الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 - فوائد
(أ) أخرج الترمذي عن أبي موسى الأشعري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«إن الله عز وجل خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض فجاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والسهل والحزن والخبيث والطيب» قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. أقول: وهو نص في كون آدم لم يتطور عن شئ سبقه، ولنا عودة على هذا الموضوع، وأخرج مسلم والنسائي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها» وأخرج الحاكم عن ابن عباس قال: «ما أسكن آدم الجنة إلا ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس» وقال الحسن: «لبث آدم في الجنة ساعة من نهار، تلك الساعة ثلاثون ومائة سنة من أيام الدنيا» وقال أبو موسى: «إن الله حين أهبط آدم من الجنة إلى الأرض علمه صنعة كل شئ، وزوده من ثمار الجنة، فثماركم هذه من ثمار الجنة غير أن هذه تتغير وتلك لا تتغير» .
أخرج الحافظ أبو بكر بن مردويه عن أبي ذر قال: «قلت يا رسول الله أرأيت آدم أنبيا كان؟ قال: نعم. أنبيا رسولا يكلمه الله قبيلا» أي: عيانا.
(ب) يلاحظ من قصة آدم وموقف الملائكة من خلقه، كيف أن العلم المحيط تنكشف به من الأسرار والحكم ما لا ينكشف بغيره، وعلم الله أزلي ليس كمثله شئ، ولكن من قصة آدم نأخذ درسا وهو أنه كلما ازداد العلم كان الحكم أصح ففي حياتنا الدنيوية نجد كثيرين ليسوا مرشحين لإصدار أحكام في كثير من القضايا لعدم إحاطتهم بها، ومن ثم فإن أحكامهم تبقى قاصرة وهذا يجعلنا- وخاصة في أمر بناء الأمم واعتماد ما ينبغي اعتماده في شئون الحكم والعامة والخاصة- نتأنى كثيرا فلا نصدر حكما إلا بعد استيعاب شامل للقضية التي بين أيدينا.
(ج) يلاحظ أن الملائكة عند ما سئلوا عما لا يعلمون كان جوابهم سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا وهذا أدب رفيع أن يقول المسئول عن شئ لا يدريه: لا أدري. قال القرطبي: وذكر الهيثم بن جميل قال شهدت مالك بن أنس سئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال: في اثنتين وثلاثين منها: لا أدري» وهو أدب نفيس. فقد اعتاد
الكثيرون أن يهجموا على الحديث في كل شئ دون أن يكون عندهم علم فيه، وإنما هي الظنون أو الأوهام.
(د) يلاحظ من قصة آدم أن استعداد الإنسان للعلم هو سر استخلافه وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها .. وفي عصرنا تبينت لنا آفاق هذا السر كثيرا حيث نرى ما استطاع الإنسان أن يكتشفه من أسرار هذا الكون، ولكن للأسف فإن الإنسان سخر هذا من أجل التدبير لسفك الدماء وإفساد الأرض، وكل ذلك بسبب غياب المسلمين عن حكم هذا العالم بكلمة الله، ولكن أليس من المؤسف أن تكون حصة المسلمين منذ قرون في استكشاف هذا الكون ومعرفة أسراره أقل من غيرهم!؟ وكان هذا من عوامل سيطرة الكافرين، إن على المسلمين أن يعودوا رجال قمة في كل اختصاص كوني.
(هـ) يلاحظ من خلال قصة آدم أن الله عز وجل أبرز للملائكة مزية آدم ثم أمرهم بالسجود، وكانت المزية هي العلم، وهذا درس كبير في موضوع اختيار القيادات، وهو شئ كنا نراه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا، فإنه عليه الصلاة والسلام كان يري المزية ثم يؤمر كما فعل مع الوفد الذين أمر عليهم رجلا من أحدثهم سنا وليس من أشرفهم لأنه يحفظ سورة البقرة، إن أهم قضية ينبغي أن تلاحظ في التقديم والتأخير هي العلم في القضية التي من أجلها يكون التقديم والتأخير، وبمناسبة قوله تعالى: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها يقول النسفي: أفادتنا الآية أن علم الأسماء فوق التخلي (أي التفرغ) للعبادة فكيف بعلم الشريعة؟!
(و) وفي قصة آدم من العبر الكثير، فمن فهمها وأخذ عبرها استقام أمره، ولذلك أمرنا الله أن نتذكرها فهي قصة البداية التي ينسحب أثرها على الزمان كله، وهي قصة الفطرة، ومن عبرها امتحان الإنسان بالشيطان وامتحان الناس بعضهم ببعض، وهذا يقتضي من الإنسان العاقل أن يحذر لينجح في الامتحان، ولا نجاح إلا بملازمة الأمر ومجانبة النهي، ومن عبرها أن الله عز وجل عرف الإنسان فيها على طريق الخلاص من الذنب إذا وقع فيه وذلك بالتوبة. قال ابن عباس ذاكرا ما تم بين آدم وربه بعد الخطيئة قال آدم عليه السلام: يا رب ألم تخلقني بيدك؟ قيل له: بلى. وكتبت علي أن أعمل هذا؟ قيل له: بلى. قال: أرأيت إن تبت هل أنت راجعي إلى الجنة؟ قال: نعم».
ومن عبرها أن الكبر بداية الخطأ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر» ثم عرف الكبر بأنه «غمط الناس وبطر الحق» . ومن