الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سبيل الله .. » وأخرج مسلم والترمذي والإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تحقرن من المعروف شيئا وإن لم تجد فالق أخاك بوجه منطلق» .
الدرس الثاني:
وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ أي لا يقتل بعضكم بعضا وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أي لا يخرجه من منزله ولا يظاهر عليه ولا ينفيه جعل غير الرجل بمثابة نفسه إذا اتصل به أصلا أو دينا، وذلك أن أهل الملة الواحدة بمنزلة النفس الواحدة، كما قال عليه السلام «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتواصلهم بمنزلة الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر» ثم قال تعالى:
ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ أي ثم أقررتم بمعرفة هذا الميثاق وصحته وأنتم تشهدون به وتعترفون على أنفسكم بلزومه.
ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ كانوا في المدينة المنورة فريقان طائفة منهم بنو قينقاع وهم حلفاء الخزرج، والطائفة الأخرى النضير وقريظة وهم حلفاء الأوس، فكانوا إذا كانت بين الأوس والخزرج حرب خرجت بنو قينقاع مع الخزرج وخرجت النضير وقريظة مع الأوس يظاهر كل واحد من الفريقين حلفاءه على إخوانه حتى تسافكوا دماءهم بينهم وبأيديهم التوراة يعرفون فيها ما عليهم وما لهم، والأوس والخزرج أهل شرك، يعبدون الأوثان، ولا يعرفون جنة ولا نارا، ولا بعثا ولا قيامة ولا كتابا، ولا حلالا ولا حراما، يقتل اليهودي الآخر من الفريق الآخر، ويخرجونهم من بيوتهم وينتهبون ما فيها من الأثاث والأمتعة والأموال ويخرجونهم منها. تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ أي تتعاونون عليهم بالمعصية والظلم وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ كانوا إذا وضعت الحرب أوزارها افتدوا الأسارى من الفريق المغلوب عملا بحكم التوراة الذي جاء فيها (إنك لا تجد مملوكا من بني إسرائيل إلا أخذته فأعتقته)، فهم يطبقون التوراة في هذا الجانب ويخالفونها في غيره مما ذكر قبله وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ. فالإخراج حرام عليهم وكذلك القتل وكذلك مظاهرة غيرهم على بعضهم.
قال السدي: «أخذ الله عليهم أربعة عهود ترك القتل، وترك الإخراج، وترك المظاهرة، والفداء فأعرضوا عن كل ما أمروا به إلا الفداء. قال تعالى مؤنبا:
أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ أي أتفادونهم بحكم التوراة،
وتقتلونهم، وتخرجونهم، وتظاهرون عليهم، مع أن التوراة تحرم هذا، جعلت الآية التطبيق إيمانا وعدم التطبيق كفرا. قال السدي: فإذا أسر رجل من الفريقين كلاهما، جمعوا له حتى يفدونه فتعيرهم العرب بذلك، ويقولون كيف تقاتلونهم وتفدونهم؟
قالوا: إنا أمرنا أن نفديهم، وحرم علينا قتالهم. قالوا فلم تقاتلوهم؟ قالوا إنا نستحيي أن تستذل حلفاؤنا فذلك حين يخبرهم الله تعالى:
فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ أي فما جزاء من يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا أي إلا ذلة وهوان بسبب مخالفتهم شرع الله وأمره وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ أشد العذاب هو الذي لا روح فيه ولا فرح جزاء على مخالفتهم كتاب الله الذي بأيديهم وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ من الأعمال القبيحة والسيئة، ولكن له سننا
أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ أي استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة واختاروها عليها اختيار المشتري. دلت الآية على أن سبب الخلل في التطبيق هو محبة الدنيا وتفضيلها على الآخرة فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ أي لا يفتر عنهم ساعة واحدة وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ أي ولا ينصرهم أحد بالدفع عنهم فليس لهم ناصر ينقذهم مما هم فيه من العذاب الدائم السرمدي ولا يجيرهم منه.
وبمناسبة قوله تعالى وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ نحب أن نلفت النظر هاهنا إلى أن اليهود، أو النصارى، أو أبناء الأديان، يرون أنهم بسبب من كونهم يهودا، أو نصارى، أو غير ذلك، فإنهم سينصرون يوم القيامة، وأن من ينتسبون إليهم سينصرونهم، وقد قطع الله عز وجل في هذه الآية طمع اليهود من ذلك بسبب من أعمالهم. وكثيرون من أبناء المسلمين غلب عليهم هذا التفكير أنهم سينجون عند الله مهما اقترفوا، وكثيرون من صوفية المسلمين غلب عليهم هذا التفكير حتى أصبحت تجد صوفيا لا يصلي، ولا يزكي، ولا يهتدي بكتاب الله، ويوالي الكافرين، ويؤمن بشعاراتهم المعطلة للكتاب، ويتصور مع هذا أن نسبته إلى فلان من الناس، أو إلى الطريقة الفلانية، تنجيه عند الله.
وبمناسبة قوله تعالى أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ نقول:
لقد أخذ الله على هذه الأمة ما أخذ على بني إسرائيل في وجوب إقامة أحكام القرآن، فطبقت في عصورها المتأخرة بعضا وتركت بعضا؛ فابتلاها الله بما ابتلاها به، من الذلة، والهوان ولعذاب الآخرة أشد.
وها نحن الآن في القرن الخامس عشر الهجري نعاني من الذلة والهوان، بأن سلط الله