى البخاري عن ابن عباس فى سبب نزول هذه الآية قال: كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية. فتأثموا أن يتجروا في الموسم. فنزلت: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ. وروى الإمام أحمد عن أبي أمامة التيمي قال: قلت لابن عمر: إنا نكرى. فهل لنا من حج؟ قال:
أليس تطوفون بالبيت وتأتون المعرف، وترمون الجمار، وتحلقون رءوسكم؟ قال:
قلنا بلى. فقال ابن عمر: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الذي سألتني، فلم يجبه حتى نزل عليه جبرائيل بهذه الآية: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ. وأخرج ابن جرير عن أبي صالح مولى عمر. قال: قلت يا أمير المؤمنين:
كنتم تتجرون في الحج؟. قال: وهل كانت معايشهم إلا في الحج؟!! ..
وقال النسفي من أئمة الحنفية عند هذه الآية: ونزل في قوم زعموا أن لا حج لحمال، وتاجر. وقالوا: هؤلاء، الداج وليسوا بالحاج لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ .... لكن قال الحنفية في كتبهم:(من نوى الحج والتجارة لا ثواب له إن كانت نية التجارة غالبة أو مساوية). والظاهر أنه لا ثواب كاملا. وإلا فلا يقول قائل: إن من تاجر ولم يشارك في أفعال الحج، كمن تاجر وشارك في أفعاله. وهذا من باب الحض على تغليب نية الآخرة على عمل الدنيا.
فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ: دل قوله تعالى:
فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ على وجوب الوقوف في عرفات. والإفاضة من عرفات
إنما تكون لمزدلفة. فدل ذلك على أن الوقوف بمزدلفة من شعائر الحج. ونلاحظ أن في الفقرة تسلسلا في أفعال الحج. فقد رأينا أن في قوله تعالى: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ ما يشير إلى الإحرام الذي هو الركن الأول من أركان الحج. ويأتي بعد ذلك الوقوف بعرفات. وهو الركن الثاني من أركان الحج، ثم الإفاضة إلى المزدلفة، وهو النسك الذي يلي الوقوف بعرفات.
وقبل أن نشرح الآية شرحا حرفيا فلنقرأ هذه النقول:
قال علي بن أبي طالب: (بعث الله جبريل عليه السلام إلى إبراهيم صلى الله عليه وسلم فحج به حتى إذا أتى عرفة، قال: عرفت. وكان قد أتاها مرة قبل ذلك. فلذلك سميت عرفة). وقال عطاء: «إنما سميت عرفة، أن جبريل كان يري إبراهيم المناسك، فيقول: عرفت، عرفت. فسميت عرفات» .. وروي نحوه عن ابن عباس، وابن عمر، وأبي مجلز.
وعرفة موضع الوقوف في الحج. وهي عمدة أفعال الحج. ولهذا روى الإمام أحمد وأصحاب السنن، بإسناد صحيح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«الحج عرفات- ثلاثا- فمن أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك. وأيام منى ثلاثة. فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه. ومن تأخر فلا إثم عليه» . ووقت الوقوف من الزوال يوم عرفة، إلى طلوع الفجر الثاني من يوم النحر. لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع بعد أن صلى الظهر إلى أن غربت الشمس وقال:«لتأخذوا عني مناسككم» . وهذا مذهب مالك، وأبي حنيفة، والشافعي رحمهم الله. وذهب الإمام أحمد إلى أن وقت الوقوف من أول يوم عرفة، مستدلا بقوله عليه السلام:«من شهد صلاتنا هذه، فوقف معنا حتى ندفع- وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا- فقد تم حجه، وقضى تفثه» .
رواه الإمام أحمد وأهل السنن. وصححه الترمذي.
وأما المشعر الحرام، فإنه المزدلفة. قال ابن عمر:(المشعر الحرام: المزدلفة كلها) قال ابن كثير: (والمشاعر: هي المعالم الظاهرة. وإنما سميت المزدلفة: المشعر الحرام؛ لأنها داخل الحرم. وهل الوقوف بها ركن في الحج، لا يصح إلا به، كما ذهب إليه طائفة من السلف، وبعض أصحاب الشافعي؟ .. أو واجب كما هو أحد قولي الشافعي يجبر بدم؟ .. أو مستحب؛ لا يجب بتركه شئ كما هو القول الآخر في ذلك. ثلاثة أقوال للعلماء). اه.