الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالنَّهارِ
…
تارة يطول هذا ويقصر هذا، وتارة يأخذ هذا من هذا ثم يتقارضان، وهذا يجئ ثم يعقبه الآخر، ضمن نظام دقيق عجيب. وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ الفلك: السفن. وتطلق على المفرد والجمع. أي في تسخير البحر بحمل السفن من جانب إلى جانب لمعايش الناس، والانتفاع بما عند أهل ذلك الإقليم، ونقل هذا إلى هؤلاء، وما عند أولئك إلى هؤلاء. وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها أي: وما أنزل الله من السحاب من مطر فأحيا بالماء الأرض من بعد يبسها. وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ أي: وفرق فيها من الدواب من كل الأنواع والأصناف، مختلفة الأشكال والألوان والمنافع والصغر والكبر.
وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ ضمن نظام دقيق عجيب. وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ المسخر: المذلل المنقاد لمشيئة الله. لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ: لدلالات بينة على وحدانية الله لمن ينظرون بعيون عقولهم ويعتبرون فيستدلون بهذه الأشياء على قدرة موجدها وحكمة مبدعها ووحدانية منشئها.
فوائد:
1 -
عند قوله تعالى: وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ قال القرطبي:
«هذه الآية وما كان مثلها دليل على جواز ركوب البحر مطلقا، لتجارة كان أو عبادة كالحج والجهاد» وبعد أن ذكر بعض النصوص التي تفيد ذلك قال: «ففيه دليل واضح على ركوب البحر في الجهاد للرجال والنساء. وإذا جاز ركوبه للجهاد، فركوبه للحج المفترض أولى وأوجب» . ثم بعد مناقشات قال: (قلت: فدل الكتاب والسنة على إباحة ركوبه للمعنيين جميعا: العبادة والتجارة، وفيهما الحجة، وفيهما الأسوة. إلا أن الناس في ركوب البحر تختلف أحوالهم. فرب راكب سهل عليه ذلك ولا يشق، وآخر يشق عليه ويضعف به، كالمائد المفرط الميد. حتى لم يقدر معه على أداء فرض الصلاة ونحوها من الفرائض: فالأول ذلك له جائز، والثاني يحرم عليه ويمنع منه، ولا خلاف بين أهل العلم .... أن البحر إذا ارتج لم يجز ركوبه لأحد بوجه من الوجوه في حين ارتجاجه، ولا في الزمن الذي الأغلب فيه عدم السلامة. وإنما يجوز عندهم ركوبه في زمن، السلامة فيه الأغلب. فإن الذين يركبونه حال السلامة وينجون لا حاصر لهم.
والذين يهلكون فيه محصورون).
أقول: كلامه الأخير ينبغي تقييده بأن الحكم كذلك في الأحوال العادية لمريد سياحة، أو لمريد تجارة، وغلب على الظن الهلاك. أما إذا كانت هناك ضرورات عسكرية إسلامية أو غيرها من الضرورات، فالفتوى البصيرة هي التي تقدر الحكم.
2 -
في تعليق صاحب الظلال على قوله تعالى: لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ يقول:
«نعم لو ألغى الإنسان عن عقله بلادة الألفة والغفلة، فاستقبل مشاهد الكون بحس متجدد، ونظرة مستطلعة، وقلب نوره بالإيمان. ولو سار في هذا الكون كالرائد الذي يهبط إليه أول مرة، تلفت عينه كل ومضة، وتلفت سمعه كل نأمة وتلفت حسه كل حركة، وتهز كيانه تلك الأعاجيب التي تتوالى على الأبصار والقلوب والمشاعر. إن هذا هو ما يصنعه الإيمان
…
». فيرى العقل في كل شيء آية.
ومن كلمات صاحب الظلال في الآية:
«وكلها مشاهد لو أعاد الإنسان تأملها- كما يوحي القرآن للقلب المؤمن- بعين مفتوحة وقلب واع، لارتجف كيانه من عظمة القدرة ورحمتها .. تلك الحياة التي تنبعث من الأرض حينما يجودها الماء .. هذه الحياة المجهولة الكنه، اللطيفة الجوهر، التي تدب في لطف، ثم تتبدى جاهرة معلنة قوية .. هذه الحياة من أين جاءت؟ كانت كامنة في الحبة والنواة
…
! ولكن من أين جاءت إلى الحبة والنواة؟ أصلها .. ؟ مصدرها الأول
…
؟. إنه لا يجدي الهرب من مواجهة هذا السؤال الذي يلح على الفطرة .. لقد حاول الملحدون تجاهل هذا السؤال الذي لا جواب عليه إلا وجود خالق قادر على إعطاء الحياة للموات. وحاولوا طويلا أن يوهموا الناس أنهم في طريقهم إلى إنشاء الحياة- بلا حاجة إلى إله- ثم أخيرا إذا هم في أرض الإلحاد الجاحد الكافر. ينتهون إلى نفض أيديهم أو الإقرار بما يكرهون: استحالة خلق الحياة: وأعلم علماء روسيا الكافرة في موضوع الحياة هو الذي يقول هذا الآن! ومن قبل، راغ دارون صاحب نظرية النشوء والارتقاء من مواجهة هذا السؤال. ثم تلك الرياح المتحولة من وجهة إلى وجهة، وذلك السحاب المحمول على هواء، المسخر بين السماء والأرض، الخاضع للناموس الذي أودعه الخالق هذا الوجود .. إنه لا يكفي أن تقول نظرية ما تقوله عن أسباب هبوب الريح، وعن طريقة تكون السحاب إن السر الأعمق، هو سر هذه الأسباب ..
سر خلق الكون بهذه الطبيعة وبهذه النسب، وبهذه الأوضاع التي تسمح بنشأة الحياة ونموها، وتوفير الأسباب الملائمة لها من رياح وسحاب ومطر وتربة .. سر هذه