الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المتقين. إذ الصوم شعارهم. والصيام هو الإمساك عن الطعام والشراب والجماع والمفطرات، من طلوع الفجر الصادق إلى الغروب، بنية الصوم لله عز وجل.
خاطب الله عز وجل المؤمنين من هذه الأمة آمرا لهم بالصيام، لما فيه من زكاة النفوس وطهارتها، وتنقيتها من الأخلاط الرذيلة. وذكر أنه إن أوجبه عليهم، فقد أوجبه على من كان قبلهم. فلهم فيهم أسوة. والحكمة من الصوم، تحصيل التقوى، لما في الصوم من تزكية للبدن، وتضييق مسالك الشيطان. ولهذا ثبت في الصحيحين: «يا معشر الشباب. من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج.
ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء».
فوائد:
1 -
في كتاب الأركان الأربعة لأبي الحسن الندوي عرض للصوم كما هو الآن في الأديان العالمية الكبيرة، كالنصرانية، واليهودية، والهندوسية .. مما يثبت أن الصوم لم تخل منه ديانة. وهذا الذي ذكره القرآن هنا. ولكن أهل الأديان حرفوا، وبدلوا، وزادوا، ونقصوا كما هي عادتهم في كل شئ وسننقل كلام الأستاذ الندوي في نهاية الحديث عن الصوم.
2 -
إن الحكمة من فرض الصوم علينا هي الوصول إلى التقوى. فمن صام رمضان ثم لم يحصل التقوى فقد فرط، إن الإيمان بالغيب وإن التوحيد هما البذرة التي تتفرع عنهما شجرة الإسلام لتؤتي ثمارها، والصلاة هي الغذاء اليومي لهذه الثمرة، والإنفاق هو الذي يجتث الحشائش الضارة من أرض القلب، كالشح والبخل والحرص.
ويأتي الصوم ليضبط الاندفاعات النفسية الخاطئة في أخطر مظاهرها، شهوة الفرج، وشهوة البطن، إذ يعود المسلم على ضبط ذلك، ثم يأتي الحج ليسقي بذرة الإيمان تسليما. فبقدر ما يعطي المسلم لكل ركن من أركان الإسلام مداه في نفسه ومن نفسه فإنه يكمل بذلك وتكمل بذلك تقواه. إن الصوم تعويد للناس على ضبط شهواتها، كما أنه تخل لله عن شهوات النفس طاعة لله، وإن آثار ذلك لمن فعله إيمانا واحتسابا هي أن يكرم الله الصائم بتحقيقه بالتقوى التي فيها جماع خيرى الدنيا والآخرة، تلك هي الحكمة الرئيسية في الصوم وهي التي نصت عليها الآية الأولى من فقرة الصوم. فإذا
صام الإنسان وأقام فرائض شهر الصوم، وسننه، فإنه يخرج بزاد من التقوى يحمله سنة. فالصلاة في أوقاتها، والصوم في وقته، والحج إذا أدي، والإنفاق إذا كان، كل ذلك زاد القلب المتكامل الذي من آثاره القيام بأمر الله في كل شئ والذي من ثمراته الاستقامة على أمر الله. ولنعد إلى التفسير:
أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ أي: كتب عليكم أن تصوموا أياما مؤقتات بعدد معلوم. وهذا يفيد القلة فكأنه إشعار بسهولة ما كلفنا به فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ أي: فمن كان منكم يخاف من الصوم زيادة المرض، أو بطء البرء، أو يخاف المرض بسبب الصوم بغلبة الظن، إما بإمارة، أو تجربة، ولو كانت من غير المريض عند اتحاد المرض، أو بإخبار طبيب حاذق مسلم عدل، أو مجهول الحال، لم يظهر له فسق ولا عدالة. أو كان مسافرا سفرا شرعيا، بأن يكون قاصدا موضعا يبعد عن بلده مسافة واحد وثمانين كيلومترا- على اجتهاد بعضهم- بشرط أن يكون قد أنشأ السفر قبل الفجر، ليصح له أن يفطر اليوم الأول وذلك يقتضي أن يكون متلبسا بالسفر عند الفجر- على الرأي الأحوط- فأفطر فعليه صيام عدد أيام فطره. والعدة بمعنى: المعدوم. أي: أمر أن يصوم أياما معدودة بدل أيام مرضه وسفره. وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ في هذا النص اتجاهان رئيسيان، الاتجاه الأول:
أنه قبل: يُطِيقُونَهُ توجد (لا) مقدرة فصار المعنى: وعلى الذين لا يستطيعونه، كالشيخ الفاني الذي فنيت قوته، وعجز عن الأداء وهو في تناقص إلى أن يموت، والعاجز عن الصوم عجزا مستمرا، والمريض اليائس من الصحة، فهؤلاء يفطرون وعليهم فدية وجوبا إطعام مسكين يوما عن كل يوم. أو أن يدفع إليه نصف صاع من بر، أو صاعا من غيره عن كل يوم، أو ثمنه. والصاع حوالي أربعة كيلوغرام في أول تقدير الحنفية. في أول الشهر أو أوسطه أو آخره، أو بعد ذلك. وعلى هذا الاتجاه، فهذا النص
غير منسوخ. وأما الاتجاه الثاني في فهمه، فكما قال معاذ: كان هذا في ابتداء الأمر. من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم عن كل يوم مسكينا. قال النسفي:
وكان ذلك في بدء الإسلام فرض عليهم الصوم ولم يتعودوه، فاشتد عليهم، فرخص لهم في الإفطار والفدية. ثم نسخ التخيير بقوله: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ.
ولهذا كرر قوله: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ لأنه لما كان مذكورا مع المنسوخ ذكر مع الناسخ ليدل على بقاء هذا الحكم. قال ابن كثير: فحاصل الأمر أن النسخ ثابت في حق الصحيح المقيم بإيجاب الصيام عليه بقوله: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ.