الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 - كلمة إجمالية في هذا المقطع وسياقه
بعد أن عدد الله في مقدمة السورة فرق المكلفين من المؤمنين والكفار والمنافقين، وذكر صفاتهم وأحوالهم وما اختصت به كل فرقة أقبل عليهم بالخطاب داعيا إياهم إلى عبادته وتوحيده دالا لهم على طريق الكون من المتقين مقيما عليهم الحجة، على أن كتابه لا ريب فيه، مبشرا المستجيبين له بما أعده لهم مبينا الأسباب الحقيقة لضلال الضالين من كافرين ومنافقين، ومناقشا الكافرين مقيما عليهم الحجة، فإذا كانت مقدمة البقرة قد قررت بعض المعاني تقريرا فهذا المقطع كان دعوة وإقامة حجة.
2 - المعنى الحرفي
وسنعرض فيه المقطع على ثلاث مراحل كل مرحلة نعرض فقرة وتعقيبا على محل الفقرة في السياق.
الفقرة الأولى:
يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ أي اعرفوه ووحدوه وأدوا له حقوق الربوبية بعبادتكم إياه. قال ابن عباس: كل عبادة في القرآن توحيد. أقول: ولا توحيد إلا
بمعرفة، والمعرفة تقتضي القيام بحقوق المعبود. الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ. الخلق هو إيجاد المعدوم على تقدير واستواء، وتذكيره إيانا بخلقنا وخلق من قبلنا في سياق الأمر بالعبادة تهييج لنا على العبادة وتبيان أن من خلق هو الذي يستحق العبادة. لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ لعل في أصل اللغة للترجي والإطماع ولكنه في القرآن إطماع من كريم، فيجري مجرى وعده المحتوم وفاؤه، فمن عرف الله حق المعرفة ووحده حق التوحيد، وعبده حق العبادة، وحققه الله عز وجل بالتقوى كان من المفلحين، ففي الآية دعوة للناس جميعا أن يكونوا من الفئة الأولى التي ذكرت في مقدمة سورة البقرة- فئة المتقين- وذلك بسلوك طريق ذلك، وطريق ذلك معرفة الله وتوحيده وعبادته. وقد عرفهم على ذاته بأنه خالقهم وخالق من قبلهم،
ثم أكمل التعريف على ذاته بقوله: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً معنى جعل: صير.
والفراش كالبساط قال الألوسي: ومعنى صيرها فراشا أي كالفراش فى صحة القعود والنوم عليها قال السيوطي: أي بساطا يفترش لا غاية في الصلابة أو الليونة فلا يمكن الاستقرار عليها، قال القرطبي: وما ليس بفراش كالجبال والأوعار والبحار فهي من مصالح ما يفترش منها لأن الجبال كالأوتاد .. والبحار تركب إلى سائر منافعها، وَالسَّماءَ بِناءً. قال القرطبي: وكل ما علا فأظل قيل له سماء أقول: وقد شبهت السماء بالبناء في الآية لدقة إحكامها وكمال ترتيبها وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً أي من السحاب فَأَخْرَجَ بِهِ أي بالماء مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ، وهذا يقتضي منكم معرفة وعبادة وتوحيدا. ولذلك قال تعالى فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً الند: المثل، ولا يقال إلا للمثل المخالف المناوئ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أنها لا تخلق شيئا ولا ترزق، وأن الله هو الخالق والرازق فهو صاحب الحق بالعبادة ويمكن أن يكون التقدير: فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم من أهل العلم بأصل الفطرة بأن الله هو المستحق للعبادة وحده.
ثم بعد أن عرفهم على ذاته من خلال ظاهرتي الخلق والعناية، بما يثبت الوحدانية ويبطل الإشراك ويستوجب العبادة ويستأهل التقوى ذكر ما هو الحجة على إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وما يقرر إعجاز القرآن مما يستوجب السير على هداه لتحقيق التقوى وذلك في قوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ أي في شك مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا العبد اسم لمملوك من جنس العقلاء والمراد به في الآية محمد صلى الله عليه وسلم وكلمة نَزَّلْنا تفيد التنزيل التدريجي المنجم فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ السورة هي: الطائفة من القرآن المترجمة أي المعنونة
التي أقلها ثلاث آيات وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ الشهيد هو: الحاضر أو القائم بالشهادة مِنْ دُونِ اللَّهِ أي غير الله إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في دعاواكم،
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا: بأن تأتوا بسورة من مثله فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ. الوقود: ما توقد به النار من مثل الحطب، ومعنى وقودها الناس
والحجارة: أنها نار ممتازة عن غيرها من النيران، بأنها تتقد بالناس والحجارة وهي إما حجارة الكبريت فهي أشد توقدا، وأبطأ خمودا، وأنتن رائحة، وألصق بالبدن، وإما الأصنام المعبودة فهي أشد تحسيرا، أو هي هذه وهذه وكل ذلك اتجاهات للمفسرين أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ أي هيئت لهم، وفي ذلك دليل أن النار مخلوقة موجودة الآن، وبعد أن بين الله عز وجل طريق تقواه، وأقام الحجة على وجوبها، وبين أن هذا القرآن لا ريب فيه، وتوعد الكافرين، فكأنه لم يعد هناك مبرر لإنسان في ألا يؤمن ويعمل صالحا،
ومن ثم فقد توجه الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبشر هؤلاء العاملين:
وَبَشِّرِ الأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ابتداء ولكل مسلم انتهاء بحكم أن للمؤمنين أسوة برسول الله فهو قدوتهم، والبشارة: الإخبار بما يظهر سرور المخبر به الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ: الذين آمنوا بالغيب، وآمنوا بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وما أنزل من قبل، وآمنوا بالآخرة وعملوا الصالحات؛ من إقامة صلاة وإنفاق وذلك كله قرر من قبل والصالحات في الاصطلاح الشرعي: كل ما استقام من الأعمال بدليل الكتاب والسنة، وعطف العمل الصالح على الإيمان دليل على أن الإيمان غير العمل الصالح. أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ. الجنة في اللغة: البستان من الشجر المتكاثف وسميت دار الثواب جنة لما فيها من الأشجار، وقد جمعت في الآية ونكرت لاشتمالها على جنان كثيرة مرتبة مراتب بحسب أعمال العاملين، لكل طبقة منهم جنات من تلك الجنان ودار الثواب مخلوقة من قبل موجودة الآن. رزقنا الله إياها، قال علماء أصول الدين: ولا نجعل للمؤمن العاصي صاحب الكبيرة بشارة مطلقة بل نثبت بشارة مقيدة بمشيئة الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه بقدر ذنوبه ثم يدخله الجنة تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ النهر هو: المجرى الواسع فوق الجدول ودون البحر والجري: الاطراد. قالوا: وأنهار الجنة تجري في غير أخدود من تحت أشجار الجنة وأنزه البساتين ما كانت أشجارها مظلة والأنهار في خلالها مطردة، والماء الجاري من النعمة العظمى واللذة الكبرى ولذا قرن الله تعالى الجنات بذكر الأنهار الجارية وقدمه على سائر نعوتها كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً هذه الجنات لها ثمار أجناسها