الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 -
طبيعة مسارعة إلى الشرك 2 - طبيعة متعنتة تطلب ما لا يصح طلبه كرؤية الله 3 - طبيعة فاسقة محرفة 4 - طبيعة مفسدة شهوانية 5 - طبيعة كافرة مكذبة بالآيات 6 - طبيعة تكره الحق وتقتل أهله ولو كانوا أنبياء 7 - طبيعة محتالة على الأوامر والنواهي 8 - طبيعة غادرة تنقض المواثيق حتى مع الله- جل جلاله 9 - طبيعة مجادلة.
ولنبدأ عرض الفقرة:
التفسير:
أَفَتَطْمَعُونَ أيها المؤمنون أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ. أي: ينقاد لكم هؤلاء اليهود بالتصديق والطاعة والاستجابة لدعوتكم وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ. أي: طائفة ممن سلف منهم يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ. أي: التوراة ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ. أي: يتأولونه على غير تأويله مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ. أي: من بعد ما فهموه على الجلية، ومع هذا فهم يخالفونه على بصيرة مع علمهم أنهم مخطئون فيما ذهبوا إليه من تحريفه وتأويله، يفهم من ذلك أنه متى وجدت هذه العقلية التحريفية فلا أمل يرتجى عندها في قبول الحق ومتابعته.
وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا. أن صاحبكم رسول الله ولكنه إليكم خاصة وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ. أي: في حال اختلائهم ببعضهم يقول بعضهم لبعض: لا تحدثوا أصحاب محمد بما فتح الله عليكم مما في كتابكم ليحاجوكم به عند ربكم فيخصموكم.
وقال ابن عباس: «وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا لا تحدثوا العرب بهذا فإنكم قد كنتم تستفتحون به عليهم فكان منهم فأنزل الله وَإِذا لَقُوا .. لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ. أي: تقرون بأنه نبي، وقد علمتم أنه قد أخذ له الميثاق عليكم باتباعه وهو يخبرهم أنه النبي الذي كنا ننتظر ونجد في كتابنا: اجحدوه ولا تقروا به. وقال النسفي في تفسير هذا الجزء من الآية أي: أتخبرون أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بما بين الله لكم في التوراة من صفة محمد صلى الله عليه وسلم ليحتجوا عليكم بما أنزل ربكم في كتابه، جعلوا محاجتهم به وقولهم هو في كتابكم هكذا محاجة عند الله ألا تراك تقول: هو في كتاب الله تعالى هكذا، وهو عند الله هكذا، بمعنى واحد. وقيل في قوله تعالى: لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ إنه إضمار مضاف والتقدير أي: عند كتاب ربكم. وقيل: ليجادلوكم ويخاصموكم به بما قلتم لهم عند ربكم في الآخرة، يقولون كفرتم بعد أن وقفتم على صدقه
أَفَلا تَعْقِلُونَ أن هذا حجة عليكم حيث تعترفون به ثم لا تتابعونه، دلت هذه الآية على أن من طبيعة اليهود أن يظهروا خلاف ما يبطنون مع عدم الإكراه، وأنهم يقولون للناس شيئا ويقولون فيما بينهم شيئا آخر، كما دلت الآية على أن هذا النوع من المواقف سببه عدم معرفة الله حق المعرفة، وإلا لو أنهم يعلمون أن الله يعلم السر وأخفى
لعلموا أن الحجة قائمة عليهم اعترفوا أو لم يعترفوا
ولذلك قال تعالى: أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إنهم جهلة بالله؛ ولذلك فإنهم يقولون ما يقولون، فإذا كان هذا حال أهل العلم منهم فما بالك بالعامة،
إن الآية الآتية تصور لنا حال هؤلاء العامة: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ الأمي: هو الذي لا يحسن القراءة والكتابة، والمراد بالكتاب هنا التوراة، والأماني: جمع أمنية وهي التمني الذي لا يرافقه عمل، وقد تأتي بمعنى الكذب، أو بمعنى التلاوة غير المتعمقة، والأرجح أن المراد بها هاهنا الأول، فمعنى الآية: ومن اليهود من لا يحسن القراءة والكتابة، فهم لا يطالعون التوراة فيتحققون بما فيها، فهم لا يعرفون إلا ما هم عليه من أماني من أن الله يحبهم، ويعفوا عنهم، ويرحمهم على ما هم عليه كائنا ما كان، وما هم في هذا إلا ظانين؛ لا يستندون في ما هم فيه على يقين.
ذكر في هذه الآية العامة المقلدون، وفيما قبلها العلماء المحرفون، والمنافقون والمضللون، وهذا هو التقليد المذموم أن يوجد إمام يتبعه متبع على غير هدى، ومن الضلال الفظيع تأويل كتاب الله على غير ما يحتمله نص الكتاب وما تشعبت فرق الضلال إلا عن مثل هذا، وما تضل العامة في الغالب إلا بسبب أئمة الضلال الذين يحرفون كتاب الله، أو يتأولونه بهوى، أو ينسبون إلى الله ما لم يقله أو يحكم به، وعلماء اليهود فعلوا هذا كله، والآية التالية تذكر فعلة من فعلاتهم، والدواعي التي دعتهم لذلك وما يستحقونه من عقاب عليها قال تعالى:
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ عن ابن عباس: «الويل المشقة من العذاب» .. وقال الخليل بن أحمد: الويل شدة الشر. وقال سيبويه: ويل لمن وقع في الهلكة، وويح لمن أشرف عليها وقال بعضهم: الويل الحزن.
وقال الحسن البصري: «الثمن القليل الدنيا بحذافيرها» ومن الدنيا المال والزعامة والجاه وعلى هذا فمعنى الآية.
أن الهلاك والعذاب للكتبة الوضاعين الذين يكتبون كتبا مختلقة من عند أنفسهم،
ويزعمون أنها من عند الله وليست كذلك، ومن أجل كسب يسير كهذه الدنيا الفانية وما فيها أو بعض ما فيها، فويل لهم مرتين: مرة على ما كتبوا ومرة على ما كسبوه من مال حرام، والآية وإن جاءت في سياق الحديث عن بني إسرائيل فإنها عامة.
قال عبد الرحمن بن علقمة: سألت ابن عباس رضي الله عنه عن قوله تعالى:
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ قال نزلت في المشركين وأهل الكتاب.
ثم قال تعالى:
وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ مجئ هذه الآية بعد ما قبلها بمثابة البيان لأسباب هذه المواقف الخائنة.
إن جرأة اليهود على التحريف والتبديل، وعلى الكيد والمكر والحسد والخداع ومعاندة الأنبياء، وغير ذلك من صفاتهم ومواقفهم، إن ذلك كله سببه هذا الاعتقاد الفاسد أن مدة مكثهم في النار أياما معدودة، ثم إن مجئ الآية بعد الآية التي ذكرت كتاباتهم المختلقة، ونسبتهم إياها إلى الله يوحي كذلك بأن هذا مما اختلقوه وقالوا هو من عند الله، وفي الوقت نفسه فإن الآية تسجل واحدة من الأماني الكاذبة التي ربي عليها عامة اليهود. وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ فهذه إحدى الأماني المظنونة، وقد ردت الآية على زعمهم في هذا الموضوع. وعلينا أن ندرك هنا بعمق كيف أن تصور الإنسان عن اليوم الآخر يؤثر تأثيرا كاملا في مواقفه فإذا كانت هذه المواقف اليهودية الفظيعة أثرا من آثار هذه العقيدة التي رأيناها وذلك شئ منصوص عليه في سورة آل عمران:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ* ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ.
إذا كانت هذه مواقف اليهود بسبب هذه العقيدة، فكيف تكون مواقف الذين لا يؤمنون باليوم الآخر أصلا! فكيف تكون مواقف الذين يتصورون أن الله لا يعذبهم أبدا! وللأسف فإن كثيرين من عامة المسلمين وعلمائهم يستشعرون الأمن من النار ومن عقاب الله، وذلك أقل ما يقال فيه أنه من الكبائر كما نص عليه الفقهاء.
في الأيام المعدودة أقوال منها أنها سبعة أيام، ومنها أنها أربعون يوما، ولا شك أن